حوار / السفير اللبناني... شغلته الكلمة فأبدع شعراً

ماهر الخير لـ«الراي»: أكتب لأتنفّس لأكون لأتجدّد ... لأمدِّد ظلّي وأرويه من أنفاسي فينطق ويعيش

1 يناير 1970 07:26 م

الشاعرُ هو سيّدُ الكلمة يعرفُ كيف يدير المسارات ومتى يُشهر سيفه القاطع ليفصل بين النور والعتمة

مسكون أنا بذكريات طفولتي في طرابلس القديمة... الدار العتيقة ووجه أمي أيّام الصّبا

زماننا اليوم هو زمن الإبهار بفضل ما سجّلته التكنولوجيا من نقلةٍ نوعية في عالمنا الحديث

الاستسهال في النشر شوّه إلى حدّ كبير وجه الشعر الجميل

وسائل التواصل الاجتماعي لعبت دوراً في العزوف عن قراءة الكتاب بشكل عام والشعر بشكل خاص

أمير الكويت قائد الخير والصلح والتصالح والصلاح... ويستحق عن جدارة جائزة نوبل للسلام

تلازمني صورة لبنان مجسّدةً بهذا الإنسان الفاتح الذي شقّ عُباب البحار مقداماً شجاعاً غير آبه بلججِ المجهول

الأسفار تمنحنا أجنحة نحلّق بها خلف الضفاف والبحار إلى الآفاق المشعّة بالأنوار

نعيش اليوم في زمن المرئي والمسموع الذي تفوّق على الكتاب وأخفتَ بريقه

بين العمل الديبلوماسي والإبداع الشعري... لا يقف السفير اللبناني لدى الكويت الشاعر ماهر الخير، حائرا، ولا تراه قلقا من سيطرة اتجاه على آخر، فليس لأحدهما القدرة على أخذه - من دون رجعة - إلى عالمه، بينما يظل الاتجاه الآخر نسيا منسيا.
فالخير... تمكن - في حالة قليلة الحدوث - من أن يسير في الاتجاهين- الديبلوماسي والشعري- سيرا حثيثا لا تباطؤ فيه أو تراخ، معطيا كل اتجاه حقه من الجهد والوقت والعمل، حتى وإن كان الاتجاهان معاكسين... فإن قدرته كبيرة في أن يمشيهما في وقت واحد- مما يمثل ذلك- في حقيقة الأمر- لغزا، يحتاج إلى فك طلاسمه، وهذه القدرة هي الجوهر الذي على أساسه حقق الخير حضوره وتميزه في «الديبلوماسية والشعر» معا.
وكلما تعمقنا في قراءة إبداعات الخير، سنجد أن قربنا من الخيال قد أوشك على الالتصاق، وأن الحلم في طريقه إلى السطوع، فالمعاني موغلة في توهجها، والصور الشعرية مزدانة بالتنقل الضمني بين فكرة وأخرى، كأنه العازف الخبير بأسرار الكلمات، ومنابع الإلهام.
وفي هذه الحوار الذي أجرته معه «الراي» سنهمل اتجاه الديبلوماسية، وسنركز على اتجاه الشعر، الذي نرى فيه قيمة واضحة، أضاف إليها الخير الكثر من حضوره الإبداعي، ومزاجه الذي يميل كل الميل، إلى الإنسان في مختلف وحالاته.
