خلال أمسية في مركز جابر الثقافي بالتعاون مع «تكوين»

دخيل الخليفة أرخى قلاع الشعر في «تغريبة الحب والوجع»

1 يناير 1970 07:04 م

أحيا الشاعر دخيل الخليفة أمسية شعرية حملت عنواناً لافتاً هو «تغريبة الحب والوجع»، في سياق فعاليات «حديث الإثنين» التي يقيمها مركز الشيخ جابر الأحمد الثقافي في القاعة المستديرة.
وأنشد الخليفة في الأمسية، التي تعاونت في تنظيمها منصة «تكوين»، بعضاً من قصائده التي أرخى خلالها قلاع أحلامه، مبحراً في الخيال، ومتواصلاً مع مدلولاته الإنسانية، تلك التي تفاعل معها الحضور الكثيف الذي ملأ القاعة لآخرها، بفضل الإلقاء المتقن والروح الشاعرية التي تتناسق فيها مقومات الجمال مع المفردات الشيقة، كما شارك في الأمسية بمقطوعاته الموسيقية المعبرة عازف العود محمد الأسلمي. وعلى هامش الأمسية وقع الخليفة كتابه «ما يكفي لتأبين طائر»، وهو عبارة عن مختارات شعرية صدر عن منشورات مكتبة تكوين وقدمه الشاعر العراقي سعد الياسري.
وفي تقديمه للأمسية، قال الشاعر محمد العتابي «يوجد النص على عتبةِ الحياة، يتحول من شيء إلى كائن حي، إذا ما نجح في الدخول إلى عينيك، أو أذنيك. ونحن هنا اليوم لكي نرى هذه الأعجوبة، اللغة التي تخرج من كمونها العصي، وتتشكل في صورةِ ألف معنى، تتلون مليا مع كل كلمة أخرى، لأن التأويل، وإعادة التأويل، هي لعبة الشعر الأولى. هكذا يؤمن دخيل الخليفة الذي يكتب القصيدة باحثا عن حلم».
وزاد «الخليفة واحد من أهم الأصوات الشعرية في المشهد الأدبي الكويتي. ينتمي إلى تيار شعري مجدّد، وهو يقدّم نفسه في صورةٍ مغايرة مع كل عملٍ شعري يقدمه. عمل في الصحافة. وأسس دار مسارات للنشر والتوزيع، وشارك في العديد من الملتقيات والأمسيات الشعرية في مصر والسعودية والإمارات وعمان والبحرين، إضافة إلى مشاركته في مهرجان الكويت الثقافي في الكويت، وعمله في ميدان التدريب الإبداعي عن طريق تنظيم ورش عمل للتدريب على كتابة القصيدة الحديثة».
وقال الخليفة قبل قراءة قصائده «أشعر أن هذه الفرحة منقوصة، لأنني في الأمسيات السابقة عندما كنت أنظر إلى من هم أمامي كنت أرى إسماعيل فهد إسماعيل، وناصر الظفيري». منوهاً بأن الظفيري اعتذر لشدة المرض. وبعد صمت قال «أما عن إسماعيل فإنكم تعرفون غيابه المؤثر».
 لينشد قصيدة «ما يستوي البحران»: «الماكرونَ بسحرِهم مرّوا عليك/‏‏ حبالُهم تسعَى لتفتن أعين العشاق».
وتوالت القصائد، التي قطع فيها الخليفة أشواطاً طويلة، بحثا عن الحقيقة، تلك التي تتوهج - بمفرداته، وتفاعلاتها المستمرة - مع الواقع في منظوره الجمالي، ومن قصيدة «الميتون تذكّروا»، نقتطف قوله: «الميتون تذكروا حطب الحروب/‏‏ تذكّروا القتلى بلا معنَى سوَى نار يؤججها هوى رأسين فارغتين من وهج الحياة/‏‏ تذكّروا الجوعَى بلا شاة/‏‏ ولا صاج/‏‏ ولا جمَلٍ يَشيلُ خرابَهم/‏‏ وتذكّروا المنفيَّ يؤلمه الحداء».
