حوار / أول رئيس عربي لمعهد الشرق الأوسط في واشنطن منذ 72 عاماً

بول سالم لـ «الراي»: العرب لا يملكون لا عصا ولا جزرة في التعاطي مع إيران

1 يناير 1970 03:34 ص

مشكلات الشرق الأوسط وصراعاتُه غير موجودة بحجمها وتحدياتها في أيّ منطقة أخرى في العالم بأسْره

الاجتياح العراقي للكويت شكّل بدايةَ انهيارِ النظام الإقليمي العربي الذي صار هشاً ومكسوراً

لا حربَ باردة مستعادة بين أميركا وروسيا بل خلافاتٌ أهمّها حول أوروبا الشرقية

ترامب صديق لروسيا وربما صديق حميم لبوتين بينما الدولة العميقة في واشنطن ضدّ موسكو

الولايات المتحدة باقية في سورية لضمانِ إخراج إيران... قدر المستطاع

الروس غير قادرين وغير راغبين في إخراج الإيرانيين من سورية

الصفقةُ مُمْكِنَةٌ بالنسبة لترامب في حال جلوسه مع الإيرانيين فهو يحرص على صورة... «الرئيس القبضاي»

إسرائيل و«حزب الله» لا يريدان الحرب فـ «اللعبةُ مَمْسوكةٌ» والأخطر ساحة سورية

إسرائيل قد تجد مصلحتها في حرب قبل الـ 2020 في ظلّ إدارةٍ أميركية معها مئة في المئة

الاجتياحُ الأميركي للعراق وأفغانستان أطلق يد إيران بالمنطقة وجَعَلَها تتحكّم بأربع عواصم عربية

سيكون هناك موقف سلبي من الولايات المتحدة إذا تَشكّلت الحكومة اللبنانية وفيها حضور واسع لـ «حزب الله»

بولتون لا يهمّه إلا التصدي لإيران و«حزب الله»... ولو دُمّر لبنان

بومبيو له موقف شرس من إيران و«حزب الله» وفي الوقت نفسه لا يرغب في كسْر لبنان


لم يكن عادياً أو عابراً انتخابُ عربيّ رئيساً لمعهد الشرق الأوسط في واشنطن. فالأمر يرتقي إلى مرتبة «الحدَث المرموق» بعدما مضى على ولادة هذا المعهد الأكثر عراقة في الولايات المتحدة نحو 72 عاماً شكّلت ميداناً حيوياً لدراسات وأبحاث ومقاربات تعنى بشؤون الشرق الأوسط الكثيرة وشجونه الأكثر.
ولم يكن مفاجئاً أن يكون هذا العربي الذي تبوأ رئاسة معهد الشرق الأوسط هو اللبناني الدكتور بول سالم، الذي يُتَوِّج بمحطته الجديدة تجربةً أكاديمية غنية توالت فصولاً بين بيروت وواشنطن وتولى خلالها مواقع مؤثّرة في مراكز بحثية وأَسّس معاهد وجمعيات همُّها فتح نوافذ جديدة على المعرفة والعلم والمشاركة والمحاسبة وما شابه.
وبول سالم يختزل في شخصه وثقافته المشترَكات في الاهتمامات العربية - الأميركية، فهو من والد لبناني (وزير الخارجية الأسبق إيلي سالم رئيس جامعة البلمند لنحو 25 عاماً) ومن أم أميركية، واكتسب ثقافته وتجربته من رمزيات بيروت وواشنطن، واحدة كعاصمةٍ للعرب في أيام عزّها، وثانية كعاصمة العالم على الدوام.
قبل انتخابه رئيساً لمعهد الشرق الأوسط في واشنطن كان بول سالم شغَل منصب نائب رئيس المعهد لخمسة أعوام متتالية وأسس معهد كارنيغي في الشرق الأوسط وترأسه، إضافة الى كونه مديراً عاماً لمؤسسة عصام فارس ومؤسساً ورئيساً للمركز اللبناني للدراسات ومؤسساً لجمعيات عدة في لبنان تعنى بديموقراطية الانتخابات والنشاط البلدي.
وبعيد انتخابه أجرت «الراي» حواراً مع سالم أرادتْه إطلالةً على قضايا الساعة في الشرق الأوسط «اللاهب» في لحظةٍ تشي بأن المنطقة على فوهة تحوّلات لم تتضح مساراتُها بعد.

