أصبوحة

«إذا كانت النفوس كبارا»...

1 يناير 1970 10:29 ص

يقول أبو الطيب المتنبي:
إذا كانت النفوس كبارا
تعبت في مرادها الأجسام
وهو قول يكتسب الكثير من المعرفة والحكمة حول الطبيعة البشرية، ويعكس تأثير وفعل الطاقة الهائلة، والجهد الذهني غير العادي عند بعض الناس، ولعل النادرين من هؤلاء هم من ينطبق عليهم الحال، وقد يكون جلهم من المبدعين في الحياة، الذين يمتلكون طاقات ملفتة في أدائهم الإبداعي أو الحياتي، لدرجة أننا نستطيع بقليل من التأمل، ملاحظة ذلك عند بعض البشر، بل نشعر بتلك الطاقات الهائلة تشع منهم، فننجذب كالمسحورين لشخصياتهم، أو أدائهم المتميز والمؤثر في حياتنا، سواء كانوا مبدعين من أي نوع أو مجرد بشر يعيشون بيننا.
فبمراجعة بعض أسماء المبدعين المؤثرين في حياتنا، نجد أسماء كثيرة لا يمكن حصرها، تعكس ما ذهبنا إليه، بمجرد متابعتنا لأعمالهم أو دراسة سيرهم الذاتية، إن كانوا من المبدعين فسنجدهم مختلفين بل أفذاذا في آثارهم.
وعلى سبيل المثال لا الحصر، هناك المبدع المسرحي صقر الرشود، وهو الذي ترك بصمة لا يمكن اغفالها في تاريخ المسرح، ووضع الكويت عبر ابداعه المسرحي في مقدمة الدول العربية، أو في الصفوف الأولى من الحركة المسرحية العربية، فنالت أعماله الفائقة جوائز كثيرة وكبيرة، ونافس بذلك أقدم المخرجين وأعرقهم على الساحة، ووضع المسرح الكويتي على درب الخلود، ومات وهو في سن 37 عاماً فقط.
وإذا التفتنا ناحية المتميزين من المبدعين العرب، نحط الرحال عند غسان كنفاني الروائي والمناضل الفلسطيني على سبيل المثال، الذي استشهد في سن 36 عاماً، عندما فجرته الاستخبارات الإسرائيلية، انتقاماً من فكره ومقاومته وقلمه المبدع.
وفي محطة الأفذاذ في الأدب العالمي، نشير إلى الكسندر بوشكين، ذلك الشاعر الروسي العظيم، الذي خرج في المظاهرة بعد موته آلاف من الجماهير، بعد أن قتل في مبارزة مدبرة من القيصر، بسبب موقفه من الحكم القيصري، وبسبب أشعاره التي ألهبت الشعب الروسي، بل اُعتبر أنه أبو اللغة الروسية الحديثة، فمات متأثراً بجراحه وهو في سن 38 عاماً.
وكذلك الشاعر الإسباني المدهش فيديريكو غارثيا لوركا، الذي قتل برصاصة في الصدغ، على يد الميليشيات الفاشية، التي كان يقودها الجنرال فرانثيسكو فرانكو في انقلاب على الديموقراطية في إسبانيا، في ثلاثينات القرن الماضي، واستشهد لوركا واختفت جثته وهو في سن 38 عاماً.
وفاة هؤلاء من المبدعين وغيرهم، قد لا تكون الطاقة الذهنية أو إبداعاتهم أو الأمراض وحدها سبب وفاتهم، بل كذلك مواقفهم ونشاطهم وطاقة فعلهم في الحياة، هي التي قادتهم إلى مصيرهم، وكأنهم سعوا إلى حتفهم بسبب أفكارهم ومشاعرهم، بينما البعض الآخر يعيش إلى سنوات متأخرة، بسبب ركونه إلى الدعة بعيداً عن التفاعل العضوي مع المجتمع والحياة.
osbohatw@mail.com