مثقفون بلا حدود

حكاية الشعب الكرار الذكي

1 يناير 1970 12:41 م

شعب صغير بمساحة أرضه، كبير في احتواء أشقائه وأصدقائه، قليل في تعداد سكانه، كثير في كرمه وعطائه وسخائه، ضمد جراح الشعوب المنكوبة، مدّ يد العون للشعوب الفقيرة والمعسرة، قضى حوائج الدول المتعثرة، هذا الشعب كان عينا مبصرة للضرير، كان قدما قوية للأعرج، كان يدا مساعدة للأبتر، كان أذنا صاغية للأصم، كان لسانا ناطقا للأبكم، كان حليبا صافيا نقيا للأطفال المشردين، كان خيمة للأسر المهجّرة في بلدان العالم، كان قوت يوم المساكين، كان صوت الحق في المحافل العربية والدولية لنصرة المظلوم، كان نهرا لا ينضب لبقاء القضية الفلسطينية على قيد الحياة.
شعب مسالم حامد ربه بالسراء والضراء، بات آمنا مطمئنا لا يضمر الشر لأحد، ولا يحمل ضغينة لجيرانه، باغته فئران الليل، ونعامات نهار الخوف، قضـّوا مضجعه تحت شعار (الحرب خدعة)؛ أي خدعة وأنت أيها البعثي لم تعلن الحرب، الحرب خدعة بعد إعلانها وليس قبل إعلانها، قبل إعلانها تسمى غدرا وخيانة وخسة ونذالة، وتجردا من الرجولة والبطولة  والشهامة.
هذا الشعب الأبي الكريم الذي تم ترويعه وتشريده دونما سابق إنذار فرّ من غدر بنات آوى الضباع؛ ليكرّ كرّة الكواسر السباع. هذا الشعب الذي استقللت عدده، واستصغرت قوته، واستهنت بأفعاله، فاجأك بتنظيم الصفوف ورصها، وترتيب الأفكار ونسجها، إنه طيف واحد ونسيج واحد وشعب واحد إنها الكويت. أيها البعثي الجاهل.
أرض الكويت عصية عليك أيها البعثي، فهذه المباغتة الوضيعة لن تشتتنا، وهذا الغدر الدنيء لن يفرّقنا، وهيهات أن تهجرّنا، يبدو أنك لم تتعظ ممن سبقك.
هذا الشعب بذكائه طوقك من عدة جهات، إن أول صفعة يوجهها لك هي التفافه حول  الشرعية ومبايعة أسرة آل الصباح الكرام حكام الكويت، لقد اعتقدت بفهمك القاصر بأنهم سوف  يتركون الكويت ويتخلون عن الشعب ويعيشون في الخارج بما لديهم من أموال، ونسيت بأن شيوخنا الكرام يتنفسون هواء الكويت وأن الولاء متبادل بين الحاكم والمحكوم، وأن حب أسرة آل الصباح الكرام لهذه الأرض وشعبها لا يضاهيه حب في هذا الوجود.
هذا الشعب تعامل معك وفق خطة زمنية؛ لتعريتك أولا أمام العالم، وكشف زيف ادعاءاتك  الباطلة، وإسقاط قناعك وإظهار وجهك البغيض لشعوب العالم، وقد نجح في ذلك فقام بعزلك عن العالم حتى صرت منبوذا؛ وكأني بك تصرخ (لا مساس)، ثم كانت النواة الأولى هم الصامدون المقاومون في الكويت الذين لعبوا دورا مهما في إدارة المعركة فكانوا شوكة في جسدك، ثم المرحلة الثالثة وهي تعبئة من في الخارج لساعة الصفر.
هذا الشعب الذي هدأت أمام عناده وإصراره أمواج البحر العاتية، وبجبروته وفروسيته ودهائه خضعت له الصحراء القاحلة.
هذا الشعب هو جزء من العالم، ولأنه شارك دول العالم في الأفراح والأتراح، فلن يتخلوا عنه في محنته، ولن يخذلوه في نجدته، ولن يتركوه وحيدا.
هذا الشعب أوقف عجلة الزمن، وعطل حركة الحياة، وشل شريان العالم أجمع، الكل وقف وبكل احترام ليسمع الأسلوب الإنساني الراقي لهذا الشعب، الكل أومأ برأسه تحية إكبار لشعب مغدور به.
هذا الشعب أيها البعثي شعب مدني متحضر يرفض لغة الغاب، نعم قد يكون هرب معظمه من غدر جيش نظامي مدرب ومصنف، ولكن هذا الجيش جبان لم يعلن الحرب ولم يجرؤ على المواجهة، ومن شدة خوفه وهلعه جاءنا - إيهاما - بحافلات ركاب مدنية غازيا غادرا خائنا في منتصف الليل. أو تظن أننا لقمة سائغة أو صيدا سهلا؟! لا ورب الكعبة.
هذا الشعب أيها البعثي لن يخلـّـف وراءه مربعا ولا مثلثا ولا مستطيلا ولا مسجدا ولا محافظة ولا صحراء ولا جزيرة ولا مزرعة ولا هضبة ولا شبرا ولا حقا مغتصبا، ولن تضحك عليه سفيرة أو تستدرجه راقصة. هل تعرف الخزي والعار؟ الخزي والعار عندما يهرب جيش مدرب ورتب عالية ويتركون محافظاتهم لعصابات وميلشيات هذا هو الخزي والعار.
 هذا الشعب إن كنت تجهل كنهته استرجع أرضه كاملة غير منقوصة بذرة رمل، وأخذ كامل حقوقه المغتصبة، بل وعاقبك معاقبة الرجال أمام الملأ لتكون عبرة لغيرك، فحذار حذار من مغبة الرجال..

* كاتب وباحث لغوي كويتي
fahd61rashed@hotmail.com