إذاً الشعر... هو الاتجاه الذي سنسير فيه مع الخير- خلال هذا الحوار- كي يتكشف لنا الوجه الآخر لشاعرنا، المزدان بالحلم والخيال، المتواصل مع الحياة بأكبر قدر من النقاء واللطف.
إنه الخير... شاعر الحب والحياة، والمبدع الذي تؤرقه الكلمة، ويدفعه الخيال إلى التفكر في أبعد مما ترى أعيننا، إنه يكتب للبعيد، ويبحث في ملامح الناس عن ملامح يريدها أن تكون مساحته البيضاء التي يستطيع من خلالها أن يحلم بالطمأنية والهدوء.
فهناك دواوين كثير أنتجها خيال الخير الخصب، ومشاركات عربية وعالمية في الشعر تفرد فيها بالإبداع... ومشارع أنجزها على أرض الواقع وأخرى تنتظر.
كي نقرأ بحالة انتشاء ديوانه «ماذا أفعل بأجنحتي الان» الصادر عن دار الفارابي في بيروت، ثم نتحاور مع الحلم في ديوانه «رقصة أخيرة فوق بحيرة، كانبيرا» الصادر عن دار ميريت في القاهرة... و«عصافير كوبري النيل» الصادر عن دار ميريت القاهرة، وديوان «شمس لقميص أزرق» الصادر عن دار الجيل.
ثم تأتي أفلامه القصيرة من خلال عملين هما «صوت الشعر»- إنتاج خاص- والذي اختير من بين 200 فيلم في مهرجان كانبيرا للأفلام القصيرة عام 2009، و«قنصل الشعراء» إنتاج جبالي ميوزك، وهو يتحدث عن رحلتك الشعرية، وأنتج في القاهرة عام 2008.... ومختارات شعرية مترجمة إلى الإنكليزية، وأمسيات شعرية قدمها في عروض مبتكرة على مسارح تولوز، وباريس، وسيدني، وكانبيرا، ودار الأوبرا المصرية وغيرها... وجوائز عدة نالها... وحزمة من القصائد المصورة «الزمن المجنون»، و«بكاء الثلج» الحاصلة على جائزة خاصة من مهرجان الفيديو كليب الدولي 2006، و«رسائل سرية من بيروت»، و«ستمزق العصافير صدر السماء» الحائزة جائزة أوسكار مهرجان الفيديو كليب الدولي 2004... وعلى مسرح «الأوبرا هاوس» في سيدني قدم عرضاً شعرياً مسرحياً جديداً في نوعه، بعنوان «نقوش حب عربية».
إنها حصيلة من الإبداعات الشعرية التي تتحاور مع الشعر كتابة ومشاركة وتصويرا، تلك الحصيلة تؤكد أن الخير مفتون بالكلمة، ورغم بريق العمل الديبلوماسي، إلا أنه ظل مخلصا للكلمة، محافظا على توهجها، وحضورها في نفسه الشاعرة.
ومن ثم، فقد كشف الخير لنا الكثير من الرؤى تلك التي تتعلق بشعره، خلال هذا الحوار الذي نورد إليكم نصه:

