تشير احصائيات وتقديرات منظمة الصحة العالمية إلى تزايد ملحوظ في أعداد سكان العالم الذين بدأوا في العودة إلى التداوي بالأعشاب والنباتات. ورافق ذلك تزايد في فتح متاجر وعيادات العشابين وأطباء الطب البديل، فضلاً عن المؤلفات المتنامية عن العلاج بالأعشاب، ليس في العالم الثالث فحسب بل في الدول المتطورة أيضاً.
لهذا يرى خبير الأعشاب ومؤلف «الموسوعة العربية للعلاج بالأعشاب» الدكتور داود جاسم الربيعي، الذي يحمل عضوية الجمعية الملكية البريطانية للأعشاب، أن هذا الأمر يوجب مناقشة مسألة المعالجة بالأعشاب بصورة جدية لتحديد من يستحق أن يحمل لقب «عشاب» ومن الذي ينبغي أن نصفه بأنه مجرد «نصاب» يحتال على الناس بوصفات عشبية ونباتية ليس لديه الدراسة والخبرة العلمية المناسبة كي يصفها.
فتقليديا، اعتدنا في مجتمعاتنا العربية على أنه في كثير من الحالات المرضية العابرة - كالزكام والبرد والإسهال والإمساك والغازات – نجد من يتطوع بأن يوصي المريض بوصفة نباتية متوارثة تتألف عادة من أعشاب معينة لمعالجة المشكلة أو الوعكة الصحية.
وفي تقدير الدكتور الربيعي، فإن من يتطوع باقتراح مثل تلك الوصفات العلاجية عن غير دراية أو دراسة يندرج – من دون أن ينتبه – ضمن فئة «منتحلي صفة العشّاب»، وهي الفئة التي تضم أيضا النصابين والمحتالين الذين نراهم بين الحين والآخر ينشرون إعلانات مضللة مفادها أنهم يمتلكون القدرة على معالجة كثير من الأمراض بوصفات عشبية، بما في ذلك مشاكل العقم والعجز الجنسي وغير ذلك!
فإلي تسليط مزيد من الأضواء على هذا الأمر...
نظرة تاريخية
منذ فجر التاريخ البشري على كوكب الأرض وحتى عهد ليس بالبعيد، دأب الإنسان على محاولة التدوي بنباتات وأعشاب بيئته التي يعيش فيها، وذلك إما بالصدفة، أو بالتجربة، أو بمحاكاة حيوانات البيئة عندما تمرض، أو بالخبرات المتوارثة جيلا بعد جيل. ومع مرور القرون، توسعت مدارك الإنسان في هذا المجال من خلال تنقلاته المستمرة إلى مناطق جغرافية جديدة فيها بيئات نباتية متنوعة، وكانت نتيجة ذلك أن اكتسب الإنسان خبرات متنوعة في مجال التداوي بالأعشاب والنباتات.
في هذا الصدد، كتب خبير الأعشاب العراقي الدكتور داود جاسم الربيعي: «بنظرة سريعة في أصول الأعشاب نجد أن كثيراً من شعوب الحضارات القديمة استخدمت العلاج بالأعشاب منذ أكثر من خمسة آلاف سنة سلفت، كما هو الحال في بلاد الرافدين والنيل والصين والهند وأميركا اللاتينية. وقد ترك لنا الرواد من العشابين تراثاً زاخراً من الكتب التي تحوي الكثير من دساتير الأدوية العشبية وعلاجاتها».
وتابع الربيعي موضحا: «منذ الثورة الصناعية في القرن الثامن عشر وما رافقها من تطور زراعي وصحي، زاد حجم سكان الأرض بشكل هائل. وقد رافق الثورة الصناعية تطور كبير في علم الصيدلة من جهة وعدم كفاية الأعشاب المتوفرة للأعداد المتزايدة من السكان من جهة ثانية»، مبينا أنه كان من أسباب ذلك أن اتجه الناس إلى استعمال الأدوية الصيدلانية الكيمياوية الحديثة لسهولة استخدامها وحملها وسرعة تأثيرها في المرض. واستمر الحال هكذا، إلى أن اكتشف البشر التأثيرات السلبية لهذه العقاقير الكيمياوية، وذلك خلال الخمسين سنة الماضية، فعاد معظم سكان المعمورة ثانية إلى «ثدي الطبيعة» الذي عالج أسلافهم الأوائل.
