ضوء / تحمل أفكاراً شبابية متواصلة مع مستقبل الكويت

مكتبة صوفيا... رؤية مشرقة للمعرفة والثقافة بنكهة القهوة

1 يناير 1970 06:42 م
  • أراد صاحباها عبد العزيز العوضي ورزان المرشد  أن تكون للقراءة دور  في حياة المجتمع 
  • ديوان صوفيا... ملتقى تقام فيه الأمسيات والندوات الأدبية في أسلوب مبتكر ومتفرد  
  • «مركز حروف الثقافي»... مشروع ثقافي غير ربحي يهتم بإقامة فعاليات ثقافية مهمة
  •   تتداخل «صوفيا»  في إطاراتها مع مفهوم المقهى الراقي والمكتبة العامرة بأحدث وأهم الكتب التي صدرت قديما وحديثا 
  • الفكرة وإن كانت حديثة في طرحها إلا أنها تعود بنا إلى الزمن الذي كانت فيه للمثقفين مقاهيهم الخاصة

دخل حمد - وهو شاب  تبدو على وجهه علامات الوقار والهدوء رغم حداثة سنه - مكتبة صوفيا في مول البروميناد الكائن في حولي، أخذ يتجول ببصره بين ردهات وممرات المكتبة، متأملا بدهشة... رفوف الكتب، والحركة المنسقة التي مصدرها العاملون في خدمة الزبائن، وصورة كبيرة للشاعر الكبير محمود درويش تزين جدرانها، أحس بنشوة وراحة نفسية غامضة، بينما أنفه يستنشق رائحة القهوة التي تختلط بها روائح عطرية أخرى لا يعرف مصدرها.
وبحركة لا إرادية وجد قدميه تقودانه إلى مكان قصي في المكتبة، وهناك سحب كرسيّا وجلس عليه أمام طاولة مستديرة منسقة، وكان من خلفه مجموعة شباب يتحدثون بهدوء، وأمامهم عدد من الكتب التي تبدو من أغلفتها أنها حديثة، وفي الناحية الخلفية الأخرى... فتاتان واحدة منهما تتصفح كتابا حديثا، ثم أطل ببصره سريعا ولم يتمكن إلا من قراءة عنوان الكتاب «الأبله»، تذكر أنه رواية مهمة  لدوستويفسكي.
ابتسم ابتسامة خفيفة، وعقله الباطن يقول: «هذا شيء حسن، كتاب في مكان ندعوه مقهى»، بينما الفتاة الأخرى تعبث في تلفونها لتفاجأها بالقول: «تذكرت الكتاب الذي أريد اقتناءه من المكتبة»، عندها ظهرت على الشاب حمد علامات الدهشة: تريد اقتناء كتاب...؟!
بعد قليل من الوقت ظهر مشاري- صديق حمد- وهو يقترب قليلا من سنه، ويتناسب مع ما يتصف به من هدوء ووقار، أخذ يتجول ببصره في أنحاء المكان، ليعثر - اخيرا - على حمد مطرقا على كرسيه، اقترب منه وجلس على الكرسي الذي يقابله ولم يرد أن يقطع عليه حبل أفكاره، وحينما انتبه حمد لوجوده قام وسلم عليه، وجلس الاثنان بينما الحوار لم يجلس فقد احتدم وتسارعت وتيرته، حول هذه المكتبة التي تجمع بين المقهى والمكتبة، في شكل راق.
قال أحد الأدباء الكبار - الذي يجلس مع ثلة من الأصدقاء - بصوت خفيض: « وجوه النجاح في الكويت كثيرة، تلك التي رسمتها بعناية خطوات شبابٍ يرون في التميز والتجديد والدهشة وسائل ملهمة، لتحقيق أحلامهم المتناغمة مع الأصالة والمعاصرة معا».
وقال بنبرة متفائلة: «نعم... سيرة نجاح عظيمة تلك التي تحققت في هذه المكتبة بأحلام شبابية تنظر إلى المستقبل والماضي معاً، ومن ثم تشكلت الرؤية التي عرفت طريقها الحقيقي، إلى تقديم مشروع يجمع في متونه بين الثقافة والفكر والأدب وبين تقديم خدمة راقية وهادئة».