• كيف كانت رحلتك مع الكلمة... ولماذا استقر مزاجك الإبداعي عند مدينة الشعر بوجه خاص؟
- هي رحلةٌ وترحالٌ لا يتوقف... هي توقٌ عارم لاجتياح أعماقِ الذات والحياة.
وهي صوتٌ خفيٌ يتملّكنا رويداً ليقودنا إلى مساحاتٍ مجهولة محفوفة بالاكتشافات.
إنها الكلمة، وما أصغرنا في حضرتها، وما أعظمنا حين تكشف لنا عن وجهها، وما أعظم الكون والأشياء...
الكلمة «ندّاهة» همست إليّ وتبعتها... من دون أن أدري إلى أين، ومتى ينتهي الدرب؟ لكني سعيد بالمضي معها، والمشوار جميل. فبكل خطوةٍ تتكشف أسرارٌ، تتفتّح كنوز، تنجلي صورٌ وحقائق، ويفيضُ فيّ النور... فأدوِّر أقماراً وشموساً على شواطئ الروح، ومن حِبر البحار أخطّ على الرمال تراتيل الأصداء البعيدة، وأضيف الأزرق المخضّر على أشرعة البّحارة والصيّادين والمسافرين، ويداً تعارك اليمّ، وعاشقاً يسرقُ الشمس، وفي الفضاء، عصفوران يرسمان حكاية حُب وعلامة استفهامٍ وتعجب... هكذا تتشكل اللوحة من دون أن تكتمل... إنها لوحةُ الشعر.
• فرنسا... البلد الذي درست فيه، ثم مثّلت فيه- ديبلوماسيا- بلدك لبنان، كيف كنت تراه في كلتا الحالتين؟
- فرنسا بلد الاستكشافات وإثارة كنه القلبِ والعقل. لقد عشت فيها خلال يفاعة الشباب حيث كانت الحواس في طور النضوج، فتأخذك المناظر والأضواء، تدهشك المتاحف بلوحاتها وتماثيلها وألوانها، وترعشك الشوارع والأزقة بأناقتها ونوافيرها... واللحن الفرنسي العاشق يسبغُ أجواءك بالرومانسية منتشياً بالوجد.... وقراءتك للكتاب والشعراء الفرنسيين من جان جاك روسو، وراسين، ولامارتين، وجان بول سارتر، ومارغريت دوراس، ورامبو، وفيرلين، وجاك بروفير...تؤجّج في داخلك نزق التمرّد على الذات وعلى الآخر، ما يمنحك توقاً للانعتاق والتحليق في فضاءات الحرية الواسعة... إنها فترة البدايات- زمن الدهشة.
ولكن مع الوقت، تتشبَّع الحواس، أو تفقد عذريتها، فتبدأ تسافر في أغوار المعاني والصور لتعود إلى جذورك وترابك... ورحلة الصراع بين القلب والعقل تتوقف، وتهجع في آخر المطاف إلى ذاتك وتتصالح معها.
انطوت هذه المرحلة الدراسية في فرنسا، لتبدأ بعدها مرحلة عملي فيها كديبلوماسي، فكانت انطلاقة من الرسوخ والثبات ما تشبه الزنبقة المنبثقة من الأرضِ إلى ألق الشمسِ التي تشدو باسم بلادي.
•... ولك أيضا أسفارك العديدة في مختلف الدول العربية والأجنبية... ما الذي أضافته تلك الأسفار إلى تجاربك الشعرية؟
- الأسفار تمنحنا أجنحة نحلّق بها خلف الضفاف والبحار إلى الآفاق المشعّة بالأنوار. والأطيارُ لا تزهو بريشها ولا يحلو تغريدها إلا حين تزفُّ في السّماء صوب البعيد... ولا بَنت شعوبٌ أمجادها إلا من خلال عبورها الضفة الأخرى من البحر.
 إن تمازجك بالآخر يضاعف من حلول حضورك ويقوّي دقة خطواتك ويكثف ظلالك على الأرض.
إن التفاعل مع الإنسان والمكان هو مدخلٌ للفتوحات المجيدة، ومع تعدّد الوجوه والأفكار والأمكنة يشعّ المشهد إبداعاً وتنويراً. وإن لأجمل الحضارات هي التي تشكلت من فسيفساء ثقافات مختلفة، كالحضارة الأندلسية.
إن اسفارنا العديدة وتنقلاتنا من مدينة إلى مدينة تحوّلنا لفراشاتٍ ترحق الورد والزنبق وتلثم الضوء، وتجعلنا كاليمّ الذي يعجّ بالمداراتِ والتيارات ليتمخّض عنه اللآلئ والزغب والزّبد.
والشاعر هو مراقب ومحلّل ومصوِّر، يلتقط كل ما يدور في فلكه من إيقاعات وذبذبات ومشاهد وإيحاءات... يطبعها أو يعيد تركيبها على إيقاع نغمه الداخلي، في «كولّاج» شعري، ألا وهو القصيدة.
• بالمناسبة هل للمكان دور في توهج أو خفوت التجربة الشعرية... بمعنى هل تتأثر رؤيتك الشعرية بالمكان الذي تقيم فيه؟
