وصل مهرجان القرين الثقافي في دورته الـ25، إلى محطة مهمة، تلك التي تتمثل في الاحتفاء بتجربة الشاعرة الدكتورة سعاد الصباح، التي بلغت في انتشارها إلى أبعد ما يمكن أن تصل إليه أي تجربة شعرية عربية أخرى، لتنظم على المسرح نفسه الذي أسسته في رابطة الأدباء وحمل اسمها، مساء أول من أمس محاضرة عنوانها «التجربة الشعرية في شعر سعاد الصباح»، شاركت فيها الشاعرة الزميلة سعدية مفرح، والدكتورة نورة المليفي، وأدارها المدير العام لدار سعاد الصباح للنشر الكاتب علي المسعودي، في حضور الأمين العام المساعد لقطاع الثقافة في المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب الدكتور عيسى الأنصاري، والإعلامية فاطمة حسين.
وفي تقديمه للمحاضرة أكد المسعودي أن سعاد الصباح واجهة من واجهات الكويت المضيئة بالشعر والإنسانية، وأنها أول شاعرة كويتية تصدر كتابا وأن لها بصمة واضحة في كل مكان تذهب إليه وهي المشجعة للأدباء الواعدين والشباب والمكرمة للأدباء الكبار، وبصماتها الإنسانية كثيرة ومتشعبة.
المليفي قدمت في المحاضرة بحثاً عنوانه «محاور التجربة في الشعر والنثر لك وحدك»، والذي طبعته في كتاب ووزعته على الحضور، وهو عبارة عن قراءة نقدية في ديوان «الشعر والنثر... لك وحدك» للشاعرة سعاد الصباح.
وقالت المليفي: «النتاج الشعري لسعاد الصباح يحتل مساحة بارزة وواضحة المعالم في الشعر النسوي الخليجي، فلا مراء في كونها من أبرز الأصوات الشعرية النسوية لا في منطقة الخليج فحسب، بل في العالم العربي... ويتميز نتاج شعرها بأنه صرخة في وجه الهيمنة الذكورية على شخصية الأنثى، ودعوة صريحة إلى المطالبة بحق المرأة في التعبير عن الخلجات المكبوتة».
وفي ما يخص محاور التجربة الشعرية في الديوان، أوضحت المليفي أن المتابع لإبداعات سعاد الصباح يشهد لها بثراء التجربة الشعرية وتنوعها وتعدد محاورها وأبعادها، ومن ثم رصدت المليفي في الديوان ثلاثة محاور هي الحب والحرية والموت.
وبيّنت المليفي أن محور الحب يحتل المساحة الأكبر في قصائد الديوان، وأن الشاعرة تعلن حبها في نوع من الخطاب المباشر، في المقطع الأول من قصيدة «بارد من دونك البيت كثيراُ»، وتطرقت المليفي في المحور الثاني «الحرية»، إلى فعل الكتابة الذي ترى فيه سعاد الصباح الحرية، تلك النغمة الأثيرة لديها في مجمل أعمالها، وقالت المليفي: «الشاعرة ترتكز على فعل الإرادة المستمرة، لأنه من دون تحقق الحرية تفقد كل شيء».
والمحور الثالث الذي يتعلق بالموت كشفت المليفي أنه يحتل مساحة كبيرة من إبداعات الشاعرة بصفة عامة ولكنه في الديون محل دراستها ينحسر إلى حد كبير مقارنة بمحوري الحب والحرية، فقد يكون موتا معنويا بسبب فقد الحبيب أو أنه يمثل المستحيل:
إنني كالسمكة التي عشقت
عصفوراً
إن جاءها غرق
وإن ذهبت إليه
ماتت
كما أشارت المليفي في بحثها إلى الثنائيات المتضادة، مثل الأنا والآخر، والعشق والكره، وأكدت المليفي أن سعاد الصباح شاعرة تتسم بثراء تجربتها في بساطة وتلقائية ووضوح.
وفي بحثها الأدبي قالت مفرح: «حديثنا مازال مستمرا عن سعاد الصباح هذه الشاعرة الاستثنائية... ليس في زمانها وحده وليس في مكانها وحده وليس في خصوصيتها العائلية وحدها، وليس في هويتها الإبداعية وحدها، ولكن بكل ذلك معا».
