ببساطة

شوربة عدس النهضة

1 يناير 1970 09:46 ص

يكاد لا يخلو حديث عن الماضي الجميل وذكرياته من ذكر «شوربة العدس» التي كانت تقدم للطلبة في المدارس الحكومية فترة الخمسينات والستينات والسبعينات من القرن الماضي، فوالدي أطال الله بعمره لا يزال يتذكر تلك الشوربة «المنعوتة» كلما دار الحديث عن الماضي وذكريات طفولته في جزيرة فيلكا، فتراه يتحدث عن مغامراته وشقاوته في المدرسة ثم يلتفت لوالدتي ليسألها: «تذكرين شوربة العدس مالت المدرسة؟».
 وعلى الرغم من فضولي الجارف لمعرفة سر تلك الشوربة الشهيرة، حيث لم يتسن لي تجربتها كوني من مواليد أوائل الثمانينات، إلا أن موضوع المقال بالتأكيد لن يكون عن سر لذة تلك الشوربة أو مقاديرها وطريقة اعدادها، فما شدني حقيقة هو التقدم الكبير الذي شهدته الكويت في تلك الحقبة وطريقة التفكير في ادارة البلد، فقد كانت رؤية المغفور له الشيخ عبدالله السالم الصباح ترتكز على خلق دولة الرفاه، وإبراز الدور الاجتماعي للدولة من خلال تمكين المواطنين من التمتع بموارد بلدهم، وقد شمل ذلك العديد من المجالات كالصحة والرعاية السكنية... الخ، لكنني سأستذكر قطاع التعليم الذي يعتبر من أهم القطاعات لتحقيق النهضة في أي بلد.
 لقد جاءت فكرة رعاية الدولة للطلبة للمرحوم عبدالعزيز حسين أثناء دراسته في العاصمة البريطانية لندن بداية الخمسينات، حيث كانت حكومة المملكة المتحدة تقدم الرعاية الاجتماعية لمواطنيها، وما أن تسلم منصب مدير دائرة المعارف منتصف الخمسينات حتى طبق تلك الفكرة، فكانت الدولة توافر للطلبة الملابس الصيفية والشتوية وحذاء المدرسة «اللندني»، إضافة للكراسات المدرسية، ناهيك عن تقديم وجبة الافطار الصحية حيث تتألف من البيض أو ساندوتش الجبنة مع الشاي بالحليب صيفاً أو شوربة العدس «المنعوتة» شتاءً، كذلك تقديم الرعاية الصحية للأطفال، بل قد وفرت الدولة حينها حلاّقاً خاصاً لكل مدرسة!
 تلك الحقبة التي أحب أن أطلق عليها حقبة النهضة، جاءت بسبب وجود رؤية واضحة بتحقيق بلد الرفاه... جاءت النهضة عندما تعاملت الدولة مع أبناء الشعب على أنهم مواطنون لا زبائن، وأنهم هم أساس تلك النهضة والشريان الرئيسي الذي يغذيها، فكانت دائرة المعارف أو وزارة التربية بتسميتها الحالية تهتم لتلك التفاصيل الصغيرة؛ كالوجبة الصحية للأطفال في المدرسة والاهتمام بحصص التربية البدنية، بينما نجد المدارس اليوم تتعاقد مع الشركات لتوفير الاطعمة الجاهزة والمغلفة والمشبعة بالسكريات لبيعها على الطلبة، في وقت تعتبر فيه الكويت ضمن قائمة الدول العشر الأكثر سمنة في العالم.
 تلك التفاصيل التي قد يراها البعض بسيطة كانت جزءاً من الرؤية لكويت الرفاه، رافقتها الارادة الشعبية من خلال اقرار الدستور بداية الستينات ليكون الشعب شريكاً في اتخاذ القرار وادارة الدولة، فكانت النهضة التي تجاوزت حدود الكويت لتصل لجيرانها، فما زال أهلنا في دول الخليج يتذكرون الكراسات المدرسية الكويتية حتى يومنا هذا، وما أن تبدلت تلك الرؤية من تحقيق الرفاه إلى رؤية تستهدف تعطيل الدستور وعرقلة ذلك التطور حتى بدأ الوضع بالانحدار شيئاً فشيئاً لنصل لمرحلة تصرح فيها حكومتنا بأن دولة الرفاه قد انتهت.
 في النهاية، لم تكن هذه المقالة لنتذكر الماضي الجميل ونتحسر عليه وعلى وضعنا الحالي، بل لنتذكر بأن النهضة مرتبطة دائماً بالشعوب، فلا نهضة ما لم يكن الانسان هو أساسها ومحورها، فإن كانت حكومتنا التي تروّج لمشروعها «الكويت الجديدة» جادة بتحقيق التنمية والنهوض بالكويت مرة أخرى لتلحق بركب التطور، فعليها أن تجعل الانسان محور تلك التنمية، فالاستثمار في البشر هو الحل من خلال تحسين نوعية حياة الانسان وضمان حقوقه وتطوير مهاراته وزيادة كفاءته، فالإنسان هو رأس المال الحقيقي.

dr.hamad.alansari@gmail.com
twitter: @h_alansari