استنفارٌ صامت وحالة استثنائية من التأهّب غير المرئي بين إسرائيل و«حزب الله»
صواريخ الحزب استُبدل مداها الطويل بزيادة القوة التدميرية في الرأس الحربي
أميركا أعطت روسيا بلاد الشام ومن غير المستبعد تكرار نفس السيناريو في لبنان
يَظْهَر التوترُ والاستنفارُ الصامتُ بين إسرائيل و«حزب الله» على الحدود حيث تَجري استعداداتٌ محمومة تحت عيون حادة مراقِبة من الطرفين الأعداء. وهناك حالة استثنائية من التأهّب غير المرئي بالعين المجرّدة إذ تقوم إسرائيل بزيادة دورياتها العسكرية وعدد الضباط والجنود داخل المواقع الحدودية وتُكثّف وجود الآليات العسكرية وكذلك الطلعات لسلاح الجو المحارب والطيران الاستطلاعي (من دون طيار) لمعاودة تأكيد بنك الأهداف ومراقبة التغييرات والتطورات واستحداثات «حزب الله» الدفاعية المتجددة.
من جانبه، يقوم «حزب الله» برفْع الجهوزية وملء المواقع ودرْس نقاط الضعف لتغطيتها واستحداث قوات الوحدات الخاصة للتمرْكز فوق الأرض وتحتها في مواقع متعدّدة، ورفْع مستوى الاستنفار وجلْب الوحدات من سورية حيث خبِرتْ كل أنواع القتال، الى الحدود اللبنانية. وكل هذا يُعتبر إجراءات وقائية أمام التحضيرات والاحتمالات الاسرائيلية.
ولكن هل من الممكن أن تندلع حرب ثالثة بعد فشل حرب 2006؟ ولماذا ارتفع التوتر وبرزتْ الاستنفارات المتبادَلة اليوم؟
مضى 12 عاماً على الحرب اللبنانية الثانية التي انتهتْ في أغسطس 2006 (استمرت 33 يوماً) لتُسمَع طبول الحرب تُقْرَع من جديد اليوم. ومنذ ذلك التاريخ زاد «حزب الله» من قدرته العسكرية واستحدَث صواريخه من الوقود الصلب (لسرعة إطلاقها عند وجود الطيران في السماء) البعيدة المدى والدقيقة الإصابة التي تتناسب مع احتياجاته (استُبدلت المسافة الطويلة للصواريخ الاستراتيجية من 900 كيلومتر إلى 400 كيلومتر واستعيض عنها بزيادة القوة التدميرية في الرأس الحربي). وحصل «حزب الله» على صواريخ تضرب السفن الراسية والمتحرّكة والتي يمكنها إغلاق أي مرفأ في إسرائيل أو ضرْب أي منصة نفط عائمة في البحر الأبيض المتوسط. بالاضافة إلى ذلك هناك مؤشرات قوية إلى امتلاك «حزب الله» صواريخ مضادة للطائرات أو للصواريخ المُطلَقة من الطائرات. وقد تدرّب الحزب على العمل على إطلاق صواريخ في سورية وإيران في مناوراتٍ حية تحت قصفٍ وفي وجود طائرات «معادية» في السماء ليحاكي حرباً ثالثة مع إسرائيل ويتحضّر لها.
وخبرت قوات «حزب الله» الخاصة (الرضوان) كل فنون الحرب في سورية ابتداءً من قتال التكفيريين الايديولوجيين وصولاً إلى المسلحين المدرّبين على أيدي الاستخبارات الأميركية - البريطانية. كما شاركَ الحزب في حروب عصاباتٍ وحروبٍ في الصحارى وحروبٍ في المدن وشارك مع جيش كلاسيكي ليَستخدم الدبابات والمدفعية، وجيش من القوى العظمى (روسيا) على المحاور كافة، وانخرط في عشرات المعارك على كل الأراضي السورية وعلى مساحة تُعَدّ ثمانية عشرة مرة أكبر من كل مساحة لبنان. وقد أسس «حزب الله» قواعد لصواريخه الاستراتيجية على طول الحدود اللبنانية - السورية، داخل السلسلة الشرقية حيث يستطيع إطلاق الصواريخ القابعة داخل الجبال وفي صوامع تحت الأرض لا يطولها القصف الاسرائيلي وبعيداً عن المناطق السكنية اللبنانية.
بالاضافة الى ذلك، قال الامين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله إنه سينقل المعركة إلى داخل اسرائيل في أيّ حربٍ مقبلة. وكذلك وَعَدَ بضرب مفاعل ديمونا النووي وخزانات الأمونيا في حيفا وأيّ بقعة تطولها صواريخه وأي مركز عسكري تصل إليه أسلحة «حزب الله» الدقيقة التي تغطي كافة المساحة التي تتواجد عليها اسرائيل.