• ماذا يعني أن يكون لبناني عربي رئيساً لمعهد الشرق الأوسط في واشنطن للمرة الأولى منذ تأسيسه قبل 72 عاماً، خصوصاً في ضوء الأدوار التي تلعبها مراكز الأبحاث والدراسات في الولايات المتحدة، وفي الغرب عموماً ؟
- أعتقد أن هذا الأمر يعكس التطور التاريخي. في الأربعينات والخمسينات من القرن الماضي كانت الهوّة كبيرة مع أميركا من حيث حجم الاقتصاد والعلم وما شابه، وكانت المسافة بعيدة مع المناطق النامية، بينما الآن تغيّرتْ الأمور في أجزاء واسعة من تلك المناطق كما هو الحال في دول الخليج ولبنان وبلدان أخرى وجرى استلحاقٌ شكّل نوعاً من التوازن في تَشابُك المصالح والتعاون في قضايا كثيرة، وتالياً انتهتْ المرحلة التي كان فيها مركز القرار في مكان والمراكز الأخرى تتبع.
هذا على المستوى العام، أما على المستوى الشخصي فأنا لبناني درستُ في الولايات المتحدة، والدتي أميركية، أُتْقِن الإنكليزية كما العربية ما يجعلني قادراً على تمثيل نوع من التواصل بين منطقتين، إضافة إلى ان معهد الشرق الأوسط تأسّس تحديداً ليكون صلة وصل بين العالم العربي والولايات المتحدة وشعوبهما في حين ان المراكز الأخرى في الولايات المتحدة وُجدت لتعنى بمصالح أميركا، أما معهد الشرق الأوسط فيبحث عن الرؤى والمصالح والمبادرات المشتركة.
• عندما تقول الشرق الأوسط فنحن نتحدث عن بقعة تكاد أن تكون ملعب النار الوحيد على الكوكب، فهل التحوّلات الجيوبوليتيكة في المنطقة تشي بأننا أمام نظام إقليمي جديد؟
- لا شك في أن منطقة الشرق الأوسط مركز لأمور عدة، فهي مركز عالمي مهم وأساسي للطاقة، ومن المناطق التي تُصَدِّر المخاطر والمشكلات إلى العالم كالإرهاب على غرار ما حدث في 11 سبتمبر في الولايات المتحدة، وفي الصين وروسيا وسواهما أيضاً. كما أنها أرض لأخطر الصراعات في العالم بأسره، من الصراع القديم الفلسطيني – العربي مع إسرائيل الى الصراع الإيراني مع دول الجوار، مروراً بالصراع التركي – الكردي القوي. ناهيك عما شهده الشرق الأوسط من انهيار دول عدة، إما كلياً  واما جزئياً، فالدولة الليبية لم تعد موجودة وكذلك الدولة اليمنية التي انهارت إلى حد بعيد، والدولة السورية التي انهارت جزئياً، إضافة إلى حروب داخلية - أهلية دخلتْ عليها عوامل إقليمية ودولية في اليمن وسورية وليبيا والعراق وافغانستان، وهي حروب تؤدي في جوانب منها إلى توترات في الإقليم وفي العالم وتُصَدِّر إرهاباً ولاجئين إلى مناطق أخرى.
والشرق الأوسط هو من المناطق القليلة في العالم التي ينتفي كلياً وجود نظام إقليمي فيها. اذ هناك نوعاً ما نظام عربي متمثل في جامعة الدول العربية ولكنه مكسور وهش الى حدّ ما. فسورية عملياً ليست ضمنه والعراق جزئياً موجود ضمن إطار آخر، علماً ان النظام العربي القديم انهار مع اجتياح العراق للكويت ومع أحداث أخرى. ولا يوجد نظام يضمّ القوى الأخرى النافذة في المنطقة، كتركيا وإيران رغم ان هذه الدول مهمة وقائمة ونافذة، وتالياً لا إطار لحلّ المشكلات بين تلك البلدان وفضّ النزاعات في ما بينها ولبناء التعاون.
