أخطر من... تعويمه!

1 يناير 1970 07:31 م

كتب أحدهم متمنياً على «حزب الله» أن يبتعد عن العنجهيّة في خطابه وسلوكه، وأن يقرأ بعينِ الواقع تجارب كبيرة قامت على فائض القوة ثم انهارتْ... عدا عن سيلِ شتائم الذباب الإلكتروني الذي تلقّاه الرجل، إلا ان اللافت في مختلف ردود أنصارِ الممانعة عليه كان الإجماع على عبارةٍ واحدة صيغت بطرق مختلفة: «لو كان حزب الله عنجهياً كما تقول لما تَرَكَكَ تكتب أصلاً وتعبّر عن رأيٍ كهذا».
هذه المقدّمة، مدخلٌ الى الموضوع الأساسي... تستعاد لاحقاً.
ينطلق أنصار تعويم بشار الأسد من خلفياتٍ متعدّدة، بعضها من معطياتٍ ميدانية كون القوات الإيرانية (وأخواتها اللبنانية والعراقية وأحياناً الأفغانية) والقوات الروسية استطاعتْ استعادة الأراضي من المعارضين، والطرفان - الإيراني والروسي - ما عدما مناسبةً إلا للتباهي بأنه لولاهما لَسقط الأسد بعد أشهر من الثورة.
كما ينطلق هؤلاء من أن خطة محور الممانعة لـ «شيْطنة» الثورة نجحتْ بشكل كبير، عبر تفريخ وتوليد جهات متطرّفة أُخْرِجَتْ نواتُها الصلبة من السجون وأُعْطِيَتْ الأرض وحقوق استيراد المجانين من مختلف أنحاء العالم. وعندما أكل هؤلاء الثورة السلمية أولاً وفُتحت لهم مسالك أممية لتنفيس سمومهم، تَكرّستْ أولوياتٌ جديدة لدى العالم أهمّها أن بشار الكيماوي والبراميل سيّئ لكن التنظيمات الإرهابية أسوأ.
ويذهب هؤلاء إلى أن المَسْرح السوري اليوم الغائب الأكبر عنه هو الدولة السورية نفسها أولاً والعرب ثانياً، وأن مثلّثاً غير سوري وغير عربي يتحكّم بمسار البلد ومستقبله (إيران - روسيا - تركيا)، وأن تجربة تحويل المثلّث إلى مربّع عبر الضلع الأميركي فشلتْ استكمالاً لفشل (أو تواطؤ) إدارة باراك أوباما.
ويرى آخَرون أن من نتائج الأزمات والصفقات أيضاً تحويل الدول إلى سوق أممية تموج بمئات المليارات تحت شعار إعادة الإعمار واصطفاف الشركات والوكلاء في طابور الانتظار والحظوة.
وهناك في المنطقة مَن يخوض أيضاً معركة ضدّ «الإسلام السياسي»، ويرى في «خطْفِ» تياراتٍ بعيْنها لمطالبِ الناس وطموحاتها في التغيير والإصلاح تأسيساً لمنظومةِ تَخَلُّفٍ مبنيّة على معيار «التكهيف» لا التحديث.
ويجْنح تيارٌ إلى القول إنه بناءً على كل ما سبق يستحقّ السوريون «وقفة تعريبية» حتى لو باعَ رئيس النظام كل ثوابت الانتماء ورَهَنَ البلاد لسنواتٍ بأقساط ميسّرة لروسيا وإيران... في رهانٍ متجددٍ على شخصٍ يرسل مدير مخابراته ليقول للزعماء العرب إن عليهم إعانة سورية على العودة إلى محيطها فيما يذهب هو إلى طهران ليجزم أمام الإيرانيين بأنه يضحك على العرب كما ضحك عليهم قبلاً.
مهما تعدّدتْ مبرراتُ تعويم بشار الأسد، يكمن الخطرُ في أنها كلها محاولاتٌ مجانية لا يرتبط أيّ منها بتعهداتٍ دستورية أو سياسية أو أمنية او اقتصادية اجتماعية. بل أكثر من ذلك، لم توظّف هذه الدولة او تلك علاقاتها الضخمة سياسياً واقتصادياً بدولةٍ مثل روسيا في تأمين حد أدنى من الضمانات للشعب السوري الذي كان سَحْبُ أظافرِ أطفال درعا نقطةَ الإفاضة من وعاء المعاناة والقهر والقمع.
لكن الأخطر من ذلك كله، هو أن نظاماً خارجاً على كل القوانين الإنسانية، ومنظومةَ مُساعِدَةً هي عبارةٌ عن ميليشياتٍ أصبحت بالفعل أقوى من الدول التي تعيش فيها، يفهمان الانفتاح بطريقة واحدة: «انتصارٌ مقابل استسلام»، إضافة إلى أنهما يفهمان «الانتصار» على الناس مزيداً من القمع والتنكيل والقهر. فمَن كان موالياً بالكامل هو المواطن الصالح، ومَن كانت لديه وجهات نظر يُعتبر خائناً وجرثومة وعميلاً... ولكم في خطاب بشار الأخير ومواقف إيران وأتباعها ما يدلّ ضمنياً على «الندم» لعدم اعتماد الإبادة نهجاً منذ اليوم الأول للثورة السورية.
عودٌ الى المقدّمة، فأخطر مِن تعويم بشار هو حلول قيَمِ المُمانعةِ محلّ الدساتير والمبادئ والحريات. القانون هو ما يقوله بشار وإيران و«حزب الله» وميليشيات العراق وأفغانستان المُسانِدة والحوثيون، ولذلك فلو كان المُمانِعون مثلاً لديهم «عنجهية» لما سمحوا لشخصٍ بأن يبدي رأياً سياسياً يطالب «حزب الله» بالتواضع، وكأن لا دولة ترعى ولا قانون يسمح ولا دستور يكْفل حريةَ التعبير ولا مؤسسات رسمية تصون الحقوق. أخلاقُهم وسِعةُ صدْرهم ومسامحتُهم وعطْفهم صارتْ هي القانون والدستور والمؤسسات، وبالتالي كُتب على أبناء هذه المنطقة أن يبقوا أسْرى صبر بشار وإيران وميليشياتهم الحاكِمة وألا يغامروا بدفْع هذا الصبر الى النفاد كي لا يبيتوا ليلهم في... مقبرة جماعية.