تبدو القائمة طويلة ومثيرة لما تستطيع أن تفعله مجموعةٌ منظّمة غير نظامية يعمل تحت لوائها عشرات الآلاف من الرجال والنساء، حتى قيل عنها إنها أصبحتْ من أقوى الجيوش في الشرق الأوسط. وقد أثبتت في سورية قدرتَها على القتال وحماية الحكومة السورية ومنْعها من السقوط، ولكن هل هذا يكفي لمنْع اسرائيل من مهاجمتها؟
تقول مصادر مطلعة لـ «الراي» إن «وجود دونالد ترامب في السلطة يُعتبر فرصةً فريدةً لاسرائيل، نظراً إلى استعداده لدعم تل أبيب في أي شيء تطلبه. وقد أرسل ترامب قوات الى إسرائيل لتعمل هناك، وهي جاهزة للموت من أجل إسرائيل، كما قال حرفياً اللواء ريتشارد كلارك. وبالتالي لم تضع أميركا أيّ حدود لِما تستطيع تقديمه أو التضحية من أجله لإنهاء ما يُطلق عليه ذراع إيران في لبنان».
لقد فشل مشروع «إسقاط وتغيير النظام في سورية» بعد سبع سنوات من الحرب، ولم يبقَ هناك إلا دولتان تحتلّان أجزاء من بلاد الشام: تركيا في الشمال الغربي وأميركا في الشمال الشرقي.
وبعد لقاء ترامب - بوتين في هلسنكي، أعطى الرئيس الأميركي سورية للرئيس الروسي ما دامت موسكو ضمنتْ حماية إسرائيل من الهجمات عبر الجولان المحتل.
واقعاً، تمّ تسليم الجنوب السوري إلى الحكومة السورية بعد مقاوَمةٍ قليلة (ما عدا مناطق احتلال «داعش» في القنيطرة). وأمرتْ أميركا بإغلاق غرفة عمليات «الموك» في الأردن وأوقفتْ تدريب التنظيمات المختلفة، بما فيها المتطرفة، ورفعتْ الغطاء عن الجميع ليَسقط الجنوب بيد الجيش السوري.
بالاضافة الى ذلك، بدأ الأكراد مفاوضات مع دمشق بطلبٍ أميركي على أن يقدّم الرئيس بشار الأسد مكاناً لهؤلاء في البرلمان والحكومة ويسير بمبدأ الحكم الذاتي.
كل هذه مؤشراتٌ على أن أميركا لن تبقى في سورية وأنها تبْحث عن مَخرج لها. لقد ضمنتْ روسيا أمن إسرائيل على الحدود، وإذا بقي رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي في منصبه لولاية ثانية فستكون القوات الأميركية في مكان أفضل في العراق. وتبقى عقدة «حزب الله»، الذي تَعتبره أميركا سلاح إيران - السيف المصلت على اسرائيل ويجب إنهاؤه.
وتقول المصادر ان «أميركا أعطت روسيا بلاد الشام، ولذلك فإنه من غير المستبعد تكرار نفس السيناريو في لبنان بعد معركة دموية ومدمّرة بين حزب الله واسرائيل».
وتضيف: «تريد روسيا إنهاء الحرب في سورية وهي تستعدّ لتحرير إدلب، وستقبل تركيا بالانسحاب بعد إيجاد صيغة للمسلّحين ما عدا(القاعدة)وحلفائها وحاملي عقيدتها. ويمكن لروسيا حماية الحدود مع تركيا لضمان منْع هجوم الأكراد على الأراضي والأهداف التركية. وهكذا، إذا طُبق الأمر في لبنان، يصبح الشرق الأوسط خالياً من النزاعات عبر الحدود».
وحسب المصادر نفسها «اليوم، لا يوجد في السلطة في لبنان مَن كان موجوداً في 2006، وبالتالي فإن الغطاء العربي للحكومة ومنْع إسرائيل من مهاجمة كل لبنان لم يعد موجوداً. وبالتالي فإن بعض الدول لا تمانع تلقين(حزب الله) ولبنان درساً قاسياً لهزيمة الحزب أو تدمير لبنان. وسيتم تمويل أي حرب اسرائيلية على ذراع إيران في لبنان، ولا سيما ان طهران تعيش اليوم ظروفاً اقتصادية قاسية ولن تستطيع إعادة الإعمار كما فعلت في 2006».
وتتابع: «من الطبيعي ألا تكون روسيا جزءاً من هذا المخطط، ولن تتناغم موسكو مع اسرائيل وأميركا لضرْب(حزب الله)، لكن اسرائيل تستطيع إيجاد أي ذريعة لبدء الحرب لجذب روسيا إلى طاولة المفاوضات وتسليمها الجنوب اللبناني وفرْض ابتعاد(حزب الله)عن جنوب الليطاني، وهذا حلم إسرائيل منذ زمن بعيد».
لقد قال الجنرال قاسم سليماني ان برلمان لبنان أصبح يضمّ 74 نائباً مؤيدين للمقاومة ومحورها بعد الانتخابات النيابية الأخيرة، وبالتالي من غير المتوقّع أن تقبل اسرائيل ولا دول المنطقة بهذه المعادلة من دون ردة فعل، إذ يَعتبر هؤلاء أن كل لبنان أصبح تحت جناح إيران.
ويبقى السؤال: هل بنيامين نتنياهو مستعدّ للحرب على الرغم من عدم جهوزية جبهته الداخلية، وقدرة «حزب الله» على ضرْب أيّ هدف داخل اسرائيل؟ وهل سيقبل بهذه المغامرة غير المضمونة النتائج والأهداف؟