في العام 2006، ظهر اسم يواكيم لوف على الساحة العالمية بصفته مساعداً لمدرب منتخب المانيا في كرة القدم، يورغن كلينسمان.
بعدها بسنتين، تحول الى «الرجل الاول» في «ناسيونال مانشافت» وسط ذهول كثيرين ممن رأوا تفاوتاً بين «عراقة» منتخب المانيا، و«تواضع» المدرب الجديد.
شيئاً فشيئاً، أخذت «عبقرية» لوف تطوف الى السطح. وبعد وصافة «يورو 2008» ونصف نهائي «يورو 2012»، ومركز ثالث بينهما في كأس العالم 2010، فرض ابن الـ 58 عاماً سطوته على كرة القدم بعد أن قاد المانيا الى التتويج بقلب كأس العالم للمرة الرابعة في تاريخها في «البرازيل 2014»، عن جدارة واستحقاق.
بعد الخروج من نصف نهائي «يورو 2016»، دخل الالمان مونديال 2018 من باب المرشح الأكبر، قبل ان يخرجوا من «الباب الصغير» وتحديداً من الدور الاول للمرة الأولى منذ 80 عاما.
حتى تلك اللحظة، لم يكن كاتب هذه السطور مع رحيل لوف، خصوصا أنه حافظ طيلة الأعوام التي أمضاها في «الموقع الحساس» على حضور فريقه، ولأن الخطأ في خضم نجاحات كثيرة يبقى معذوراً.
غير أن المؤتمر الصحافي الذي خرج به المدرب، أول من أمس، كان من شأنه أن يبدّل جذرياً موقف من دعمه «أبداً».
يقول «يوغي»، وهو لقب لوف، إن بقاءه في منصبه رغم ما حصل في روسيا، لا يعني بأنه مطمئن لوضعه، علما أن عقده مدد حتى 2022 قبل أسابيع من بداية المونديال، وهذا جيد، ويضيف: «جميعنا مراقبون وتحت ضغط كبير. أنا مدرك لذلك».
لكن أسئلة كثيرة تفرض نفسه هنا: اين كانت تلك الرقابة الذاتية المفترضة عندما قرر لوف استبعاد ليروي ساني مثلاً عن المونديال رغم دعوة «الجميع» بلا استثناء لضمه الى تشكيلة كأس العالم؟ وأين كانت تلك الرقابة المزعومة عندما وقع خلاف بين ماتس هوميلس وسامي خضيرة خلال المونديال وعندما اكتشف الجهاز الفني أيضاً بأن اللاعبين يسهرون حتى ساعة متأخرة من الليل ليتحدّوا بعضهم البعض في ألعاب الـ «بلاي ستيشن»؟ وهل هذا يعني بأن لوف كان الحاكم بأمره في الفترة الماضية أي «ديكتاتوراً»، وقرر، اليوم، أن «ينفتح» على الجميع؟
وفي تحليله لما حصل في مونديال هذا الصيف، أقر لوف «أني كنت متعجرفا بعض الشيء»، وأضاف: «أصبحنا أكثر فأكثر فريق الاستحواذ على الكرة والسيطرة المطلقة. كان ذلك ضروريا لأن خصومنا لعبوا أكثر وأكثر في الخلف وأصبحوا أكثر خوفا من مرتداتنا. على مدى أربعة أعوام (منذ 2014)، فعلنا ذلك بشكل جيد للغاية»، وتابع: «في المونديال، خاطرت كثيرا» برغبة لعب كرة سلسة وجميلة منذ الدور الأول، واستطرد: «كان خطأ كبيرا، لأنه منذ دور المجموعات كانت المباريات بمثابة أدوار إقصائية»، مشددا أنه للمستقبل «يتعين علينا أن نكيف أسلوبنا وأن نصبح أكثر مرونة وأكثر ليونة حتى لا نأخذ القدر ذاته من المخاطر».
بين هذه السطور، تفوح رائحة فشل ذريع يصل الى حدود الشك في إمكان «التحسين».
فعندما يتوجه منتخب بحجم المانيا الى كأس العالم، لا يحق لمن هو قائم عليه أن يدّعي «المفاجأة» في ما آل اليه أداء الخصوم.
ماذا يُتوقع من منتخبات مثل المكسيك والسويد وكوريا الجنوبية ان تفعل امام المانيا؟ أن تعتمد اسلوباً مفتوحاً مثلاً أو أن تتحفظ وتلعب بدفاع متكتل وهجمات مرتدة خاطفة؟
لم يكن لوف، على غير عادة، في «نطاق التغطية» خلال المونديال، والمشكلة لم تكن في اللاعبين المختارين بقدر ما كانت مرتبطة به وبأفكاره التي لم يُفهم منها شيئا خلال المباريات الثلاث.
وأن تعترف بأنك «متعجرف»، فهذا يلزمك على الرحيل لانك فشلت من دون أن تسعى الى تقديم أفضل ما لديك.
وقد حرص لوف على تخصيص حيز كبير من المؤتمر الصحافي، للحديث عن مشكلة مسعود أوزيل، في الوقت الذي ما كان عليه القيام بذلك، لأنه يفترض بأن المنتخب فتح صفحة جديدة وبدأ القيام بخطوة أولى الى الامام.
وبخلاف اوزيل الذي اختار بنفسه الاعتزال دولياً، استبعد لوف عن التشكيلة الجديدة سامي خضيرة، وهو من دعاه كثيرون، في الاساس، الى عدم استدعائه الى تشكيلة المونديال بسبب البطء في مركز محوري يحتاج شاغله الى ديناميّة معتبَرة لأداء دوره على أكمل وجه.
ثلاثة وجوه جديدة فقط استدعاها لوف الى المنتخب الذي يستعد للقاء فرنسا في دوري الأمم الأوروبية في 6 سبتمبر المقبل ثم البيرو وديا بعدها بثلاثة أيام، وهذا ليس بالتغيير الجذري المرجو.
تضمنت تشكيلة الـ23 لاعبا الشبان تيلو كيهرر (21 - باريس سان جرمان الفرنسي)، كاي هافرتس (19 عاما - باير ليفركوزن) ونيكو شولتس (25 عاما - هوفنهايم)، لكن أين ظهير أيسر اوغسبورغ، فيليب ماكس، الذي اعتبر أحد نجوم الموسم الماضي؟
في المقابل، بقي ضمن التشكيلة الركائز الذين قادوا ألمانيا الى لقب مونديال 2014 رغم تواضع مستواهم في روسيا، وعلى رأسهم هوميلس، توماس مولر، جيروم بواتنغ، طوني كروس، والحارس مانويل نوير.
كان المؤتمر بمثابة اعتذار عمّا حصل في «مونديال 2018»، و«الاعتذار ليس عيباً» بل شجاعة، بيد ان الشجاعة جاءت منقوصة لأنه كان يتوجب على لوف ان يطوي صفحة الماضي تماماً ويؤسس للمستقبل، لا أن يرقّع الواقع، حتى وإن كان فريقه سيواجه فرنسا بطلة العالم، بعد ايام.
كان الأجدى بلوف أن يعتذر عن استكمال المشوار لأن «التغيير المرتجى» لم يتم، ولأن خطأه، بموجب اعترافاته، لا يستحق فرصة ثانية، في وقت يحتاج فيه «ناسيونال مانشافت» الى تغيير جذري في افق الاستعداد للعودة المرجوة في 2020 عندما تطلق كأس أمم أوروبا العنان لأبواق معاركها.