• في لحظة ما بدا وكأن هناك تسليماً متبادلاً بين الدولتين العظميين، سورية لروسيا والعراق للولايات المتحدة، هل ما يجري هو في سياق تفاهُمات ضمنية أم ملامح حرب باردة مستعادة؟
- لا أعتقد ان هناك حرباً باردة مستعادَة. ثمة خلافات بين روسيا والولايات المتحدة خصوصاً في اوروبا الشرقية، رغم ان الإدارة الأميركية خصوصاً الرئيس دونالد ترامب صديق لروسيا وربما صديق حميم للرئيس فلاديمير بوتين. الدولة العميقة في واشنطن ضدّ روسيا لكن ترمب ليس ضدها، وهذا أمر مهم. وموسكو غير راغبة في منافسة الولايات المتحدة في جميع الساحات وتدرك أنها غير قادرة ولا مصلحة ولا برنامج لديها للوقوف بوجه أميركا.
لروسيا بعض المصالح المحددة، كما هي الحال في سورية لجهة القضاء على المجموعات الإرهابية وتأكيد بقاء النظام كآخِر حليف لها خارج المنطقة الروسية والاحتفاظ بمرفأ على البحر المتوسط واعادة دورها في السياسة الدولية عبر سورية وإثبات فاعلية سلاحها وقدرته على المنافسة في أسواق البيع العالمية.
الولايات المتحدة لم تسلّم سورية كلياً بعد لروسيا وهي باقية في شمال شرق سورية وجنوب شرقها وربما كورقةِ ضغطٍ ليس فقط على الروس بل على الإيرانيين ونظام (بشار) الأسد. ففي النهاية المقاربة الأميركية حيال سورية تقوم على عدم عودة تنظيم «داعش»، وخروج إيران قدر المستطاع، اذ يمكن الا تخرج كلياً لكن لا بد - من وجهة نظر واشنطن - من الحد من وجودها، مع إمكان القبول ولو على مضض بالوجود الروسي.
في العراق التحدي الأساسي ليس بين روسيا والولايات المتحدة، بل هو بين واشنطن وطهران، وهذه مسألة واضحة. والدولة العراقية إجمالاً مدركة أنها بحاجة إلى الولايات المتحدة، عسكرياً وأمنياً وكذلك سياسياً وتالياً ليست في وضع يسمح لها بالمفاضلة بين أميركا وروسيا، فالأخيرة غير قادرة على تأمين ما توفّره الولايات المتحدة للعراق.
• رغم دور المايسترو الذي تلعبه روسيا في سورية فالواضح أنها غير طليقة اليدين وترعى ما يشبه ستاتيكو لمصالح اسرائيل وإيران وتركيا... اي إستراتيجية للولايات المتحدة حيال سورية (بقاء الأسد، الإعمار، الوجود الإيراني وما شابه)؟
- روسيا مقتنعة بأن تدخلها في سورية كان نموذجاً ناجحاً جداً وان استعمال وسائل الحرب بالتعاون مع النظام وإيران و«حزب الله» حقّق ما أريد منه، وهو نموذج سيستمر رغم توقفه الموقت حول إدلب وسط علامة استفهام بإزاء المناطق الكردية التي توجد فيها القوات الأميركية.
