شادي الخليج أطلّ في مشهد الختام... فأبحر بأغنية «ها نحن عدنا ننشد الهولو»
معرض «أبناء السندباد» ضمّ صوراً للقبطان الأسترالي ألان فيليرز
العرض اعتمد على«الجرافيك» والتقنيات الحديثة... التي ساهمت في بناء العنصر الدرامي
ليلة من العمر، قضاها جمهور مركز الشيخ جابر الأحمد الثقافي - أول من أمس - في ختام الموسم الثاني من «جسور ثقافية» من خلال إنتاج ضخم وجديد للمسرحية الغنائية «مذكرات بحار»، حيث استحضروا من خلالها ذكريات جميلة مضت عليها قرابة 40 عاماً بنسختها الأولى التي كتبها الشاعر الراحل محمد الفايز ولحنها الموسيقار غنام الديكان، إذ قدمها فريق العمل الحالي وفق رؤية درامية غنائية ومسرحية مختلفة، وضع بصمته ورؤيته فيها الروائي الشاب سعود السنعوسي، بعد ما استلهم فصولها من أمجاد الآباء والأجداد وهم يصارعون الأمواج بحثاً عن لقمة العيش في عرض البحار، ومزودةً بنصوص من ديوان «مذكرات بحار».
وتروي قصة العمل المسرحي باختصار ما كابده الأجداد في سبيل إيجاد رزقهم بأعماق البحار، بعد أن ضحوا بأنفسهم وسط مخاطر البحار، تاركين خلفهم أسرهم وأطفالهم، وتلخص ذلك كله من على ظهر تلك السفينة الشراعية، التي أبحرت من على خشبة المسرح وعلى متنها مجموعة من المغنين والممثلين الشباب، يقودهم ربان الغناء الوطني الفنان عبدالعزيز المفرج شادي الخليج، الذي أطل في مشهد الختام وغنى «ها نحن عدنا ننشد الهولو»، ليترك بصمته في هذه الملحمة الغنائية، إذ كانت لمشاركته بالغ الأثر في نفوس الجمهور، فأبحروا من مرفئنا إلى ماضٍ سمعنا عنه من حكايات أجدادنا، ماض عن الحب والوجع والأمل، حب البحر والوجع من أهواله والأمل في عطاياه.
ننزل من ظهر السفينة ونلتقي الشاب عبدالعزيز ووالدته «الخالة موضي» وابنة خالته الموعود بها «دانة» وعمه النوخذة «يوسف» وزوجة عمه «أمينة» وابنتهما «لولوة»، حيث يروون لنا جميعاً في لوحات استعراضية فانتازية تمزج بين الغناء والشعر والمفردات العتيقة وحكاية السندباد، الذي أبى أن يبقى حبيس «السيف»، وقرر أن يتمرد على خوف والدته من أن يسلبها البحر إياه بعدما حرمها من زوجها.
يطوف بنا عبدالعزيز في حياته بشخوصها حتى نمتلئ بشغفه بالبحر، ونستشعر من ناحية أخرى خوف والدته من فقدانه في الأمواج المتلاطمة كما حصل مع والده، كما نتحرى اليوم الذي يجتمع فيه مع دانته التي يحبها، فتكبر فينا الآمال معهم، ونخاف ايضاً من فقدانهم لأحبابهم، وتبقى آمالنا معلقة مع أبطال الحكاية معقدوة على جبين القدر، ونتساءل هل من لقاء قريب بين الأحباء أم سيفرق البحر شملهم ويشتت أرواحهم؟
ثم يعود بنا المخرج تاما ماثيسون صاحب البصمة الواضحة إلى ظهر السفينة، ونصارع الموج مع عبدالعزيز في ظلمات الليل الضرير، لننتقل مرة أخرى إلى قلب المدينة ونستعيذ مع أمه موضي من الفقد، ولسان حالها يقول: «دعهم يعودوا سالمين» ونستعيد حنين دانة في «الليالي المقمرات» فهل يعود المحمل ونوخذته وبحارته إلى شاطئ المدينة، أم يسلبهم البحر أحد الأحباء؟
العرض بمجمله اعتمد بصورة كبيرة على التقنيات الحديثة (الجرافيك) التي ساهمت في بناء العنصر الدرامي، كذلك وصول الفكرة إلى المتلقي بكل مرونة، وكان بحق عملاً تراثياً يرقى إلى العالمية نصاً وأداء وإبهاراً. بالإضافة إلى أنه لم يقتصر دور المغنين على الغناء فقط، بل شاركوا في التمثيل أيضاً، خصوصاً الفنانين ولاء الصراف وبدر نوري والطفلة زينة الصفار، فضلاً عن براعة عدد من المواهب الشابة في الأداء الحركي والاستعراض، ممن تفننوا بالرقص على أنغام الموسيقى الحية بقيادة المايسترو الدكتور محمد باقر وفرقته الموسيقية.
