يجمع المراقبون الاميركيون، على ان الرئيس دونالد ترامب قد يكون من الرؤساء القلائل ممن خسروا الكثير من حريتهم شبه المطلقة في السياسة الخارجية، وذلك بسبب تبنّيه سياسة ترفضها غالبية اعضاء مجلس الشيوخ من الحزبين، مع قرب انتقال الغالبية في مجلس النواب الى ايدي الحزب الديموقراطي المعارض، مطلع العام.
ويلفت العاملون في الكونغرس الى انه بعد سنتين من رئاسته، صار اسلوب ترامب في السياسة الخارجية واضحا، اذ هو يخلق أزمة من لا شيء، مثل مبالغته في الخطر النووي لكوريا الشمالية او إيران، او في اعلانه الحرب الاقتصادية على الصين وكندا والمكسيك. ثم يعلن نيته التواصل مباشرة مع زعماء الدول التي وجّه اتهاماته اليها. بعد عقد اللقاء، يخرج ترامب دائما بتسوية تكون عبارة عن العودة الى الاتفاقيات القديمة، انما مع اطلاق تسمية جديدة عليها أو تصويرها وكأنها انتصار لقدراته في المفاوضات والاقناع.
هكذا، لم تفض قمّة ترامب مع زعيم كوريا الشمالية كيم جون اون الى وقف بيونغ يانغ نشاطاتها النووية، ولم تختلف اتفاقية التجارة الحرة التي وقعها مع كندا والمكسيك الى فوارق عن سابقتها المعروفة اختصارا بـ«النافتا». وفي الحرب التجارية مع الصين، عاد ترامب الى النقطة نفسها التي انطلق منها، وذلك بتخفيضه التعريفات التي كان فرضها على الواردات الصينية الى الولايات المتحدة، مقابل تخفيض بكين التعريفات التي كانت فرضتها على وارداتها الأميركية، خصوصا على فول الصويا، الذي تنتجه وتصدّره غالبية من المزارعين المؤيدين لترامب وحزبه الجمهوري.
في الشرق الاوسط، لم يختلف ترامب في سياسته - الدعائية اكثر منها فعلية - فأعلن نقل السفارة الأميركية في اسرائيل الى القدس، واحدث ضجة عالمية، لكن السفارة انتقلت فعليا الى القنصلية الأميركية الواقعة على خط تقسيم المدينة، اي ان ترامب لم يعترف بالقدس «موحدة» عاصمة اسرائيل، ولا هو بنى سفارة في القدس الشرقية، المقرر ان تصبح عاصمة الدولة الفلسطينية المزمع قيامها.
في الأزمة الخليجية، لم يحد ترامب عن أساليبه، أيضاً.
ازاء سياسته الخارجية الاستعراضية، التي تراها غالبية اعضاء الشيوخ مؤذية للولايات المتحدة وصورتها حول العالم ومصالحها، راح المشرعون يتبنون قوانين تجبر ترامب على الانصياع لها، كان أولها في قيام الكونغرس، بغرفتيه وفي وقت كانت لا تزال تسيطر عليهما غالبية من حزب ترامب الجمهوري، في اقرار قانون يشدد العقوبات على روسيا بسبب محاولاتها التدخل في سير الانتخابات الأميركية قبل عامين. وأقرّ الكونغرس قانون العقوبات بغالبية الثلثين، وهو ما حرم ترامب المقدرة على ممارسة صلاحية النقض (الفيتو).
وعلى غير عادة القوانين من هذا الطراز، التي يلحظ فيها المشرعون بنودا تسمح للرئيس باصدار استثناءات في اختياره فرض العقوبات او احجامه عن ذلك، لم يتضمن قانون العقوبات على روسيا أي بنود من هذا النوع.
وعلى اثر اشتباك الرئيس الأميركي مع زعيم كوريا الشمالية، كلاميا عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وقيامه بتهديد كيم، نوويا بالقول ان «مفتاحي النووي اكبر من مفتاحك وأقوى»، التأم مجلس الشيوخ في محاولة لاصدار تشريع يمنع الرئيس من شن أي هجوم نووي استباقي، وحصر مقدرته على استخدام الترسانة النووية في حالات تكون البلاد فيها تتعرض لهجوم نووي من قوى خارجية.
هكذا هو ترامب، خرج عن التقاليد والاعراف في السياسة الخارجية الى حد دفع بالمشرعين، الجمهوريين قبل الديموقراطيين، الى الامساك بزمام امور السياسة الخارجية عبر اصدارهم تشريعات عصية على النقض الرئاسي، واجبار الرئيس على تنفيذها والالتزام بها. اما زعماء الدول ممن راهنوا على ترامب، فهؤلاء قد يكون رهانهم وصل نهايته.