وأعتقد ان الخطة الروسية تسير في هذا الاتجاه وبنجاحٍ من المنظار الروسي، وموسكو التي تعتقد انها كسبت الحرب تفكر كيف يمكن أن تكسب السلام، أي أن تحقق السلام. وهنا يأتي تحدي إعادة الإعمار والوضع الاقتصادي، فروسيا مدركة أنها قادرة على النجاح في الحرب لكنها لا يمكن أن تنجح في إعادة الإعمار، ومدركة إيضاً انه لإنجاح مرحلة السلام لا مفرّ من الاتفاق مع الاوروبيين ليكونوا عنصراً أساسياً في الاستثمار بعملية الاعمار ولا بد من ضوء أخضر أو أصفر على الأقلّ من الولايات المتحدة التي لن تنفق أموالاً، لكن يمكنها إزعاج الأوروبيين أو منعهم من المساهمة في إعادة إعمار سورية (يمكن ان تمنع البنك الدولي وصندوق النقد الدولي). وتالياً فان روسيا تعي أنها تحتاج الآن، وأكثر من أي وقت إلى التفاهم على مخرج سياسي للصراع في سورية عبر نوع من التفاوض وصولاً إلى اتفاق سياسي ولو كان «ورقة تين» وبأقلّ الشروط للقول للأميركيين والأوروبيين وللأمم المتحدة إن عملية تفاوض جرت وتم في ضوئها تشكيل حكومة جديدة بمشاركة المعارضة ووضع دستور جديد ايذاناً بمرحلة جديدة، فتفضّلوا للمشاركة في إعادة الإعمار.
وفي رأيي ان الروس يسعون وبقوة للوصول إلى حلّ سياسي في الوقت الذي يَبْرز موقف الأسد الرافض قطعاً لأي تغيير سياسي، ما يصعّب الأمر على موسكو. أما بالنسبة إلى الولايات المتحدة، فإضافة إلى ملف «داعش»، يتركّز همّها على إيران، وهو هم أميركي - إسرائيلي. والروس، كما هو واضح، غير قادرين على إلزام الإيرانيين وهم غير راغبين بالضغط عليهم كثيراً، فروسيا تحتاج إلى إيران في سورية وفي آسيا الوسطى. من هنا فإن الولايات المتحدة في مأزق مردّه إلى «مَن يُخْرِج الإيرانيين»؟ فالروس غير قادرين وغير راغبين، ووحدها اسرائيل تمارس ضغطاً عبر ضرباتها بين الحين والآخر لإرساء خطوط حمر، وهو ما لم يَحدث بعد دخول نظام الـS-300 إلى سورية، ما يجعلنا غير قادرين على تحديد طبيعة موازين القوى الجديدة بين الطيران الإسرائيلي وصواريخ «إس - 300».
وفي ضوء هذه اللوحة فإن الولايات المتحدة لا تملك على ما يبدو خطة طويلة الأمد، لأن الرئيس ترامب غير مهتم كثيراً بسورية رغم محاولة إقناعه من وزير الدفاع ومسؤولين آخرين ببقاء القوات الأميركية لمدة أطول فيها، وهو الأمر غير الأكيد لأن ترامب غالباً ما يعبّر عن أن لا مصلحة لبلاده في البقاء هناك. وفي تقديري أن القوات الأميركية باقية في المستقبل، والأميركيون يَطْمئنون في حال جرى الحدّ من الوجود الإيراني وحصولهم على ضمانات من الروس وهو أمر مستبعَد الآن مع حرية الحركة التي يتمتّع بها الإيرانيون.
• تقف المنطقة على مشارف عقوبات أميركية غير مسبوقة في التاريخ ضدّ إيران مطلع الشهر المقبل، هل هي لتغيير السلوك أم النظام؟ وأي تداعيات لها في ضوء قرار طهران بالمواجهة؟
- سيكون للعقوبات التي تبدأ في نوفمبر أثر كبير على الاقتصاد الإيراني وعلى الوضع الإيراني عموماً، كما سيكون لها تأثير كبير على الاقتصاد العراقي نظراً إلى التشابك بين اقتصاديْ البلدين.
