ملف أسبوعي من إعداد: عبدالعليم الحجار
في كل صيدلية تقريبا، يمكنك أن ترى على الأرفف أنواعا كثيرة جدا من العقاقير الحُرَّة، أي تلك التي يكون مسموحا للصيدلي بأن يبيعها من دون أن يشترط وجود وصفة من طبيب كما يمكن لأي شخص أن يتعاطاها من تلقاء نفسه عند الحاجة. وهذه الفئة من الأدوية يشار إليها اختصار في اللغة الانجليزية بـ«OTC».
والواقع أن قائمة تلك العقاقير تمتد حول العالم لتشمل أعدادا لا حصر لها من الأصناف، ويقتصر عملها عادة على تخفيف واحتواء الأعراض المرضية وليس معالجة الأمراض ذاتها، بما في ذلك على سبيل الأمثلة: عقاقير تسكين الآلام، والحساسية، ونزلات البرد والانفلونزا، والمغص العابر، والامساك، والحبوب المنومة، واحتقان الأنف، والسعال، والحكة الجلدية.
وصحيح أن تلك العقاقير «الحُرَّة» قد تمنح شعورا بالارتياح الموقت، لكنها في معظم الأحوال لا تلعب أي دور فعلي في تحقيق الشفاء من المرض المتسبب في تلك الأعراض ولا تسهم في استعادة الجسم لتوازنه. ولحسن الحظ، فإن هذا هو الدور الذي تتقنه وتنجح فيه الأعشاب الطبية والمكملات المصنوعة منها، حيث إنها لا تؤدي فقط إلى منح المريض شعورا بالارتياح من الأعراض بل تساعد أيضا في تسريع وتيرة الشفاء من المرض المسبب للأعراض، وتعزيز وظائف الجسم الحيوية، إلى جانب الإسهام في ترميم وإعادة بناء الأنسجة المتضررة.
في ضوء ذلك لنا أن نتساءل: هل ينبغي أن يكون استعمال العقاقير «الحُرَّة» ضرورة حتمية في جميع الحالات، أم أن الأفضل لنا أن نستعيض عنها بـ«البدائل الخضراء» المتمثلة في الأعشاب والمكملات العشبية التي أثبتت دراسات علمية أنها تحوي خصائص علاجية شافية؟
هذا ما تسعى حلقة اليوم إلى تسليط الضوء على بعض جوانبه...
نظرة عامة
منذ العام 2000، هناك تزايد ملموس ومُطرد في التوجه العالمي الذي يدعو مناصروه إلى أنه بوسعنا أن نستعيض عن كثير من العقاقير الصيدلانية ببدائل نباتية وعشبية طبيعية تحقق النتائج العلاجية ذاتها بأمان أكبر وبتكاليف مالية أقل بكثير.
أصحاب ذلك التوجه يرون أن من شأن ذلك أن يؤدي تدريجيا إلى تقليص استخدام تلك العقاقير إلى أضيق نطاق، مؤكدين أن معظم المكونات الكيماوية التي تدخل في تركيبات العقاقير الصيدلانية تنطوي على أضرار لا يُستهان بها، بل ويتهمون كبرى شركات صناعة الأدوية بأنها «تبيع الأوهام» في كثير من الأحيان ولا يهمها سوى أن تجني أرباحاً طائلة من وراء انتاج وتسويق مزيد من العقاقير التي تتساوى منافعها مع أضرارها.
ويذهب هؤلاء إلى حد القول إن الأمر لا يقتصر على عقاقير التداوي فقط بل ينطبق على التجميل، فبدلا من إنفاق مبالغ كبيرة على مستحضرات التجميل الصيدلانية التي يزعم منتجوها ومسوقوها أنها تستعيد نضارة البشرة وتجدد خلاياها وتزيل التجاعيد، فإن الأفضل هو استعمال بدائل تجميلية طبيعية وغير مكلفة، مثل أقنعة شرائح بعض الخضراوات وزيت القمح ومستخلصات الحمضيات والزبادي (الروب) وغير ذلك.
لماذا «البدائل الخضراء»؟
كما أشرنا آنفا، فإن مصطلح «البدائل الخضراء» سنشير به إلى الأعشاب والنباتات التي تحوي مكونات ذات تأثيرات علاجية شافية. وعلى عكس العقاقير التخليقية الصيدلانية، فإن من بين أهم مزايا «البدائل الخضراء» أن كل مادة من المواد الشافية التي توجد فيها لا يقتصر تأثيرها العلاجي على مرض واحد أو على عضو واحد له في الجسم، بل تمتد تأثيراتها عادة لتشمل نطاقا واسعا من الأمراض والأعضاء.
وبتعبير آخر، فإن كل عشبة أو نبتة طبية تحوي عادة مجموعة متنوعة من المركبات الفعالة التي يمكن أن تفيد في مداواة أمراض مختلفة بغض النظر عن العضو الذي يكمن فيه ذلك المرض.
