القديم والتراث والآثار... من أهم المواضيع التي تحرص المؤسسات الرسمية وغير الرسمية كافة في مختلف دول العالم على الاعتناء بها، بصفتها العناصر الأساسية التي تربط الأجيال المتعاقبة بماضيها، ذلك الماضي الذي يتعين ألا ينقطع لأي سبب من الأسباب، نظراً لما يتمتع به من أهمية في منظومة التطور، الذي من المفترض أن تكون جذوره معروفة وجلية.
وهذه المنظومة - التي تتوغل في عمق التاريخ عبر عصوره المتعاقبة - تحتاج إلى بحث مضن، ودراسات مكثفة، وتحد شديد لعوامل الزمن، كي تبقى شاهدة على حضارة الوطن، ومتحدثة عن أجداد قدموا كل ما لديهم من جهد ووقت، في سبيل نهضة وطنهم، ليصل إلى الأجيال المتعاقبة في صورته المتوهجة بالجمال والرقي.
والمثل يقول: «من ليس له ماض لا مستقبل له»... والكويت - رغم صغر حجمها الجغرافي - إلا أنها حظيت عبر عصورها المتلاحقة بماضٍ عريق، تشهد عليه تلك المباني القديمة، التي أقدم المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب بمساندة مختلف الجهات الرسمية وغير الرسمية المعنية بالثقافة والتراث، بترميمها كي تحكي في شموخها وعبقها القديم سيرة الوطن وقصص أجداد كافحوا من أجل وطنهم، وأنهم تحدوا كل الظروف وأسسوا وطنهم على أجمل شكل.
ومن ثم ظلت البيوت القديمة - التي أعاد ترميم بعضها المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب - خير شاهد على هذا الماضي الجميل مثل بيت العثمان وبيت البدر وبيوت العيسى وبيت السدو والكثير من هذه المباني القيمة تلك التي تشير إلى عصور مضت، وتركت شواهدها التي تمثل البيوت والمباني جزءاً مهماً وضرورياً منها.
وخلف المدرسة الإنكليزية - في المحيط القريب من بيت العثمان - في حولي يوجد تجمع لبيوت... حوائطها وبعض المواد المستخدمة في بنائها، تدل على قدمها، وهي تمثل ثروة تراثية مهمة تحكي تاريخ الكويت، إلا أن هذه المباني مهملة ويسكنها العزاب، وبعضها مهدم، وهناك آثار ترميم لبعض حوائطها المهملة، وهو ترميم غير تقني ولم يستخدم في ترميمها ما توصي به قوانين الآثار من استخدام المواد نفسها التي أقيم على أساسها البناء القديم، تلك التي استخدمت في البناء الأصلي، لنجد أن الترميم أدخل فيه مواد حديثة كالإسمنت.
هذه البيوت تحكي ماضياً عريقاً لمنطقة حولي بصفتها المنطقة المهمة قديماً، ولقد تناولها الشعراء في قصائدهم، كما كان لقاطنيها دور مهم في نهضة الكويت.
فهل تلتفت الإدارة الهندسية وإدارة المتاحف والآثار في المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب لهذه المباني وإعادة الاعتبار لها، وإعطائها الاهتمام الذي تستحقه، بدلاً من تركها مهملة، كسكن رخيص لعزاب، لا يعرفون قيمتها التاريخية.
بالإضافة إلى الإهمال الذي يشهد بعض أجزاء هذه البيوت، وهو إهمال يؤثر على الشكل الجمالي للمنطقة، بسبب الحوائط المهجورة، والمهدمة، والخراب الذي يتحدث عنه كل مكان فيها.
إنه ناقوس الخطر... ندقه من أجل الانتباه لهذه البيوت الأثرية، التي تتحدث عن تاريخ الكويت العريق، لتظل مزارات لكل راغب في أن يستذكر تاريخ الكويت.
ويجب التذكير بالمرسوم الأميري رقم 11 لسنة 1960 بقانون الآثار (11/ 1960) يقول في مادته الثانية: «تناط مهمة المحافظة على الآثار بالمجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، ويعود إلى هذا المجلس وحده مسؤولية تقدير الصفة الأثرية والتاريخية للأشياء والمواقع والمباني، والحكم بأهمية كل أثر وتقرير الآثار الواجب تسجيلها وصيانتها ودراستها والانتفاع بها».
كما يقول في مادته الرابعة: «تقسم الآثار إلى نوعين: آثار غير منقولة، وآثار منقولة. الآثار غير المنقولة هي الثابتة التي اكتسبت هذه الصفة بطبيعتها من خرائب المدن وأطلال المنشآت البائدة، والأبنية التاريخية المشيدة لغايات مختلفة. والآثار المنقولة هي المنفصلة عن الأرض مهما كانت فائدتها والغرض من صنعها ووجوه استعمالها».
وحينما نتأمل البيوت المذكورة في هذه المساحة سنجدها قريبة جداً من البيوت القديمة التي يوصي بالمحافظة عليها، من خلال حوائطها المبنية في معظمها بمواد مأخوذة من البيئة الكويتية القديمة، كما أن الشبابيك والأبواب هي نفسها، الني كانت تستخدم قديماً، إلا أن بعض قاطنيها من العزاب - بحكم سكنهم فيها، وعدم معرفتهم بقيمتها التاريخية - أجروا عليها تعديلات عديدة، وذلك بإضافة حوائط جديدة وتغيير شبابيك وأبواب عديدة، وتركيب أجهزة تكييف وخلافه.
والمطلوب من المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب زيارة هذه البيوت في حولي، والاهتمام بها من خلال دراسة تاريخها ومن ثم ترميمها، والقيام بالإجراءات التي تساهم في إحيائها وإعادة عبقها التاريخي.
ومن الملاحظ أن هذه البيوت ظلت لسنوات طويلة على حالها، ولم يتم فيها أي تغيير، رغم ما لحق بها - في معظم أجزائها - من هدم وتخريب، وهي تحتاج إلى رعاية خاصة من أجل المحافظة على تراث الكويت، الذي هو ملك للأجيال المتعاقبة.