الكويت تودّع إسماعيل فهد إسماعيل

شيخ الروائيين العرب... ختم الرواية

1 يناير 1970 05:00 م

لم يكن تقدمه في العمر حاجزاً أمام كتاباته التي ملأت الفضاء الإبداعي رونقاً وعذوبة وجمالاً

ترك إرثاً أدبياً روائياً متميزاً طاف من خلاله في كل دروب الإبداع

مد يد المساعدة للأدباء الشباب... ناصحاً ومرشداً وداعماً

عاش حياته في سلام مع نفسه أولاً ثم مع محيطه من البشر كافة

لم يُظهر في أحلك انفعالاته سوى الطيبة والتسامح وحب الآخر مهما كان الموقف أو القناعات


فارعة السقاف: حداد 3 أيام على وفاة الأب الروحي لـ «لوياك

توفي شيخ الروائيين في الكويت والخليج وعالمنا العربي المعاصر الروائي إسماعيل فهد إسماعيل... إنه الخبر الذي تناقله الأدباء والمحبون لهذا الإنسان، الذي عاش عمره المديد في حالة سلام مع نفسه أولاً... ثم مع محيطه من البشر كافة، فلم يظهر في أحلك انفعالاته سوى الطيبة والتسامح وحب الآخر مهما كان الموقف أو القناعات.
توفي – رحمه الله - صباح أمس راضياً عن نفسه، متسامحاً مع من حوله، توفي وهو في منزله من دون أن يزعج أحداً أو يجهد أحداً، أو حتى من دون أن يقلق منام أحد من أهله ومحبيه، توفي – كما يشرح الروائي طالب الرفاعي ابن أخته وهو في حالة انهيار لم نره فيها قط – فجأة ومن دون سابق إنذار، فقد حضر الفعالية التي افتتح بها الملتقى الثقافي موسمه، وخصصها للاحتفاء بروايته الأخيرة، وحضر بنفسه كل ما تضمنته الجلسة من إشادة واحتفاء من قبل الأدباء والنقاد الحاضرين، وقال كلمته التي شرح فيها بعضاً من حياته.
وفي الملتقى – وسط أحبابه - كان مزدهراً بالمحبة كعادته، متوهجاً بالأمل والحلم، متشحاً بالطيبة التي لم تفارقه طوال عمره الجميل، متسلحاً بالإبداع الذي لم يتخل عنه على الإطلاق، ناشراً بين الأصدقاء والمحبين عطر كلامه، الذي يخرج مرتباً، هادئاً، طيباً، مدعوماً بالحكمة والسلام... فقد سَمِع وأَسْمع، تكلم وأنصت، ولكنه لم يقل إنه سيفارقنا بعد ليال ثلاث، لم يقل إنه سيفاجئنا برحيله، سيحزننا بالموعد الذي توفي فيه، ومن منا يعلم بموعد موته؟... ولكنه الحزن الذي أطرته المفاجأة وجعلته شبحاً لا يمكننا التخلص من شراهته في الوخز والإيلام، بينما نحن نودع إنساناً كان مرضياً عنه، من الناس أجمعين.
توفي إسماعيل... وهو في أوج عطاءاته، تلك التي لم تتوقف لحظة واحدة، فلم يكن التقدم في العمر حاجزاً أمام كتاباته، التي ملأت الفضاء الإبداعي رونقاً وعذوبة وجمالاً، ولم تقف شيخوخته حجر عثرة في طريق سعيه الحثيث إلى حضور الفعاليات كافة، تلك التي تقام في مختلف المؤسسات الرسمية وغير الرسمية المعنية بالثقافة.
عاش حياته كلها وهو يمد يد المساعدة للأدباء الشباب، لم يمنع أحداً من النصيحة والإرشاد، ولم يبخل على أي منهم بالدعم الذي لم يتوقف فقط عند المعنوي، ولكن قد يتخطاه إلى المادي، وأحياناً السعي لأديب لا يزال في بدايته للتوسط له في نشر أعماله أو طباعتها.
توفي صاحب العطاءات الواسعة، والريادة المستحقة، الذي كوّن صداقاته في مختلف بلدان العالم، من خلال إنسانيته، وتفانيه في حب الآخر، وتجاهله تماماً لكل ما قد ينغص عليه ملامح الطيبة التي تحلى بها طوال حياته.
إنه الروائي الذي تتكلم عنه الحياة، بوصفه الحلقة التي تصل الجمال بالحب، والأمل بالإشراقة، والتسامح بالسلام.
ترك إسماعيل – رحمه الله – إرثاً أدبياً روائياً متميزاً، طاف من خلاله في كل دروب الإبداع، ولم يتوقف عند لحظة محددة، أو فكرة بعينها، أو شكلاً واحداً، ولكنه أبحر بسجيته، وخياله، وأفكاره، في مساحات فسيحة غير محددة بزمن أو مكان، متسامحاً فيه تارة مع واقعه الذي آلمه بضرباته المتتالية، وكاشفاً تارة أخرى عن القبح، الذي كان يرده جمالاً، ولكنه قد ينسرب من بين كلماته ليتحول إلى مارد، يحرص كل الحرص على ترويضه، وأنسنته، وسواء تمكن من ذلك أو لم يتمكن تبقى محاولاته مفروشة بالحرير في مختلف رواياته، ومشحونة بالأمل، الذي نراه متحققاً مع نهاية آخر كلمة في كل رواية.
إنه الروائي الذي كان يتنافس مع نفسه، ويتحاور معها في كل وقت وحين، من أجل الحصول على مواضيع وشخوص لرواياته، تكشف المسكوت عنه وتتحدث عن المتخفي في دهاليز النفس البشرية، بأسلوب يغلب عليه الطابع الفلسفي، الجانح إلى التأكيد على روعة الحياة رغم ما يصيبها في كل ليلة تمر فيها من آلام وخداع، إنه كان يتنفس الواقع الذي أحال معظمه في متون رواياته إلى كائنات حية، نعيشها وتعيشنا، بمزيد من الوقفات، تلك التي تدفعنا دفعا للتفكير والتأمل، بعيون نابهة ومتيقظة.
وداعاً أيها الإنسان النبيل، ونحن لم ننس فضلك في كل ما قدمته لنا، سواء كان أدباً ننتفع به، أو أخلاقاً نتحلى بها، أو صبراً نتجمل به، أو تميزاً نأخذه قدوة لنا، أو احتواء جعلنا في سعادة تامة... وداعاً يا شيخ كل جميل، ورحلة مليئة بالأحلام، وطريق مشيناه معك، فوصل بنا إلى المصباح الذي أضاء لنا دروبنا، وهو المصباح نفسه الذي نراه لا يزال مضيئاً، لم تطفئه وطأة الغياب.

