تسعى نخبة من الشباب الكويتي إلى تأكيد حضورها على الساحة الثقافية بكتاباتها وإبداعاتها المتميزة
كيف يمكن للأدب العربي- وعلى وجه الخصوص الكويتي- أن يحتل مكانته التي انحصرت في مساحة ضيقة، ليس لها أي تأثير على واقعنا الراهن؟
وكيف يتمكن الأدب في الكويت من تحدي هذه الفوضى الإلكترونية، خصوصا وأن هناك استعدادا ملحوظا من قبل نخبة من الشباب الذين يسعون من أجل تأكيد حضورهم على الساحة الثقافية بكتابات متميزة، تستحق الإشادة، إلى جانب وجود مؤسسات رسمية وغير رسمية يمكنها تقديم الدعم الكافي لهم مثل المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، ورابطة الأدباء، التي تعمل جاهدة في سبيل الارتقاء بمستوى الأدب الكويتي من خلال الدورات التدريبة وورش العمل والملتقيات وغيرها.
ومن ثم سنعرج أولا على التراجع الملحوظ في مكانة الأدب الإنساني في عالمنا العربي، الذي يظن البعض أن مرده مواقع التواصل الاجتماعي، وما نتج عنها من فوضى ضربت كل أشكال الحياة، وهزت القناعات، وغيرت المفاهيم!
ففي ظني... أن ذلك ليس هو الحقيقة، ولم تكن قط هذه المواقع الإلكترونية سببا وجيها لهذا التراجع... الذي أثر على حياتنا تأثيرا ملحوظا وواضحا، من خلال السلوك الذي اتسم بالجحود والنكران، وعدم الاعتراف بالآخر، وتزايد موجات العنف اللفظي والجسدي، والفساد الذي تمدد في المشاعر، ليصبح واقعا لا يمكن الهروب من نتائجه المدمرة، والتباهي بمظاهر فانية، والسخرية من الضعفاء، والتنافس على الظهور بأي شكل كان.
فلن نحمل المواقع الإلكترونية أكثر مما تحتمل، لأنها- في حقيقة الأمر- بريئة من هذا التحول الذي لحق بمختلف عناصر الحياة، ولا بد أن نحمل- في المقام الأول- أنفسنا هذا التغيير الذي طال السلوك والثقافة والأخلاق بشكل سلبي، فلولا أن المجتمع لديه الاستعداد والميل والانجذاب إلى المفاهيم غير الإنسانية الحادة والجاحدة، لما كانت هذه الوسائل الإلكترونية قد أثرت في تربيته وتحريك مساراته، لأن الإنترنت بمواقعه المختلفة، يضم الغث والسمين، والاتجاه إلى أيهما يخضع للمزاج المجتمعي العام، ونتيجة لتحولات كبيرة طالت مجتمعاتنا العربية، خصوصا في نهاية القرن الماضي وبداية القرن الحالي، وما أفرزته من تشوهات أصابت الأدب والفنون وحتى التعاملات الاجتماعية، وأمراض في الأخلاق وتشتت في القناعات، واتهامات عالمية للإنسان العربي بأنه راع للإرهاب، وفشلنا الدفاع عن أنفسنا، أمام العالم.
كل ذلك جعل من مجتمعاتنا العربية مساحة شاسعة استطاعت الفوضى أن تقتحمها، ومن ثم البحث عن سقط المتاع، والمشاهير الفارغين في الشكل والمضمون، كي نتعقبهم، والانضمام إلى مواقع التواصل الاجتماعي، التي لا تقدم إلا التسلية، والتعارف، وتبادل الآراء غير المجدية.
في ما كان لنجاح بعض الثورات العربية في بداياتها الأولى... سببا وجيها لتحول الأنظار إلى مواقع التواصل الاجتماعي، من خلال طرفين، الأول يدين لهذه المواقع بالفضل في نجاح ثورته، ورغم الانكسار الذي حدث لهذه الثورة التي عاش نجاحها، إلا انه لا يزال يحدوه الأمل في أن يتكرر هذا النجاح، وهو لا يدري أن ذلك لن يحدث- على المدى القصير- لأن الطرف الثاني- المقابل- انتبه أيضا لخطورة هذه المواقع، وأصبح يرتادها بشكل مستمر، ويصد من خلالها أي موجة قد تهيج المشاعر مرة أخرى لثورة أخرى.
لذا فنحن أمام طرفين يتصارعان على فكرة ورؤية قد تحدث أو لا تحدث، مما أعطى لهذه المواقع قيمة متفردة في الوجدان العربي.