إن الشاعر يتحاور في قصائده مع الحياة من أجل استنطاق عناصرها، وتحريك محتوياتها، كي يتمكن من فهمها بالصورة، التي يستطيع من خلالها أن يبرز جوانب معتمة وأخرى مضيئة فيها، ومن ثم تشكيل الجانب الذي يخصه، وضعاً فيه طرحه الشعري الجذاب ليقول في قصيدة «كم صيغة للحب...؟»:
وأنا حصانُ الغيم/‏‏ أركضُ أينما تلدُ الفصولُ حكايةً من نجمةٍ منسيةٍ في الليلِ بين قصيدتينِ لشاعرٍ ماتت حبيبتُه/‏‏ وراحَ يُعيد ترتيبَ الحكايةِ من جديدٍ ثم علّقَ بين قافيتين حبلاً وانتحَر!
وفي قصيدة «الحب مثل الأرض»، تحاور الشاعر مع مشاعره، من أجل رسم لوحة تشكيلية مزاجها الرمز الذي ينمو في أرض عامرة بالخيال ليقول:
جَغْرفتُ فيكِ الجمرَ/‏‏ أرَّختُ الجنونَ وجئتُ كلِّي/‏‏ غارقاً ببداوةِ المَعْنَى/‏‏ لخصْرٍ كلَّما مالَ الزمانُ لنايهِ، شبقاً، يميلُ.
هذا انعتاقُ النَّارِ فيكِ/‏‏ يُذيبُني حدَّ البكاءِ/‏‏ وأنتِ أنثى الريحِ/‏‏ تتركُني فضاءً حاضِناً جرَسَ اليقينِ/‏‏ فلا تلوميني على وترٍ بكَى/‏‏ في سهوةِ الهذيانِ/‏‏ لا معْنى لهذي النَّارِ إلاَّ بالضياعِ/‏‏ فهيِّئي النَّهَونْدَ/‏‏ كي يرِدَ القطافُ/‏‏ أحبُّهُ هوَساً يشاغبُني على جسَدِ الهواءِ/‏‏ أحبُّهُ عسَلاً يَسيلُ.
وفي قصيدة «وأصيح يا بدو الشمال»، يستحضر الشاعر البداوة والصحراء والصدى في أنشودة شعرية محكمة: «أمشي على ثلْجٍ/‏‏ وأرضعُ من حليبِ غمامةٍ وأصيحُ: يا بدْوَ الشمالِ تسرَّبوا من غلطةِ التاريخِ/‏‏ إنّ الأرضَّ لاتسَعُ الرُّغاءَ بحاضرٍ أعمَى /‏‏ فيصفعُني الصدَى ويرشُّ شكوايَ اغترابي».
وجاءت قصيدة «في الريح ساحوا»، متناسقة مع رؤية الشاعر التي يريدها: «رَغمَ الخريفِ تقودُ شمْسَكَ أيُّها البدويُّ نحْوَ المُنتَهَى وسِواكَ في الظُّلماتِ طاحوا».
ما أوْهَنَتْ جبَلاً رماحُ.
ثم يصل الخليفة إلى مراحل حسية منسجمة مع المدلولات النفسية للإنسان، في قصيدة «حمامة»، تلك التي استلهم منها الرمز في أنساق شعرية متواصلة مع الخيال ليقول:
في يدَيَّ وهْم
وفي عينيكِ حمامةٌ بريَّة
كلَّما فكَّرتُ أستظلُّ برمشِكِ
تطيرُ الحمامَة!
وحرص الخليفة في قصيدة «ربابة يعوي بها ذئب جريح»... أن تكون المضامين منحازة - في أكثر أحوالها - إلى الخيال، وذلك وفق منظومة شعرية ذات أبعاد إنسانية متنوعة ليقول: «خزّنتَ طيشَ الأرضِ في التمرِ المجفّفِ/‏‏ عائداً لضياعك الأزليِّ/‏‏ تطردُكَ الذئابُ وأنتَ في صدر الحمادة/‏‏ ترتوي من عمرك المهدور».