وفي ضوء نتائج عشرات من الدراسات والأبحاث المتخصصة التي أثبتت علميا أن معظم الأعشاب الطبية والمكملات المصنوعة منها توفر «بدائل خضراء» آمنة وفعالة لمعظم العقاقير الصيدلانية التي تباع أو تُصرف للمرضى من دون الحاجة إلى وصفة طبية، بات من المهم أن نعيد النظر في خزانة الأدوية التي توجد في ثلاجات بيوتنا وأن نبدأ في التخطيط للاستعاضة بتلك «البدائل الخضراء» عن تلك الأدوية التي تحوي مكوناتها مواد كيميائية فيها درجات من السمومية تشكل عبئا سلبيا على أعضاء الجسم الحيوية كالكبد والكليتين والجهاز الهضمي.
لذا، واستنادا إلى نتائج أبحاث ودراسات طبية متخصصة، نستعرض في التالي عددا من «البدائل الخضراء» التي تتألف من مكونات عشبية يمكنك أن تستعيض بها عن معظم العقاقير والأدوية الصيدلانية اللامشروطة التي تحتفظ بها دائما في مخزن الأدوية الموجود في منزلك.
حُرقة المعدة وعُسر الهضم
إذا كنت ممن يعانون بين الحين والآخر من حرقة المعدة التي تنجم عادة – وليس دائما – عن ارتجاع فائض حمض المعدة في أنبوب المريء، فمن المرجح أنك تستخدم أحد الأدوية اللامشروطة التي تكبح افراز ذلك الحمض وتعرف طبيا وصيدلانيا باسم «مثبطات مضخة البروتون» (PPI’s).
لكن حتى إذا تغاضينا عن حقيقة أن مشكلة حرقة المعدة لا تكون ناجمة دائما عن وجود فائض وارتجاع ذلك الحمض، فإن لتلك الأدوية الكابحة تأثيرات جانبية سلبية وضارة. فذلك الحمض الذي تفرزه المعدة يلعب دورا حيويا في المحافظة على الصحة، حيث إنه يكبح جماح نمو البكتيريا المعوية الضارة إلى جانب أنه يساعد الأمعاء على تفكيك واستخلاص المكونات والعناصر الغذائية الضرورية. ومن شأن النمو الجامح للبكتيريا الضارة في الأمعاء أن يؤدي في النهاية إلى تقويض كفاءة مناعة الجسم ضد الإصابة بالأمراض.
كما أثبتت ابحاث طبية أن تعاطي أدوية كبح إفراز حمض المعدة لفترات طويلة يمكن أن يؤدي إلى مضاعفات صحية خطيرة، بما في ذلك: اختلال توازن الكالسيوم والماغنيسيوم في الجسم بما يتسبب في الاصابة بهشاشة العظام، وتزايد خطر الاصابة بأمراض الكليتين، إلى جانب تسريع أعراض الزهايمر وخرف الشيخوخة لدى المسنين. وفي المقابل، هناك علاجات عشبية طاردة لغازات الجهاز الهضمي، وهي تشكل «بدائل خضراء» للعقاقير المثبطة لحمض المعدة. وتتميز تلك البدائل العشبية بأنها تعمل على تلطيف الأنسجة الملتهبة في المعدة والمريء وفي الوقت نفسه تحسين عملية الهضم بما يساعد على التخلص من آلام حرقة المعدة من دون كبح إفراز الحمض الهاضم.وفي التالي أمثلة لتلك البدائل العشبية الخضراء:
• البدائل الخضراء: العرقسوس، عشبة الخطمية
• مفعولها العلاجي: ملطفة وملينة، مضادة لالتهابات بطانة الجهاز الهضمي، مضادة للبكتيريا والفيروسات، تساعد على اعادة بناء الخلايا.
• الشكل، والجرعة المُقترحة: يؤخذ العرقسوس على شكل شاي بمعدل 3 أكواب يوميا، أو ملعقة صغيرة من خلاصته بمعدل 3 مرات يوميا، أو على شكل مكمل غذائي بمعدل 780 مليغراما قبل موعد كل وجبة بـ20 دقيقة. وتؤخذ الخطمية على شكل شاي عشبي بمعدل 3 مرات يوميا، أو ملعقة صغيرة من خلاصته بمعدل 3 مرات يوميا، أو كمنقوع. وفي كل الأحوال يستحسن تعاطيها على معدة خاوية.
• محاذير ونواهي الاستعمال: ارتفاع ضغط الدم، وأمراض القلب والكليتين. مع ملاحظة أن الخطمية قد تعيق امتصاص الأعشاب الأخرى.
