تواصلت فعاليات مهرجان القرين الثقافي الـ25، كي تقام مساء أول من أمس في مكتبة الجابرية العامة محاضرة عنوانها «دور المكتبة في تثقيف الأسرة» ألقاها الباحث الدكتور عبدالله غليس، وأدارها الباحث عمر الخالدي، بحضور المشرف على المكتبات العامة في المجلس الوطني منير العتيبي.
وقال الخالدي في تقديمه للمحاضرة: «المكتبة هي الحقل الذي يحتضن المثقفين وطلاب العلم والمعرفة وهواة القراءة الذين يتطلعون لمعرفة كل ما يجول في عقل الإنسان، وما ينتج عنه من إبداعات علمية وأدبية وثقافية، تسير بالمجتمع نحو الرقي والتطور، وهو ما نراه جلياً في ازدياد اهتمام الدول المتقدمة بالمكتبات والقراءة، التي أصبحت اليوم مقياساً لمؤشر الثقافة في الدولة واهتمام الفرد بها، حيث لا يمكن إنكار دورها في تنمية المعرفة والحالة الثقافية للفرد».
وأوضح غليس في ورقته البحثية أن الثقافة هي أساس تقدم المجتمعات، وهي مقياس رشده ورقيه، ولا ثقافة بلا قراءة، بل إن إقبال المجتمع على القراءة هو الصورة الحقيقية لثقافته، فالثقافة كمركب يتضمن المعارف والعقائد والأخلاق والقوانين والعادات والفنون، وأي قدرات وخصال يكتسبها الإنسان نتيجة وجوده عضواً في المجتمع، فهي موسوعة حياة له، وقال: «لا يستطيع أي مجتمع أن ينمو ويتطور من دون ثقافة، فالإنسان يولد ولديه القليل من الانعكاسات المتصلة بحاجاته العضوية، وليس لديه أنماط فطرية محددة من النشاط، ولذا فعليه أولاً أن يتكيف مع البيئة الخارجية، وأن يؤدي بعض الوظائف في التنظيم الاجتماعي، ثم يرتقي بنفسه الى الفضيلة ويسمو بها إلى مقاربة الكمال».
وأضاف: «الأسرة هي عامل أساسي ومؤثر في تكوين عادة القراءة وتنميتها، فهي تؤثر على شخصية الطفل سلباً وإيجاباً، خصوصاً وأن المراحل الأولى التي يمر بها الطفل هي مرحلة تقليد الآخرين، وهو في أسرته أحرى بالتقليد، ومن هنا تأتي أهمية وجود القدوة للطفل داخل الأسرة، فعلى الإنسان أن يبدأ بنفسه فيقرأ، ويسعى إلى إنشاء مكتبة خاصة به، أياً كان حجمها». وأشار إلى أن المكتبات الخاصة أنفع، وعائدها أعظم، لأنها في المتناول دائماً، ويتأثر بها كل الذين حولها، فبها يتعلم الكبير ويحب القراءة الصغير، وتتثقف بها الأسر وتتوارثها الأجيال، ودورها مهم في جميع مجالات الحياة، فهي التي توجه المجتمع توجهاً صحيحاً في جميع الميادين.
وأكد المحاضر على تفوق الكتاب الورقي على وسائل التأثير الأخرى كالإنترنت، والتلفزيون، وغيرهما، فقراء الكتب هم المثقفون الحقيقيون، ولم تتقدم الدول إلا بالتعليم، والكتاب هو مفتاح التعليم وخازن المعرفة وحافظها، لافتاً إلى أهمية وجود الكتب في البيت لتثقيف الأسرة وتعليم الأبناء.
وتحدث غليس عن الطريقة المثلى لإنشاء مكتبة منزلية، وذلك من خلال التعرف على ميول منشئها، فإذا كان محباً للغة العربية والأدب، فعليه أن يبدأ بأهم الكتب وأبرزها في مجالات المعاجم وكتب النحو والبلاغة، بالإضافة إلى الكتب الإسلامية المفيدة كرياض الصالحين وصحيح البخاري، وأيضاً الاهتمام بكتب الأطفال والحرص على تفحصها قبل شرائها، ليتأكد أنها مفيدة وخالية من السخف والانحطاط، وكتب الرسم والتلوين التي ترغب الصغار بالجلوس في المكتبة وتحببهم في القراءة.
وبيّن أنه بعد استشراء بلاء الأجهزة الالكترونية - التي لها منافع إلا أن فيها من الأضرار ما لا يخفى، لا سيما على الصغار والمراهقين - فإن تعويد الأبناء على الجلوس في المكتبة بات ضرورة لأنه يساعدهم على الابتعاد عن الأجهزة والألعاب الإلكترونية، التي تسبب الانطواء والقلق والتوتر وغير ذلك.
وختم غليس محاضرته بتأكيده على ضرورة وجود المكتبة في المنزل لأنها دليل على مروءة صاحب المنزل ورجاحة عقله، وعلامة واضحة على ثقافة الأسرة وتميزها، وهي خير ما يورثه الآباء للأبناء، فعندما ميز الله الإنسان على سائر المخلوقات بالعقل، جعل غذاء العقل القراءة، وامره بها صراحة في محكم كتابه، والقراءة النافعة لا تكون إلا في الكتب، مشيراً إلى أن قراءة ما في برامج التواصل ليست بنافعة، وإن كانت ممتعة وفي المتناول، وقال: «أكثر الشباب النابهين الصالحين نشأوا في بيوت تحث على القراءة، وفيها مكتبات، فمن كان يريد أن يُنشّئ ابنه نشأة صالحة فليرغبه في القراءة، وليوفر له المكتبة، فوجودها في البيت أهم من غيرها، والمال الذي يذهب في تغذية العقول خير وأبقى، فلنجعل للقراءة نصيباً من أوقاتنا، ولنحث أبناءنا عليها، ولنزين منازلنا بالكتب».