تساؤل مفصلي
ويؤكد الربيعي على أنه سواء كانت المشكلة الصحية بسيطة أو مزمنة، فإنه ينبغي على المريض أن يتحرى دائما اللجوء إما إلى عشّاب معتمد أو طبيب. وبينما يكون عمل الأطباء المجازين واضحا ويمكن الاعتماد عليه باطمئنان، فإن التساؤل المفصلي الذي ينبغي أن يبقى ماثلا أمام من يرغب في التداوي بالأعشاب من دون الاستعانة بطبيب هو: ما مواصفات العشاب الذي يمكنني أن أثق فيه كي يعالجني؟
يجيب الدكتور الربيعي عن ذلك التساؤل قائلا: «هنا نأخذ تجارب الشعوب الممارسة لطب الأعشاب في الوقت الحاضر ونعرضها أمام القارئ الكريم كي يعي معنى كلمة عشّاب. ففي الولايات المتحدة، لا يجوز أبداً أن يصف أي شخص علاجاً بالأعشاب لآخرين. أما في الصين فيمارس العلاج بالأعشاب في مستشفيات خاصة للطب البديل. بينما نلاحظ في فرنسا أن العشابين هم أولئك الذين درسوا طب الأعشاب في معاهد وكليات متخصصة. والذين يعالجون بالأعشاب في ألمانيا ينبغي أن تكون لديهم إجازات خاصة لممارسة هذه المهنة، بينما تُخضع بريطانيا من يرغب أن يكون عشاباً لدراسة وتدريب وامتحان لفترة أربع أوخمس سنوات، وكذلك الحال في استراليا. أما في دول الوطن العربي فلا يوجد أي عشاب يحمل شهادة رسمية لممارسة العلاج بالأعشاب إلا نادرا».
تنبيهات... وتحذيرات
وبناء على ما ذكرناه آنفا، فإنه من الضروري التنبيه والتحذير إزاء الأمور التالية:
• ظاهرة تزايد فتح متاجر العلاج بالأعشاب يوماً بعد آخر في معظم الدول العربية من قبل أناس توارثوا خبرتهم من الآباء أو الأجداد بلا دراسة أكاديمية ومن دون أي معرفة متكاملة بطبيعة العشبة ومركباتها الكيمياوية والعنصر الفعال فيها وطريقة عملها داخل الجسم ومحاذير استعمالاتها. بل إن كثيراً من شركات الصيدلة الرديئة تتلقف عدداً من هذه الخبرات وتصنع أدوية من الأعشاب الخام أو المصنعة وتكتب عليها عبارة (أعشاب طبيعية)!
• عند زيارة أي معرض عربي للكتب، نجد أن أعداد المؤلفات عن العلاج بالأعشاب يفوق عدد المؤلفات في أي تخصص آخر! وهي كتب تتناول معظمها الأمراض بأسمائها القديمة، دون التعريف بأعراضها ومسبباتها، وتصف لكل مرض علاجات عشبية على نحو غير دقيق. وهناك كتب تصف الأعشاب وفوائدها، دون الوقوف على مركباتها الكيمياوية وطرق تحضيرها وتكرار استخداماتها اليومية، وذلك لكل مرض من الأمراض التي تعالجها.
• أما كتب الأعشاب التي تستخدم المصطلحات الحديثة فإنها أفضل نسبيا، حيث تضع وصفاً لكل عشبة وصورتها والأجزاء المستخدمة منها ومركباتها الكيمياوية واستعمالاتها ومحاذيرها. ولكن الذي ينقصها هو: عدم تضمين التحليل الكيمياوي الكامل للعشبة وتحديد كمياتها، وعدم التأكيد على العنصر أو العناصر المعالجة في العشبة، وعدم أو ندرة وصفها لطريقة إعداد العشبة والاستعمال لكل مرض من الأمراض التي تعالجها، فضلا عن عدم ذكر الأسماء المختلفة لكل عشبة في دول الوطن العربي، ما يحصر فائدة الكتاب على سكان بلد المؤلف فقط.
وصايا... وإرشادات
حرصا على تفادي المخاطر، يوصى كل من يرغب في التداوي بالأعشاب أن يراعي الاعتبارات التالية:
• عدم ارتياد مواقع الكترونية أو متاجر أو عيادات شعبية يزعم أصحابها أو مديروها أنهم عشّابون، إلا بعد التأكد من امتلاكهم خبرة كافية وشهادات موثقة ومعتمدة من جهات صحية وطبية رسمية، وليس مجرد شهادات من مرضى مزعومين.
• الحرص على معرفة اسم ومصدر كل عشبة يقترحها العشاب، بحيث يكون مصدراً علمياً أو تجارياً موثوقاً به، مع التأكد من أن العشبة صالحة للتعاطي وخالية من الخلط والغش.
• معرفة الطريقة الصحيحة لإعداد الوصفة العشبية، وكيفية استخدامها، ومعدل تكرارها اليومي أو الأسبوعي. فالإفراط في استخدام اي وصفة عشبية قد يؤتي نتائج سلبية، مثلما أن الإقلال منها يؤدي إلى إطالة أمد فترة العلاج.
• ملاحظة نتائج الوصفة العشبية بعد مرور أسبوع إلى أربعة أسابيع من بدء تعاطيها. وإذا لم يُلاحظ أي تحسن، فينبغي التوقف عن استخدام تلك الوصفة واستشارة العشّاب المعالج.
• للحصول على أفضل نتيجة علاجية ممكنة، يستحسن إسناد تعاطي الوصفة العشبية بعناصر مغذية طبيعية، كعصير الفواكه والخضراوات الطازجة.