الولاء للقبيلة أم للدولة

1 يناير 1970 09:06 ص

مما لاشك فيه أن العصبية المتجذرة في عقول كثير من الناس ممقوتة ومرفوضة عقلا وشرعا واخلاقا، فمن حيث العقل هي التزام بتفضيل الخاص بسلبياته على العام بايجابياته، ومن حيث الشرع فقد رفضها الله بقوله: «ياايها الناس انا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا»، ومدلول كلمة تعارفوا لتتعايشوا ويعين بعضكم بعضا، ومن حيث الاخلاق فالعصبية ضد فضيلة السماحة والكرم والمروءة فمن المروءة ان ترى للناس ما تراه لنفسك.
اذن فالعصبية ايا كانت لقبيلة أو طائفة او لأمة او لجماعة او لحزب هي صنم يجب كسره والتخلص منه وما أسهل كسر هذا الصنم ان صدقت النوايا وتوحدت الجهود فالولاء يجب أن يكون للارض التي نحيا عليها وللمجتمع الذي نعيش وسطه، وللنظام الذي تكفل بأهل الوطن من المهد إلى اللحد ونحن في الكويت لسنا بحاجة إلى عصبية التي نشأت اصلا من خوف الانسان من الضياع بسبب غياب المفاهيم الاخلاقية، التي جاءت بها الشرائع السماوية فنزع الناس الى إيجاد مرتكز يعتمدون عليه لحماية انفسهم.
وهكذا سار أهل العصبية من يومهم والى يومنا الحاضر- الذي نحاول جاهدين التخلص منها بكل السبل والوسائل - ونحن ولله الحمد في بلد يحكمه دستور يحمي الكل ويحقق مصالح الكل ويحافظ ويحفظ لكل مكون من مكونات المجتمع حقه بالحياة والعيش الكريم، قائم على العدل والمساوات وتكافؤ الفرص، والكل يتساوى أمامه في الحقوق والواجبات.
اذن نحن في الكويت لسنا بحاجة إلى عصبية ورثناها من عادات جاهلية سوداء أعمت قلوب أهلها الذين اعتنقوها وانحرفت بهم عن جادة الصواب، وقد حذر منها رسول الله بقوله: «دعوها فانها منتنه» يقصد عصبية الجاهلية واعرافها المذمومة، فسماحة الدين الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم ونبل الاخلاق جعل من صهيب  وبلال  اخا لابي بكر وعمر وعثمان وعلي وجعل سلمان الفارسي من آل بيت النبي، وسماحة الدين ونبل الاخلاق جعلا من رجل بدوي ينتصر لرجل اوروبي جاء الى نجد باحثا ومستكشفا.
فقد كان داوتي ضيفا لرجل من اهل إحدى القرى بالقصيم قرب عنيزة، فدخل عليهم رجل قال: من هذا النصراني، فقال المضيف النصراني هو انت هذا رجل اختارنا من بين خلق الله وحل ضيفا علينا وهو غريب، فالواجب اكرامه وحمايته، فإن كان في معتقده خير فهو خير له وان كان في معتقده شر فهو له، اما انت ايها الرجل فلا مرحبا ولا اهلا بك فطرده اكراما لضيفه.
وسماحة الاخلاق جسدها الامير فواز بن شعلان، حينما كان في الحادية عشرة من عمره، وكان في رحلة قنص مع الرحالة لويس موزيل فتسبب الاخير بجرح لنفسه وللامير فواز، فاعتذر من الامير انه لا يقصد ايذاءه فبادره الامير لاعليك انت ضيفنا وصاحبنا والان وقد اختلط دمي بدمك فاصبح لي الحق ان أخذ بثأرك ان اعتدى عليك احد وانت كذلك بحكم الصحبة والاخوة.
ان تكسير صخرة التعصب سهل جدا من خلال التعايش والاعتراف بحق الآخر بالوجود، فليعتقد كل منا ما يشاء وليحترم أحدنا الآخر، فالدستور كفل حرية الاعتقاد فمحاسن ومساوىء الانسان لنفسه قرب او بعد.
 ان الولاء للوطن عمل يجب أن تكرس له كل الجهود من خلال إيجاد آلية كفيلة بتفكيك المفاهيم الخاطئة، عن طريق غرس روح التعاون والتعايش، وايقاد شعلة الأمل في النفوس بمستقبل مشرق يحتوي الجميع ويحفظ الكل من التشتت والضياع.
ان سور الكويت الذي يجب أن يحافظ عليه الجميع ويعمل له الجميع هو هذا النظام الحضاري، الذي يستظل بظله الجميع، هذا الدستور الذي احتوت مواده على كل المبادئ الأخلاقية، التي وضعت لترفع من شأن المجتمع وتحميه من الفرقة والتشرذم وبه ومن خلاله تستمد الكويت قوتها وتلاحمها بعيدا عن الأخطار التي تعصف بكثير من البلدان.
حفظ الله الامير وولي عهده من كل سوء... حفظ الله الكويت واهلها من الشرور والفتن.

* عضو معهد المؤرخين البريطاني
وباحث في تراث الكويت والجزيرة العربية