حساسية الجهاز التنفسي
يسارع معظم الذين تظهر على أجهزتهم التنفسية أعراض الحساسية الموسمية أو غير الموسمية إلى تعاطي الأدوية غير المشروطة المضادة للهيستامين، وهي الأدوية التي تعمل على تخفيف حدة الاحتقانات الأنفية من خلال منع وصول والتصاق الهيستامين بمستقبلاته العصبية. لكن المشكلة الأساسية تكمن في أن الأدوية الكابحة للهيستامين تتسبب في الشعور بالرغبة في النعاس، وذلك لأن المخ يحتاج إلى استمرار تدفق امدادات الهيستامين كي يبقى منتبها ومتيقظا. وإلى جانب ذلك، اكتشف باحثون وجود علاقة مباشرة بين تعاطي أنواع معينة من تلك المضادات (وتحديدا مضادات الكولين) لفترات طويلة وبين تسريع ظهور أعراض الزهايمر وخرف الشيخوخة.
وصحيح أنه تم تطوير أنواع من مضادات الهيستامين أقل تسببا في الشعور بالنعاس، لكنها مع ذلك ما زالت تتسبب في تأثيرات جانبية غير مرغوبة من بينها جفاف الفم والتهاب الحلق ونزيف الأنف، إلى جانب تأثيرات أخطر على الرغم من أنها أقل شيوعا كاضطراب انتظام نبضات القلب.
ولتفادي تلك التأثيرات السلبية، بوسع من يعانون من أعراض الحساسية والتهيج في الجهاز التنفسي أن يستخدموا مستحضرات عشبية تحوي مضادات هيستامين طبيعية، بما في ذلك مستخلصات نبتة القَرّاص وبخاخ زيت البابونج العطري الألماني.
وفي التالي المزيد من البدائل الخضراء المقترحة في الاتجاه ذاته:
• البدائل الخضراء: أوراق نبتة القَرّاص، البابونج الألماني.
• مفعولها العلاجي: مضادة للهيستامين، ومهدئة للأعصاب، ومضادة للالتهابات، ومزيلة لسموم الجسم، وطاردة للبلغم المسبب لتهيجات الجهاز التنفسي، ومضادة للتشنجات العضلية، وطاردة لغازات الجهاز الهضمي.
• الشكل، والجرعة المُقترحة: تؤخذ أوراق القَرّاص على شكل شاي بمعدل 3 مرات على مدار اليوم، أو تؤخذ خلاصته بمعدل ملعقة صغيرة 3 مرات يوميا، أو على هيئة كبسولات (تحفظ في فريزر الثلاجة) بجرعة مقارها 300 مليغرام بمعدل 3 مرات يوميا. أما البابونج الألماني فيستحسن استنشاق بخار زيته العطري بمعدل 3 مرات على مدار اليوم.
• محاذير ونواهي الاستعمال: في حالات الحمل، خصوصا استنشاق البابونج الألماني.
نزلات البرد والانفلونزا
بشكل عام، تتألف تركيبة الأدوية اللامشروطة المعالجة لأعراض نزلات البرد والانفلونزا من توليفة تشمل المكونات الأربعة التالية: مضاد هيستامين، ومضاد لاحتقان الأنف، ومسكن آلام، وكابح للسعال.
وعلى الرغم من شيوع استخدام تلك الأدوية على نطاق واسع عالميا، فإنه تم اثبات أنها ليست سوى كوابح موقتة وأضرارها أكثر من منافعها. فمسكنات الآلام مثلا تخفض الحرارة، لكنها في الوقت ذاته تكبح استجابة جهاز المناعة بما قد يؤدي بدوره إلى انتشار العدوى البكتيرية أو الفيروسية على نطاق أوسع في الجسم. وبالتالي فإن نتيجة ذلك تكون إطالة أمد نزلة البرد أو الانفلونزا.
لكن على الجانب الآخر تستطيع بدائل عشبية معينة أن تعزز قدرة الجسم على مقاومة نزلات البرد والانفلونزا، وذلك بفضل ما تحويه تلك الأعشاب من خصائص مضادة للبكتيريا والفيروسات، فضلا عن اسهامها في تنشيط كفاءة جهاز المناعة.
في التالي مختارات من تلك البدائل الخضراء:
• البدائل الخضراء: الثوم، أوراق الزعتر
• مفعولها العلاجي: مضادة للبكتيريا والفطريات والطفيليات المعوية، ومحفزة للتعرق، وتعزز مفعول المضادات الحيوية.
• الشكل، والجرعة المُقترحة: يؤخذ الثوم نيئا بمعدل 3 فصوص على مدار اليوم، أو تؤخذ خلاصته السائلة بمعدل ملعقة صغيرة 3 مرات على مدار اليوم. أما أوراق الزعتر فتؤخذ إما على شكل شاي أو منقوع عشبي بمعدل 3 أكواب متوسطة على مدار اليوم. كما يمكن استخدام زيت الزعتر موضعيا بعد تخفيفه لتدليك الصدر أو استنشاق بخاره عبر الأنف.
