مثقفون بلا حدود

الرمز والرمزية... رؤية أدبية وفنية (1 من 3)

1 يناير 1970 02:37 م

لا اختلاف حول المفهوم الأدبي لـ «الرمز» قديماً وحديثاً، وقد قال الله تعالى: «قال رب اجعل لي آية قال آيتك ألا تكلم الناس ثلاثة أيام إلا رمزا واذكر ربك وسبح بالعشي والإبكار» سورة آل عمران، الآية 41.
على أن كثيراً من المفسرين هنا فسروا الرمز بالإيماء، إما بتحريك الشفتين أو الحاجبين أو العينين أو اليدين، جاء في معجم لسان العرب لابن منظور «الرمز: تصويت خفي باللسان كالهمس، ويكون تحريك الشفتين بكلام غير مفهوم باللفظ من غير إبانة بصوت إنما هو إشارة بالشفتين، وقيل: الرمز إشارة وإيماء بالعينين والحاجبين والشفتين والفم، والرمز في اللغة كل ما أشرت إليه مما يبان بلفظ بأي شيء أشرت إليه بيد أو بعين، ورمزته المرأة بعينها ترمزه رمزا: غمزته» أ.هـ. و (التحريك) إشارة، يقول الدكتور حامد كاظم: «كان الجاحظ أول من أكثر الكلام عن الإشارة من الأدباء العرب، وهو يرى أن الدلالة على المعاني ليست بالألفاظ وحدها بل بالكتابة والإشارة الرمزية»أ.هـ.
أما بالنسبة لتفسير الرمز أرى أن الرمز يتعدى ما ذهب إليه المفسرون بكثير؛ فالأماكن رمز، والأشياء رمز، والألوان رمز؛ فعلى سبيل المثال: اللون الأبيض يدل على الصفاء والنقاء والطهارة وقد شكل رمزا للسلام وحسن المعاملة، والمسميات رمز؛ فهناك من يطلق على عمله الأدبي سواء أكان شعرا أم قصة أم مقالا عنوانا كـ «الطفل» على سبيل المثال - رمزا لبراءة هذا العمل معنى ومبنى، يقول الباحث التونسي/ لطفي النجار: «يبدع المجتمع أشكالا رمزية كالأدب والقصة والمسرح ليصف بها ذاته أو ليقدم تمثلا معينا لهذه الذات» أ.هـ.
وقديما سمي شعراء بـ «المهلهل»، و«الملك الضليل»، و«صناجة العرب»، وكلها ألقاب أضحت رموزا لما يتسم به هؤلاء الشعراء.
وقد تتشابه المصطلحات أو تتبادل الأدوار، فصناجة العرب لقب للشاعر الجاهلي الأعشى وقد شكل رمزا للشاعر الذي يجمع ما بين الشعر والعزف على آلة موسيقية، والملك الضليل صفة للشاعر الجاهلي امرئ القيس وقد شكلت رمزا للشاعر قليل الحيلة الذي فقد كل شيء، والمهلهل صفة للشاعر الجاهلي عدي بن ربيع التغلبي، وهناك من يفتح حرف الهاء الثانية كناية عن رداءة شعره وهناك من يكسر الهاء الثانية كناية عن عذوبة ورقة شعره، وقد شكلت هذه الصفة رمزا للشعر الرديء أو الشعر الجيد.
هذا فيما يخصّ (الرمز)؛ فقد وجدنا توافقا في التعريف ولم نجد اختلافا يذكر؛ إنما الاختلاف قد نجده في المفهوم الأدبي لـ «الرمزية»، والرمزية من المصادر الصناعية في علمي النحو والصرف، أما في الدراسات الأدبية، فقد جاء بكتاب (معجم اللغة العربية) «الرمزية هي: مذهب في الأدب والفن يقول بالتعبير عن المعاني بالرموز والإيحاء، ليدع للمتلقي نصيبا في فهم الصورة أو تكملتها أو تقوية العاطفة بما يضيف إليها من توليد خياله» أ.هـ.
على أن مفهوم (الرمزية) لم يكن واضحا؛ أو قل لم يتفق عليه بين الأوساط الأدبية الثقافية؛ لقد جاء في الموقع الإلكتروني صيد الفوائد «رغم أن استعمال الرمز قديم جدا، كما هو عند الفراعنة واليونانيين القدماء إلا أن المذهب الرمزي بخصائصه المتميزة لم يعرف إلا عام 1886م، حيث أصدر عشرون كاتبا فرنسيا بيانا نشر في إحدى الصحف يعلن ميلاد المذهب الرمزي، وعرف هؤلاء الكتاب حتى مطلع القرن العشرين بالأدباء الغامضين، وقد جاء في البيان: إن هدفهم: تقديم نوع من التجربة الأدبية تستخدم فيها الكلمات لاستحضار حالات وجدانية، سواء كانت شعورية أو لا شعورية، بصرف النظر عن الماديات المحسوسة التي ترمز إلى هذه الكلمات، وبصرف النظر عن المحتوى العقلي الذي تتضمنه، لأن التجربة الأدبية تجربة وجدانية في المقام الأول. وأبرز الشخصيات في المذهب الرمزي في فرنسا وهي مسقط رأس الرمزية: الأديب الفرنسي بولدير 1821م، وتلميذه رامبو، ومالارراميه، ويعد من رموز مذهب الحداثة أيضا: بول فالير 1871م، وفي ألمانيا: ر.م. ريلكه وستيفان جورج، وفي أميركا: يمي لويل، وفي بريطانيا: أوسكار وايلد» أ.هـ.

* كاتب وباحث لغوي كويتي
fahd61rashed@hotmail.com