الجبري: رحيل الفقيد خسارة كبيرة للأسرة الأدبية

الرئيس الغانم نعى إسماعيل: أحد آباء الرواية في الكويت

اعتبر رئيس مجلس الأمة مرزوق علي الغانم أن الأديب إسماعيل فهد إسماعيل أحد آباء الرواية في الكويت، وأن برحيله فقدت الكويت رائداً من رواد الثقافة.
وقال الرئيس: «أعزي أهل الكويت وجمهور الثقافة والأدب والرواية في العالم العربي برحيل أحد آباء الرواية في الكويت، الأديب والروائي الكبير إسماعيل فهد إسماعيل، وأسأل الله أن يرحمه برحمته الواسعة وأن يسكنه فسيح جناته، وأن يلهم ذويه ومحبيه الكثر جميل الصبر والسلوان».
كما نعى وزير الإعلام وزير الدولة لشؤون الشباب رئيس المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب الكويتي محمد الجبري المغفور له، وذكر في بيان أن «رحيل الفقيد مثّل خسارة كبيرة للأسرة الأدبية والثقافية الكويتية والخليجية، إذ فقدت الكويت برحيله واحداً من جيل المبدعين في عالم الأدب والرواية على المستوى العربي، والذي كان خلالها مثالاً للجد والاجتهاد والمثابرة والإبداع».
وأضاف أن «الأديب الفقيد عُرف عنه رعايته لعدد كبير من كتاب القصة والرواية من الشباب في الكويت والوطن العربي واحتضانه مواهب أدبية ابداعية سجلت حضورا لافتا على الساحة الادبية في الكويت وخارجها».
 واستذكر الجبري مآثر الأديب والروائي الراحل وإسهاماته بجد وإخلاص للارتقاء بالحركة الثقافية الكويتية نحو آفاق أرحب وأوسع من الحضور والتأثير في المستويات الأدبية كافة عبر دعم المواهب واثرائهم بتجربته الطويلة».
من جانبه، نعى الأمين العام للمجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب المهندس علي اليوحه الروائي الراحل، منوهاً بالإرث الكبير الذي تركه والذي يعتبر «بمثابة مرجعية كبيرة للرواية الكويتية سيتعلم منه الكثير من مبدعي الجيل الجديد من الروائيين في الكويت، ويعد بمنزلة العمود الأهم للفن الروائي والقصصي في الكويت، خصوصاً رعايته لعدد كبير من كتاب القصة القصيرة والرواية، واحتضانه لمواهب أدبية إبداعية باتت تمثل حضوراً لافتاً على الساحة الكويتية والعربية.
كما نعاه الأمين العام المساعد لقطاع الفنون في المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب د. بدر فيصل الدويش، معتبراً أن «الكويت خسرت قامة ثقافية باسقة يشار لها بالبنان، وهرماً كبيراً ستتذكره الأجيال المتعاقبة عبر مسيرة مشرقة بالعطاء والإبداع في كافة المحافل العربية والدولية».
وذكر الدويش أن الراحل يعد من الأسماء الثقافية الكويتية التي سطرت رحلة زاخرة في الإبداعات المتتالية التي صنعت منه شخصية رائدة أعطت جل العطاء والتميز والحضور.
وأصدر أمين عام رابطة الأدباء الكويتيين طلال الرميضي بياناً نعى فيه الروائي الراحل، جاء فيه: «غياب مفاجئ ومؤثر فُجعنا به بخبر حمل إلينا اللوعة والأسى برحيل عضو رابطة الأدباء الكويتيين الكاتب إسماعيل فهد إسماعيل، وإذ تنعى الرابطة هذا الأديب (التاريخ) فإننا نستذكر بكل اعتزاز ما حققه للرواية الكويتية في فترة السبعينات من القرن الماضي، حيث حقق تحولاً نوعياً وفنياً للرواية ووضع منهجها على المسار الصحيح، ليصبح الراحل مدرسة في الأدب الروائي سارت على نهجه أجيال عديدة، وحقق الكثيرون منهم التفوق».
ومن جهتها، قالت رئيس مجلس إدارة أكاديمية لوياك فارعة السقاف: «قبل أيام احتفل بعيد ميلاده مع الأحباء والأصدقاء، واليوم أبو الرواية رحل من دون أن أتمكن من وداعه، ونحن في أكاديمية لوياك للفنون الأدائية (لابا) في حداد لمدة ثلاثة أيام على رحيل الأب الروحي لها، فقد كان حاضراً في كل عمل مسرحي أنجزناه من الألف إلى الياء، وحاضرا أيضاً خلال جميع العروض وبعدها ليقدم لنا التشجيع والدعم والنصائح، إذ لم نجد منه يوماً النقد السلبي الذي يحبط انطلاقتنا. مع رحيل بوفهد أصبح الأدب يتيماً كما حصل مع الفن برحيل بوعدنان».
وتابعت السقاف: «معرفتي به ليست وليدة اللحظة، بل هي ممتدة منذ أيام دراستي في الجامعة، لقد كان وسيزال قدوتنا ومصدر إلهامنا في كل شيء نقوم به ونقدمه، فهو قدوة في أدبه وأخلاقه قبل أن يكون كذلك في عمله المتقن بالرواية، إنسان كبير وأمثاله قلّة، هو معلمنا الذي لم يعلمنا كيف تكون تقنية الرواية فحسب، بل علمنا أيضاً كيف يكون الأدب وكيف يسمو الإنسان، ومع رحيله أعزّي الكويت وكل الروائيين وجميع من صادفه والتقى به وحظي بفرصة الحوار معه ومجالسته والنهل من فكره وثقافته».