• محاذير ونواهي الاستعمال: قد يتسبب الثوم الخام في ارتباك هضمي وقت لدى بعض الأشخاص، ولا ينبغي تعاطيه بالتزامن مع العقاقير المضادة لتخثر (تجلط) الدم. ويستحسن عدم تعاطي مستخلصات الزعتر ومشتقاته في حالات الحمل.
تسكين الآلام
عندما يتعلق الأمر بآلام الصداع والمفاصل والعضلات وآلام تقلصات الدورة الشهرية، فإن الأدوية اللامشروطة الأكثر استخداما هي تلك التي تعتمد تركيبتها على مادة الأسيتامينوفين (أو «الباراسيتامول») المسكنة للآلام إلى جانب أدوية الاسبرين والأيبوبروفين.
لكن ينبغي توضيح أن مكونات هذه الأدوية ذات تأثيرات سمومية تؤذي الجسم في حال الاستخدام لمدة طويلة أو بجرعات مرتفعة نسبيا، فضلا عن أنها قد تتسبب في خلق تأثيرات جانبية ضارة بما في ذلك الإضرار بوظائف الكبد والكليتين، بل قد يصل الأمر في حالات معينة إلى التسبب قي الوفاة إما بشكل مباشر أو غير مباشر.
ولحسن الحظ فإن هناك بدائل عشبية فعالة وجيدة لتسكين الآلام المشار اليها آنفا، وهي بدائل تركز على مداواة منبع الألم سواء كان منشأه التهابيا أو تشنجيا أو غير ذلك.
في التالي أبرز الأمثلة من تلك «البدائل الخصراء»:
• البدائل الخضراء: الزنجبيل، اللافندر، الكركم.
• مفعولها العلاجي: مسكنة للآلام، مضادة للالتهابات، مهدئة للأعصاب، طاردة للبلغم، ومضادة للتشنجات. ويتميز الكركم تحديدا بقدرة كبيرة على تلطيف آلام والتهابات المفاصل.
• الشكل، والجرعة المُقترحة: يفيد الكركم في تسكين آلام الجهاز التنفسي الناجمة عن الحساسية، ويؤخذ عن طريق استنشاق بخار زيته العطري بمعدل 3 جلسات على مدار اليوم. وبالنسبة للافندر فإنه زيته يؤخذ إما موضعيا بعد تخفيفه لتدليك موضع الألم، أو باستنشاقه من قطعة قماش مشبعة بقطرات من زيته مخففة بالماء الدافئ. أما الكركم فإنه يكون مثاليا عند استخدامه مع بهارات الطعام، أو بأخذ معلقة كبيرة من مسحوقه بعد خلطها مع كمية مناسبة من العسل أو الزيادي. كما يمكن تعاطي الكركم على شكل شاي 3 مرات يوميا، أو أخذ ملعقة صغيرة من خلاصته السائلة بمعدل 3 مرات يوميا.
• محاذير ونواهي الاستعمال: في أثناء فترة الحمل، يستحسن تفادي الزنجبيل تماما وتقليص الكركم إلى أقل قدر ممكن. ويوصى بتفادي الكركم تماما في حالات انسداد قناة العصارة الصفراوية. أما اللافندر فهو آمن عموما إذا تم تعاطيه بالجرعات المناسبة.
«إشارة حمراء» ... قبل «البدائل الخضراء»!
قبل أن تنطلق على طريق الاستعاضة عن الأدوية غير المشروطة بـ»بدائل خضراء»، من المهم جدا أن نستوقفك عند «إشارة حمراء» تحذرك من أنه لا ينبغي أن تقوم بذلك معتمداً على تشخيص حالتك بنفسك في المرة الأولى على الأقل، بل يستحسن أن تستشير طبيباً، وخصوصاً إذا كان كان الأمر يتعلق بشكوى متكررة من صداع أو إمساك أو سوء هضم أو نزلة برد أو غير ذلك. بل إن استشارة الطبيب تصبح ضرورة حتمية في أحوال معينة، وخصوصاً إذا كنت تتعاطى أدوية موصوفة لمعالجة مرض مزمن أو إذا كنت ممن تتحسس أجسامهم من مواد غذائية معينة.
لذا، فإنه من الضروري توضيح أن حلقة اليوم لا تقدم وصفات بديلة تصلح لجميع الحالات تلقائياً، بل ينبغي على كل شخص أن يراعي أولاً كافة الاعتبارات الفردية الخاصة به إلى جانب اعتبارات التداخلات السلبية المحتملة بين «البدائل الخضراء» من ناحية وأدوية الوصفات الطبية الأخرى.