ومن منظور ترامب العقوبات هي لإعادة التفاوض مع إيران، وهذه هي رغبة الرئيس الأميركي الذي يحرص على القول إن سلَفه (باراك) اوباما عَقَدَ صفقة سيئة، أما هو فيريد صفقة ناجحة، ويكرّر دائماً انه يرغب بالجلوس مع القيادة الإيرانية للوصول إلى اتفاق بشروطٍ قاسية على الإيرانيين. علماً أن الصقور من حول ترامب مثل جون بولتون يعتقدون أن إيران لن تفاوض أساساً وتالياً فإن العقوبات ستكون كفيلة بإضعاف النظام في إيران وسقوطه، وهو أمر غير متوقَّع في سنة او اثنتين.
وأعتقد ان إيران التي حافظت على الاتفاق النووي مع الدول الأخرى غير الولايات المتحدة (أوروبا، روسيا والصين) مرتاحة نوعاً ما إلى إظهار نفسها ملتزمة الاتفاق وان الرئيس ترامب هو المارق الذي انسحب منه ما يجعلها حريصة على حفظ صورتها وعدم تخريبها والعمل على عدم خسارة الاوروبيين، وتالياً فإنها لن تصعّد لأنها لا تريد أيضاً التفريط بمكاسبها في المنطقة، في اليمن والعراق وسورية ولبنان، عبر تصعيدٍ عشوائي مع أميركا واسرائيل يعرّضها لحرب قد تتضرر من جرائها، إضافة إلى رهانها على ان ترامب قد لا يكمل ولايته أو انه قد يغادر البيت الأبيض في العام 2020، وفي إمكانها الانتظار لسنتين أو حتى لأربع سنوات. فهي تعوّدت هذا الأمر وستحاول الصمود عبر تعاون مع روسيا والصين ودول أخرى تجنباً لانهيار اقتصادها.
• هل تَعاظُم المواجهة بين واشنطن وطهران على وهج الشروط الـ12 التي حددها مايك بومبيو، بلغ نقطة اللاعودة ام ان صفقة ما  ما زالت ممكنة؟
- الصفقة ممكنة من جانب ترامب الذي يحرص على الظهور بمظهر الرئيس «القبضاي»، على غرار ما فعله مع الرئيس الكوري الشمالي ومع رؤساء آخرين. ففي حال حصول اجتماع وجهاً لوجه مع ترامب فإنه سريعاً سيحاول ترجمة الاجتماع على انه تم الاتفاق على كل شيء، رغم انه يمكن ان يكون تراجع عن الكثير من الشروط فقط  لـ«الصورة السياسية» وترويج الانطباع بأنه قام بإنجاز كبير وتاريخي.
وفي واقع الأمر أعتقد ان الايرانيين سينتظرون ولن يفاوضوا في هذه المرحلة. وفي إمكانهم الانتظار لسنتين إلا في حال حصول انهيار كبير في الوضع الاقتصادي او وفاة خامنئي على سبيل المثال، ولذا أقول إن ترامب مستعدّ للتفاوض وايران غير راغبة بهذه السرعة وفي ظل الشروط التي وُضعت على الطاولة.
• ثمة توقّعات بإمكان نشوب الحرب المؤجلة في المنطقة عبر: إما هروب إيران إلى الأمام عبر «حزب الله» في لبنان، وإما باندفاعةٍ إسرائيلية تجد في مرحلة العقوبات الأقسى على إيران «فرصة مؤاتية» لحربٍ تنتظر نضوج ظروفها؟
- صحيح ان الجبهة بين اسرائيل من جهة وايران و«حزب الله» من جهةً أخرى غير مستقرة اطلاقاً، ولكن وفي الوقت نفسه لا رغبة لدى ايران و«حزب الله» في شنّ حرب، والأمر نفسه ينطبق على اسرائيل. ولكن في لبنان شروط اللعبة أصبحت معروفة بعد حرب العام 2006، فهناك القرار 1701 وما يشبه الردع المتبادل، بينما المسرح السوري الذي كان تحت سيطرة نظام الأسد لم يعد كذلك بعد العام 2011 مع وجود قوات ايرانية او تابعة لـ«حزب الله» من دون ضابط او اتفاق على الردع المتبادَل. وعدم الاستقرار