وهناك فئة قد رأت بأن هذه المواقع لها فضل كبير في التعبير عن الرأي مهما كان عمقه، فهو غير مكلف إلا أن يكتب أو ينطق أو يصور رأيه... ثم ينشره على من يشتركون معه في الصفحة أو الموقع، وسيتلقى الردود، في الوقت الذي لم يكن فيه ذلك متاحا عند النشر في وسائل إعلامية لديها مبادئها التي تحكم من خلالها على جودة المادة المستحقة للنشر.
إذا... علينا أن نواجه أنفسنا بالحقيقة، ولا نحمل الفضاء الإلكتروني المفتوح المسؤولية، فإن الرداءة، لم تكن تنتشر لولا أن هناك استعدادا لذلك، وهذا مرده ضعف المؤسسات الثقافية العربية، وتراجع دورها في التوعية والإرشاد، وتمركز دورها في التنظيم والإعداد للمهرجانات والفعاليات الثقافية، التي لاحظنا منذ سنوات طويلة أنها مكررة ولا يمكن لها أن تجابه لغة العصر، وتحارب الفساد وتتصارع مع التسطيح الذي أدى إلى انصراف الجمهور عن الأدب، اعتقادا منه أن الأدب منهج لا يريده، ولن يؤثر على حياته إن هدمه أو أغفله، فهو في اعتقاده ليس له أي قيمة في مستقبله، فهو أدب يحتوي كلاما يكتبه أدباء، ولا علاقة له بالتطوير.
هذا كل ما يحدث في مجتمعاتنا العربية، لا نستثني منها مجتمعا، ولكن كثافة هذه الأمور قد تختلف حدتها من مجتمع إلى آخر.
وفي الكويت سنجد أن هذه الحدة أقل وطأة من مجتمعات أخرى عربية، فهناك فورة شبابية استطاعت أن تخترق المجال بقوة الكلمة، وأن تؤسس مواقف أدبية متميزة، في محاولة جادة، لإظهار الشكل الجميل للأدب العربي، خصوصا في مجال الرواية ومن هؤلاء الشباب نذكر على سبيل المثال من الروائيين والشعراء سعود السنعوسي وبثينة العيسى، وسالم الرميضي، وعبد الله الفيلكاوي... الأسماء كثيرة وهي امتداد لأدباء كبار أثروا الساحة الثقافية العربية بالكثير من المنجزات أمثال الروائي اسماعيل فهد اسماعيل، والروائية ليلى العثمان والكاتبة ليلى محمد صالح والشاعر الدكتور خليفة الوقيان والناقد الأديب الدكتور سليمان الشطي والشاعر علي السبتي...وغيرهم من الأدباء الذين تحملوا مسؤولية الريادة في تطوير المنجز الثقافي والأدبي في الكويت.
ورغم ما تقوم به المؤسسات الرسمية والأهلية وجمعيات النفع العام من جهود في إثراء الساحة الثقافية بالفعاليات والأنشطة، إلا أن مسألة التحدي الذي يواجه الثقافة والأدب في الكويت لم توضع في الحساب، ولم تكن الهاجس الذي يؤرق المسؤولين عن تلك المؤسسات، ذلك الهاجس الذي مفاده نضوب معين الأدب وتفريغه من محتواه الجاد والراقي وملئه بما لا يليق بالأدب في توهجه الأخاذ، وعدم التحرك لوضع أطروحات وأفكار تساهم في إعادة الجمهور إلى الأدب مرة أخرى قراءة وحضورا.
ومن المسؤوليات التي يتعين على المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب تحملها- بصفته الراعي الرسمي للثقافة في الكويت- التقديم بمنجز حقيقي وفاعل، يمكن من خلاله إعادة الاعتبار للأدب الجاد، وذلك من خلال- على اقل تقدير- فتح المجال للشباب المبدع كي يسوّقوا أعمالهم، من خلال نشرها في سلسلة تعتني بكتاباتهم، وإنشاء إدارة تختص بالنشر الإلكتروني، وظيفتها وضع المقترحات التي تساهم في تطوير المنتج الأدبي، المنشور على الإنترنت وتفعيل دور الكتاب الإلكتروني على أوسع نطاق، والكثير من الأفكار، التي تحتاج إلى تكريس الأذهان وتحفيزها على الإبداع.
إن مسؤولية المؤسسات المعنية بالثقافي في الكويت كبيرة- سواء الرسمية أو غير الرسمية- وذلك من خلال تحدي فوضى النشر الإلكتروني، بتقديم البديل المقنع، وهذا البديل، يمثله الشباب الكويتي الذي يعمل في صمت ومن دون دعم يذكر، ورغم ذلك فقد نجح في مساعيه واستطاع أن يؤسس مكانته الأدبية المرموقة.