قد تأوي إلى فِراشك استعداداً للنوم، فتومض شاشة هاتفك النقال مع نغمة تنبيه مُعلنة وصول رسالة، فتلتقطه تلقائياً لتُطالعها. لكن ما يبدأ كمُطالعة بسيطة يتدحرج منك ككرة ثلج دون أن تنتبه ليتواصل لمدة ساعة كاملة من التصفح الإلكتروني عبر تطبيقات التواصل ومواقع الإنترنت.
هذا السيناريو يُغافل كثيرين منا في عصرنا الراهن الذي بتنا منكوبين فيه بمشكلة إدمان الانكباب على الشاشات الإلكترونية.
وصحيح أن لائمة خلق أجواء ذلك الإدمان تقع أساساً على كبريات شركات تطوير التطبيقات الإلكترونية كما على منصات التواصل الاجتماعي التي تجني مداخيل إعلانية طائلة من وراء استدراج الناس بـ«مغريات» معينة إلى مزيد ومزيد من التصفح، فإن تلك الشركات والمنصات بدأت خلال الآونة الأخيرة في السعي إلى كبح حدة ذلك الإدمان.
ففي تحوّل مهم رصدته «الراي»، ظهر في الأفق أخيرا توجُّه جماعي سعياً إلى كبح جماح ذلك الإدمان، وهو التوجه الذي تتبناه كيانات عملاقة ذات صلة، وعلى رأسها شركات «أبل» و«غوغل» و«فيسبوك» فضلا عن تطبيقات «انستغرام» و«واتساب».
يرتكز هذا التوجّه على قاعدة معايير تعرف بـ«أخلاقيات التقنية العالية» (Hi tech ethics)، وبدأ يتجلّى على أرض الواقع من خلال إعلان تلك الشركات العملاقة بشكل متزامن عن أنها بدأت في تطبيق تغييرات تهدف إلى تقليص الوقت الذي يقضيه المستخدم في مطالعة هاتفه الذكي أو جهازه اللوحي، كما أن تطبيق «إنستغرام» أعلن أنه يستعد حالياً لإطلاق واجهات تفاعلية جديدة تتميز بأنها ستختصر الخطوات بما يقلص الوقت الذي يقضيه المستخدم في التصفح، مع عدم الإضرار كثيراً بمردود المحتوى الإعلاني.
والجهة التي تقف وراء هذا التوجه الجديد هي «مركز التكنولوجيا الإنسانية» الذي أسسه اختصاصي أخلاقيات البرمجة الشهير تريستان هاريس الذي عمل لسنوات لدى شركة «غوغل» ويعد من أبرز الخبراء في مجال كيفية الاستحواذ على اهتمام المستخدمين واستدراجهم إلى الإدمان فعلياً على استخدام التطبيقات الإلكترونية.
تريستان قال إنه أسس المركز قبل سنتين، ويعمل من خلاله حالياً على تشجيع تطوير تطبيقات جديدة ذات تصاميم لا تستهلك الكثير من الوقت، والأهم من ذلك ألا تجعل مستخدميها يدمنون عليها.
فهل سنشهد قريباً بداية نهاية عصر الإدمان على الشاشات؟