الحكايات لم تنته... تلك التي تسرد نجاحا رسمت طريقه أفكار وتطلعات شابة، تناغمت مع العصر، ولم تنقطع عن الأصل.
عبد العزيز العوضي، ورزان المرشد... طاقتان شبابيتان، وجدا أن المجتمع الكويتي بحاجة ماسة إلى الثقافة والفكر، غير أن تحولات العصر أسهمت بشكل مباغت وغير متوقع، في الابتعاد الجزئي - وأحيانا الكلي - عن القراءة، التي هي سبيل أي بلد إلى المستقبل المشرق البهي، ومن خلال بحثهم في هذه المسألة وجدوا أن هذا الأمر لا تعاني منه الكويت فقط، ولكنه إعصار ضرب مختلف بلدان العالم، وخصوصا العربية منها.
وان للعوضي والمرشد رؤيتهما الضاربتين بعمقها في معاني تتعلق بالثقافة ودورها المهم في التطوير والتقدم، لذا فقد تفتق الفكر وتنجم عن مشروع رائد في الكويت، أو قل إنه مستنير، وفي الوقت نفسه متفرد في خصوصيته، ليظهر إلى العلن مكتبة صوفيا، في إطاراتها التي تتداخل معها معنى المقهى الراقي بإمكاناته، وخدماته، وفي الوقت نفسه مكتبة عامرة بأحدث وأهم الكتب التي صدرت قديما وحديثا، ولها أهميتها في بناء العقل.
وهذا المنهج الحديث في التفكير... جعل من الزائر لهذه المكتبة، مستعدا لأن يشتري كتابه المفضل، ومن ثم يجلس في مكان مجهز بكل وسائل الراحة ليقرأه كله أو جزءاً منه مع فنجان قهوته المفضلة.
إن الفكرة- وإن كانت حديثة في طرحها- إلا أنها تعود بنا إلى الزمن الذي كانت فيه للمثقفين مقاهيهم الخاصة، التي يكتبون على طاولاتها، وفي زواياها الهادئة مؤلفاتهم، أو يجتمعون لتبادل أطراف الحديث حول قضايا ثقافية حيوية.
وحينما نتأمل اسم المكتبة «صوفيا» سنجد أنه ترجمة لكلمة يونانية تعني بالعربية الحكمة، ومن ثم فقد تأهل ذهن وفكر ووجدان زائر المكتبة على أنه سيتلقى الحكمة من الكتب التي سيقتنيها من المكتبة، وأنه سيجد مكانا مجهزا وجميلا وهادئا يستطيع فيه الاطلاع على ما يتضمنه الكتاب من أبواب.
وفي نظرة متأملة إلى محتوى المكتبة  سنجد أن تناسقا ملحوظا، في كل عناصره التي تتوزع بالتساوي بين متطلبات القراءة... من هدوء، وكتب حديثة ومشهورة منسقة بعناية على الأرفف، وقراء يختارون ما يحلو لهم من إصدارات لاقتنائها، ثم جلوسهم على الكراسي المعدة للقراءة، وبين المقهى الراقي بروائح القهوة، وجلسات الزبائن، في وقار وطمأنينة، وبين حركة العاملين في توصيل الطلبات، بابتساماتهم وأرواحهم الطيبة.
كل هذا التناسق كان مدعاة لأن تظهر الصورة أكثر إشراقا وتوهجا، لتظل مكتبة ومقهى صوفيا، من الأماكن الأكثر انسجاما مع متطلبات القارئ الباحث عن الهدوء وسط آخرين يبادلونه الرغبة نفسها، ويشاطرونه حب القراءة.
وبعد إنجاز «مركز حروف الثقافي» الذي أنشأه هؤلاء الشباب - وهو مشروع ثقافي غير ربحي، اهتم في المقام الأول بإقامة أمسيات ثقافية مهمة-  جاء  ديوان صوفيا... الذي اتبع المنهج نفسه، وأصبح ملتقى ثقافيا لإقامة الأمسيات والندوات الأدبية، في أسلوب مبتكر، ومتفرد في ترتيباته.