سيرة... حافلة بالإبداع المتواصل

ولد الروائي الراحل إسماعيل فهد إسماعيل في العام 1940، وحصل على بكالوريوس أدب ونقد في المعهد العالي للفنون المسرحية في الكويت. وعمل في مجال التدريس وإدارة الوسائل التعليمية، وأدار شركة للإنتاج الفني.
وإسماعيل مؤسس حقيقي لفن الرواية في الكويت. فقد أصدر الكثير من الأعمال الإبداعية الروائية والقصصية والدراسات، ومن أعماله القصصية «البقعة الداكنة»، و«الأقفاص واللغة المشتركة»، ثم أصدر روايته الأولى «كانت السماء زرقاء» العام 1970، كما توالت الروايات: «المستنقعات الضوئية»، «الحبل»، «الضفاف الأخرى»، «ملف الحادثة 67»، «الشياح»، «الطيور والأصدقاء»، «خطوة في الحلم»، «النيل يجري شمالاً - البدايات»، «إحداثيات زمن العزلة»، «الشمس في برج الحوت»، «الحياة وجه آخر»، «قيد الأشياء»، «دوائر الاستحالة»، «ذاكرة الحضور»، «سماء نائية»، «الأبابيليون»، «العصف»، وصولاً إلى «طيور التاجي»، و«في حضرة العنقاء والخل الوفي»، التي دخلت القائمة الطويلة لجائزة البوكر في العام 2015، و«الظهور الثاني لابن لعبون»، و«السبيليات» وغيرها، ثم رواية «صندوق أسود آخر»، وهي آخر ما أبدعه الروائي الراحل.
وأصدر رحمه الله في مجال الدراسات «القصة العربية في الكويت»، و«الفعل الدرامي ونقيضه»، و«الكلمة - الفعل في مسرح سعد الله ونوس»، و«علي السبتي - شاعر في الهواء الطلق»، و«ما تعلمته الشجرة... ليلى العثمان كاتبة»، بالإضافة إلى كتابته لمسرحية «النص».
وحصل الراحل على جائزة الدولة التشجيعية في مجال الرواية، العام 1989، وجائزة الدولة التشجيعية في مجال الدراسات النقدية، العام 2002.
وأسس ملتقى الثلاثاء الذي كان يجتمع فيه مع الأدباء الكبار والشباب في جلسات ثقافية وإبداعية، على مدى سنوات عديدة.