وأضافت: «شاعرة محتشدة بظنون الكلام الأليف، والكلام المخيف، وبسماوات لا نهائية من الشعر والنقد والصلاة والشك والأصدقاء، تمضي، ونمضي نحن الذين ربما نكون نظرنا لها ذات حلم شخصي مكسور أو هزيمة مضيئة بخصوصيتها وكأنها المرأة التي لا تعاني ولا تكسر ولا تنهزم ولا تظلم».
وأكدت مفرح أن «سعاد الصباح بذكاء فطري انحازت إلى محض الشعر في بناء مكونات شخصيتها الشعرية من دون أن تخفي اعتزازها بانتمائها العائلي الرفيع، ذلك الانتماء الذي أرى أنه أضاف بالضرورة صعوبة إضافية، حتى وإن كانت غير معلنة أو مقصودة، بدلا من أن يذلل صعوبة متوقعة تعترض طريق امرأة».
وأكملت: «لكن المثير فعلا أن سعاد الصباح استفادت - مثل غيرها من المبدعات الكويتيات - من كل المعطيات التي تحيط بتجربة أي امرأة مبدعة في أي مجتمع ذكوري»، واستطردت مفرح في وصفها لتجربة سعاد الصباح من خلال الدهشة التي كانت تزرعها بأسئلتها معلنة في محيط القبيلة المأخوذة بجرأة امرأة تكتب شعرا ثوريا ومن ثم تنشره على الملأ.
وأضافت مفرح: «سعاد الصباح التي أصرت على خيار الكتابة منذ الأبداية، أصرت في الوقت نفسه على خيار الخصوصية والجرأة فيها، حتى وهي تكتب عن تلك المنطقة الحميمة في حياة أي امرأة شرقية، فهي بدلا من أن تستسلم لحدود المساحة الشعرية العاطفية، التي اعتادت بعض الشاعرات العربيات المعاصرات قبلها بالذات أن يمارسن شاعريتهن ضمنها، اختارت أن تكسر هذه الحدود وتتجاوزها إلى حيث يمكن أن تكون نموذجا للمرأة الجديدة التي ينبغي أن تكون الشريك الفاعل، بدلا من أن تكون الشريك المتلقي في أي علاقة بين الرجل والمرأة».
منوهة إلى جيلها في الكويت الذي قدر له أن يتماس مع أشعار سعاد الصباح عبر المنهج الدراسي المقرر على طلبة الثانوية العامة، وقالت:«صورة ترسم ملامح شاعرة لا تبعد كثيرا عن زمان ذلك الجيل، وإن سبقتها ببضعة أعوام شعرية كانت كافية لكي تجعل منها المرجعية النسائية الأولى التي تنبع من تاريخنا الحميم وتتمدد على تفاصل جغرافيتنا المحلية الخاصة».
واستذكرت مفرح الكلمات المشجعة التي بادرتها بها سعاد الصباح بعد أن شاركت في أول أمسية شعرية لها خارج أسوار الجامعة، وتحديدا في رابطة الأدباء، كذلك ذكرت جائزة سعاد الصباح للإبداع الشعري، التي فازت بها عن كتابها «آخر الحالمين كان»، وختمت بقراءة قصيدة لسعاد الصباح تقول فيها:
يا أحبابي:
كان بودي أن أدخلكم زمن الشعر
لكن العالم - واأسفاه - تحول وحشا مجنونا يفترس الشعر.
وقدم الحضور عقب انتهاء المحاضرة مداخلاتهم كي يتحدث الدكتور عثمان البدري عن دفاع سعاد الصباح عن المرأة والرجل أيضا، والدكتورة وسمية المنصور أشارت إلى مسألة الفقد والحياة في شعر سعاد الصباح، والروائية اللبنانية مريم مشتاوي أكدت أن الحرية تمثل موضوعا رئيسا في شعر سعاد الصباح والتي كانت تستخدم الطيور كرموز لها، وأشارت الأدبية الدكتورة ليلى محمد صالح إلى القيمة الأدبية والشعرية والفكرية التي تمثلها سعاد الصباح محليا وعربيا.
وأبدى الأمين العام المساعد لقطاع الثقافة في المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب الدكتور عيسى الأنصاري اعتزازه بأن تكون تجربة سعاد الصباح الشعرية ضمن أبرز فعاليات مهرجان القرين الـ25، كونها رمز من رموز الشعر العربي.