الجميل في تلك الليلة أن القيمين على العمل لم يغفلوا عن توجيه الشكر لصنّاع «مذكرات بحار» لاسيما وزارة الاعلام، والشاعر الراحل محمد الفايز«مؤلف ديوان مذكرات بحار» وملحن المسرحية الغنائية الموسيقار غنّام الديكان، والفنان عبدالعزيز المفرّج - شادي الخليج - والإعلامي محمد السنعوسي «مخرج العمل التلفزيوني» والفنانة سناء الخراز «مغنية العمل». كذلك حرص القيمون على أن يعيش الجمهور أجواء الماضي الجميل منذ الاستهلال عبر إقامة معرضاً بعنوان «أبناء السندباد»، الذي تزينت جدرانه بلوحات من كويت الماضي، وذلك في مبنى الموسيقى الذي ضمّ صوراً للمؤلف والمغامر والمصور والقبطان الأسترالي ألان فيليرز، خلال تواجده في الكويت لأربعة أشهر في صيف العام 1939، وكان منها شهر قضاه برفقة غواصي اللؤلؤ في شمال الخليج.
وقد تناولت المسرحية الموسم الأخير من الغوص في تاريخ الكويت الحديث، تلك المهنة التي كانت نمط حياة وليس مجرّد عمل، لها طقوسها ولباسها وغناؤها وأمكنتها وسحرها أيضاً، بدأت بعدها الحياة تأخذ طريقاً آخر مع ظهور النفط، وبدا كما لو أن البحر يبتعد.
ضمن هذا الشعور، قرر الشاعر والإذاعي الراحل محمد الفايز أن يمسك بآخر خيوط شباك تلك الحياة، وأن يرويها تحت عنوان «مذكّرات بحار»، عام 1962، سمعها الكويتيون على شكل حلقات إذاعية، أصدرها للمرة الأولى في كتاب تحت اسم «سيزيف».
وفي العام 1979، أنتج تلفزيون الكويت العمل ليصبح «أوبريت» من إخراج محمد السنعوسي، وألحان غنام الديكان، وأصبح الأوبريت جزءاً من الذاكرة الجمعية للبلاد، والذي يروي حياة الإنسان الكويتي قبل النفط وبعده.
وقد أعاد «مركز جابر الأحمد الثقافي» في الكويت العاصمة، الحياة لهذا الأوبريت، حيث تقدّم عروضه بنسخة وتصوّر جديدين أيام 24 و27 و29 أبريل الجاري، و2 مايو المقبل.
ويختتم المركز عروض موسمه الثاني «جسور ثقافية» بهذا الإنتاج الضخم للمسرحية الغنائية، التي صاغ رؤيتها الجديدة الروائي سعود السنعوسي، وأخرجها للمسرح تاما ماثيسون، أما الأدوار في العمل فكان أبطالها كلاً من زهرة الخرجي بدور موضي، خالد العجيري بدور والد عبدالعزيز، بدر نوري بدور يوسف، ولاء الصراف بدور أمينة، خليفة العميري بدور عبدالعزيز، حنين العلي بدور دانة، زينة الصفار بدور لولوة، شهد سليمان بدور أم عنبر، مساعد التتان بدور النهام، والإعلامية فيحاء السعيد التي ألقت الشعر بصوتها.