في سورية يجعل خطر الحرب بين اسرائيل وهذه القوى كبيراً جداً، خصوصاً ان إيران أمام موجة جديدة من عقوباتٍ قد تُضْعِفها ويمكن ان يتم التعاطي مع الأمر، من الآخرين، وكأنه فرصة. ناهيك عن أنه في حال شنت إسرائيل حرباً على «حزب الله» وإيران فإن هذه الإدارة الأميركية ستكون معها مئة في المئة، في حين ان اسرائيل لن تكون متأكدة أنه بعد الـ2020 ستكون هناك إدارة أميركية صديقة كالإدارة الحالية، وهو ما يزيد من احتمالات الحرب.
• بعض السيناريوات تتحدث عن إمكان تَمدُّد روسي من جنوب سورية إلى جنوب لبنان كـ«خاتمة» لحربٍ قد تقع بين إسرائيل و«حزب الله»... هل يمكن أن يحدث ذلك؟
- من الصعب تَوقُّع خواتيم أي حرب بين إسرائيل من جهة و«حزب الله» والقوات الإيرانية في سورية من جهة أخرى. ما يمكن توقعه هو ان حجم الضرر سيكون كبيراً في اسرائيل وساحقاً في لبنان، وفي هكذا حرب ستكون الولايات المتحدة الى جانب إسرائيل وتالياً موجودة، أما روسيا فستكون غائبة وستأخذ جانب الحيطة اذ لن تواجه إسرائيل أو تدافع عن ايران، ولذا فستظهر ضعيفة في هذه الحال والأنظار ستتوجه إلى واشنطن للبحث عن مخرج، كما حصل في حرب يوليو 2006.
• المفارقة اللافتة ان مصير المنطقة العربية يتقرر في ضوء أدوار ثلاث دول غير عربية... اسرائيل، تركيا إيران. أي نظام عربي يمكن ان يُرسَم بغياب العرب؟
- لا شك أننا أمام غياب عربي كبير لأسباب عدة. اولاً تأزم وتفسخ البيت العربي الذي بدأ مع الاجتياح العراقي للكويت والاجتياح الأميركي للعراق والتمدد الإيراني في اتجاه بلاد الرافدين ومن ثم مباشرةً الى سورية كما الى اليمن، إضافة الى أحداث ما يسمى الربيع العربي التي هزّت الدول العربية وأدت الى انهيار بعضها. والأزمة عميقة جداً لغياب رؤية سياسية للمنطقة العربية في ظلّ كثير من القمع والسلْطوية وغياب التجاوب كلياً مع أجواء الربيع العربي وطموحات الشباب في عدد من الدول. ولا بد من الاعتراف بأن الاجتياح الأميركي للعراق وأفغانستان أطلق يد إيران في المنطقة، وها هي الآن موجودة في شكل عميق في أربع عواصم عربية، وتالياً فإن أزمة المشروع العربي عميقة جداً وتنبغي إعادة النظر في كثير من الأوضاع في البيت العربي، والوقوف بجدية أمام التمدد الإيراني، سلباً وايجاباً. فإيران دولة مُجاوِرة، والمشكلة ان لا مواجهة فعلية لتمدُّدها الذي ينطوي على أوجه سلبية كثيرة وفي الوقت نفسه لا توجد مبادرة سياسية - او ديبلوماسية في اتجاهها، أي أن لا عصا ولا جزرة في اتجاه إيران، وجل ما هناك هو اتكال على الولايات المتحدة.
أما بالنسبة الى تركيا، فالموقف منها يتسم بنظرة ضيقة تقوم على ان مَن مع الاخوان (المسلمين) هو مع تركيا ومن ضدّهم فهو ضدها. ورغم ان هذا التبسيط قد يبدو مفهوماً نظراً لظروف كل دولة، لكن الأمر لا ينطوي على رؤية استراتيجية متطورة ترتقي الى تحديات الثلث الأول من القرن الواحد والعشرين وتحتاجها المنطقة في لحظة تحديات كبرى عالمية واقليمية، وهي رؤية تفترض وجود نظام إقليمي وتعاون إقليمي بين الدول العربية وتركيا وايران وباكستان، وأيضاً مع الصين وروسيا.
