سيرة الفنان التشكيلي محمد قمبر، عامرة بالمنجزات، التي اتسمت في كل محطاتها بالتميز، والمضي قدما بخطوات واثقة إلى أهداف فنية ضاربة في عمق الحياة، ومتأصلة في النفس البشرية التواقة إلى مشاهدة الجمال في أبهى صوره.
ومن هذا المنطلق أصدر قمبر مجلده المصور الذي وثق فيه هذه السيرة، عبر محطاتها التي انطلق منها قطار إبداعه منذ سنوات طويلة مضت وما زال منطلقا، في سياقه الفني، كي تكون الحصيلة حزمة كبيرة من الأعمال الفنية، تلك التي جابت البلدان وتلاقحت مع الثقافات المتعددة، لمختلف شعوب العالم، وتناغمت مع الجمال في أشكاله وألوانه ومضامينه المتنوعة.
والمجلد عنوانه «نقوش على الجدران... رحلة حياة»، وجاء في طباعة فاخرة، وتنسيق منهجي متواصل مع رحلة الفنان مع الفنون الجميلة، منذ البدايات حتى الآن، كي يستهل الفنان إصداره بصورة لمرسمه بجملة يقول فيها: «أعشق رائحة مرسمي».
كي تتوالى الصور التي تضمنها المجلد بداية من الصورة التي يظهر فيها قمبر في مرحلة الطفولة مع مدرسه وزملائه في المدرسة الشرقية الابتدائية عام 1958، وفي تمهيده قال قمبر: «كنا صغارا... نهرب إلى الجدران الموجودة في أحيائنا القديمة، وكنا نستقبل هذه الجدران بكل الحب فنرسم العناصر والأشكال التي نريدها، والتي كانت في مخيلتنا فنعبر عنها لتشبع رغبتنا وعشقنا للمواضيع التي كانت موجودة في القصص أو السينما... وكانت هذه الجدران كالأم الحنون تستقبلنا بكل حب وعطف».
وأضاف: «قدمت للحركة التشكيلية الكويتية كل خبرتي المدعومة بالثقافة والأفكار المتنوعة، وذخيرة بصرية جمعتها من ذكريات طفولتي ورحلاتي، ومن أهم اهتماماتي الألوان التي أعبر بها عن مواضيعي وأشكالي... وعن طريق اللون لدي القدرة على التعبير عن شحناتي الانفعالية وإبراز انطباعاتي وانفعالاتي، لتوضيع الأبعاد الرمزية والقيمة الزخرفية الشرقية في أعمالي».
وأكد قمبر بقوله: «الأعمال الفنية بالنسبة لي انعكاس لثقافتي والثقافة الإنسانية عموماً، من خلال الممارسات اليومية... كما تعكس طريقتي في التفكير بصياغة معاصرة»، وأوضح أن غالبية أعماله لا تخلو من بعض المظاهر الحسية، في المساحة التي أمامه، وأنه لا يقف أمام القيم التشكيلية في اللوحة بل يتجاوزها لصناعة كيانها الجمالي الخاص بها، واضاف: «في نظري الفنان مسؤول عن الثقافة الجمالية والفكرية والتشكيلية للمشاهد».
وعن تجربة قمبر الإبداعية، قال الناقد التشكيلي يحيى سويلم: «تبلورت تجربة الفنان من خلال دراسته الأكاديمية ورؤاه البصرية التعبيرية في مواضيع معبرة عن البحر ومشاهد المراكب والسفن والصيد والشباك وأشرعة المراكب والخيام وامتداد الصحراء وكثبانها وزهورها الربيعية، في أسلوب بارع اختطه لنفسه منذ البداية، وسار عليه بطريقته الفنية واستخدامه للبقع اللونية المتجاورة في الأماكن المتألقة بالضوء، في ذلك الحيز الكبير المظلم، باستعمال الألوان القاتمة - أحيانا - تلك التي تشير إلى حالة من الوجهة السيكولوجية المفعمة بالأحزان والفياضة بالأشجان»، وأوضح «أن غالبية أعمال قمبر تجريدات غنائية لونية... و لوحاته تحب أن تستمع إليها»، وأشار إلى زيارات الفنان إلى الكثير من بلدان العالم وأهمها إسبانيا، وانخراطه في الأعمال النحتية، والرسم بتطبيق «المينا» الساخنة على أسطح النحاس.
وقال الناقد التشكيلي هارفي بينسيس: «عمل قمبر لا يركز على موضوع واحد، إنما يعبر عن الفرح والجمال في الحياة بطريقة مبسطة»، بينما قال الزميل الكاتب عدنان فرزات: «قمبر يحكي أصالته بأطر حديثة... فاللون عنده يحلم، والشكل فيه فلسفة الملامح، بين الحلم اللوني والتجريد المدروس عبر جرأة واضحة الخطوط يدخل فيها الفنان عالم الاختزال لطرق بوابة الحداثة».
وفي المجلد رصد لمحطات قمبر الفنية من خلال صور توثيقية مثل الصورة التي يعود تاريخها إلى 1980 والفنان جالس في مرسمه في مدينة سانت لويس في واشنطن، وكذلك رصد لبعض الأعمال التي تضمنتها معارضه الشخصية في الكويت وصوره مع رواد التشكيل الكويتي ومع فنانين عالميين كبار، إلى جانب صور تعبر عن منحوتاته، وفن الأقمشة والأنشطة الدولية، وغيرها، من الأعمال التي تؤكد على تميز مسيرة قمبر الفنية.