• ثمة اجتهادات حول المدى الذي يمكن أن تبلغه توجهات الإدارة الأميركية حيال لبنان في ضوء المسار التصاعدي للعقوبات على «حزب الله» من جهة والنفوذ المتزايد للحزب في لبنان وداخل الدولة (البرلمان والحكومة)... هل في الأفق ما يؤشر إلى تبدل في السياسة «الواقعية» التي تنتهجها واشنطن حيال لبنان، كدعم جيشه وحفْظ قطاعه المصرفي؟
- في الادارة الأميركية يوجد أكثر من تيار. الرئيس ترامب وعائلته، يملكون بالإجمال نظرة إيجابية إلى اللبنانيين، نظراً الى معرفتهم بالكثير من رجال الأعمال اللبنانيين. ولكن في البيت الأبيض، جون بولتون مثلاً لا يقيم أي اعتبار للبنان إلا من منظار التصدي لإيران و(حزب الله) ولو دُمّر لبنان. وفي وزارة الخارجية الأميركية تسود عموماً نظرة واقعية إلى لبنان، ويمكن القول إنها متعاطفة نوعاً ما، مع الإشارة إلى أن مايك بومبيو يعرف لبنان وسبق ان زاره ويحبه، كما يعرف الكثير من اللبنانيين في الولايات المتحدة، وفي الوقت نفسه له موقف شرس من إيران و(حزب الله). بمعنى انه يريد الضغط أكثر من زاوية مواجهة طهران والحزب، وفي الوقت نفسه لا يرغب في كسْر لبنان.
وبالنسبة الى وزارة الدفاع الأميركية، فهي تملك موقفاً إيجابياً جداً من لبنان وجيشه وأدائه في الحرب ضد داعش. والعلاقات جيدة جداً بين الجيشين الأميركي واللبناني، ودائماً يكون كلام البنتاغون إيجابياً حيال لبنان في واشنطن.
أما في الكونغرس، فالوضع أصعب، لأنه يميل إجمالاً نحو الموقف الإسرائيلي في شكل تلقائي من دون أي اهتمام يُذكر لتأثيرات ذلك على لبنان، ولو باستثناء البعض ممّن يعرفونه. بمعنى أن ما يطغى في الكونغرس هو السير بما يشكل ضغطاً على «حزب الله» سواء عقوبات أو غيرها. والواقع أن وزارة الخزانة الأميركية كانت تحاول إدارة الموضوع بما لا يؤثر على النظام المصرفي اللبناني، ولكن الكونغرس إجمالاً لا يهمّه ذلك كثيراً ويقول كلمته ويمشي.
وفي اعتقادي انه سيكون هناك موقف سلبي من الولايات المتحدة اذا تشكّلت الحكومة اللبنانية وفيها حضور واسع لـ«حزب الله»، خصوصاً اذا تولى حقيبة خدماتية مثل الصحة، لأن واشنطن كانت راعية لمؤتمر «سيدر» وما أقره من مساعدات يفترض ان ينطلق مسارُها بعد تأليف الحكومة. وتالياً فإن الكونغرس وغيره لن يكون في مقدورهم الفصل بين مساعدات للدولة اللبنانية في هذه الحقيبة مثلاً وبين إمكان استفادة «حزب الله» منها عبر توليه إياها. ومن هنا قد نرى تراجعاً في الموقف الأميركي من لبنان وربما انخفاضاً اضافياً في المساعدات او موقفاً سلبياً، لن يصل في رأيي الى العداء، ولكن قد يكون أقرب الى سحْب اليد أكثر، الأمر الذي يشكل خطراً أكيداً على الوضع في لبنان عموماً. وربما هذا ما نحن مقبلون عليه.