- كما نحن نترك بصمتنا أينما حللنا، سواء من خلال لمستنا، أو من خلال هالتنا، كذلك الأمكنة، فإنها تبصمنا ببصمتها. وهناك البصمة التي تخرجنا من أجسادنا وتشعل فينا نيران الرؤى... وهناك البصمة الباردة التي تخمدها.
• من خلال التجارب العديدة التي رصدها النقاد، نجد أن موطن الطفولة هو المكان الأكثر حضورا في قصائد الشعراء... وأنت نشأت في بلد يتمتع بجمال الطبيعة- طرابلس اللبنانية- هل لك أن تحدثنا عن هذه الذكريات التي تختزنها ذاكرتك وتبوح بها قصائدك؟
- الشاعر هو ابن بيئته، كما كلّ كائنٍ على وجه الأرض، لذلك نرى اختلافاً في ألوان الطيور والنباتات والوجوه وحتى في لون الماء والسّماء، فالكلًّ يتفاعل بمحيطه المتعلق بمصدره الأول أو مخزونه الأول، وبالنسبة لنا، فإن الطفولة هي الركيزة الأساسية في تكويننا وحياتنا، كما حين نمشي الدرب، لا بد لنا من التلفت إلى الوراء لنحسب المسافة، وكلما ابتعدنا، تملّكنا الحنين إلى النقطة الأولى.
فمن هنا، مسكون أنا بذكريات طفولتي في طرابلس القديمة: الدار العتيقة، وجه أمي أيّام الصّبا، شجرة النرنج، العريشة، حوض الأزهار في صحنِ الدار ورائحة الحبَق... تندلقُ الصورُ من ذاكرتي شفافةً متلألئة مثل شاي ذهبيَ من إبريقنا نيليّ اللون، أيام زمان: فها أنا عائد من مدرستي، أهبط السلالم الطويلة المحفوفة بالخضرة والأزهار، أرمي شنطتي من على ظهري، وأطيّر الزيز الأخضر اللماع.
وها أمّي تمسك بيدي الصغيرة، نمشي في الأسواق العتيقة: سوق العطارين وسوق البازركان وسوق الذهب... وإذا ما أفلتت يدي تكمّشت بمعطفها الأسود الطويل وتغلغلت بها...
كم كنتُ أحلمُ بالشّمس
أحبسُها في جيبِ سروالي
أقتنصُ النجمة
أعلّقُها على صدرِ مريولي
وأستحمُّ بالسّحاب...
كلّما أمطرت
كم كنتُ أفرحُ ببريكةِ ماء
أرى فيها صورةَ السّماء
أتهادى عليها
وإن أثلجتْ رئتاي
أحلامي الصغيرة لم تمتْ
ولا الطفلُ مات...
• نأتي إلى إصدارات الشعرية- التي يبدو من عناوينها المنتقاة بحرص، ومحتواها الذي ينتصر للإنسان في كل حالاته- أنك مفتون بجمال الكلمة... والسؤال: ما الذي يدفعك إلى الكتابة، ويحرّضك على التعاطي مع الشعر؟
- إني أكتب لأتنفّس، أكتب لأكون، لأتجدّد، لأمدِّد ظلّي وأرويه من أنفاسي، فينطق ويعيش... إني أكتب لأكون حرّاً، فنحن لا نكونُ أحراراً إلا بالكتابة أو بالموت.
• وفي ما يخص قصائدك المصورة «الزمن المجنون»، و«بكاء الثلج» الحاصلة على جائزة خاصة من مهرجان الفيديو كليب الدولي 2006، و«رسائل سرية من بيروت»، «ستمزق العصافير صدر السماء» الحائزة على جائزة أوسكار مهرجان الفيديو كليب الدولي 2004... ما الذي دفعك إلى أن تنقل الكلمة إلى صورة مرئية ومسموعة؟
- إن تصويري لقصائدي سمعياً مرئياً هي محاولة لتجسيد القصيدة وضخّ فيها الروح. أردتها أن تتحرّك وتحرّك فينا كل حواسّنا وخوالجنا... أردتها مقتحمة لا أن تظلّ معلّبة في ديوانها الورقي... أردتها أن تتألق وتلمع تحت الضوء فتختزنها ذاكرة الحواس، لا سيّما أننا نعيش اليوم في زمن المرئي والمسموع الذي تفوّق على الكتاب واخفتَ بريقه.
والشاعرلا يمكنه إلا أن يكون طليعياً، فكيف له أن يقف على الحياد، وكيف له أن يكون خارج دورة الزمن والأحداث، في حين أنه هو من يستوجب عليه أن يحمل شعلة النهضة والإبداع ؟
• قدمت عملا متميزا عبارة عن قصيدة من الفيلم الوثائقي «أمير الإنسانية». من كلماتك وإلقائك... تعد هدية شعرية منك إلى الكويت... هل لك أن تحدثنا عن هذه التجربة الثرية؟
إن الفيلم القصير«أمير الإنسانية» هو وليد لحظة نفسية، عبَّرت فيها بكل تلقائية وعفوية وصدقٍ عن محبتي للكويت، بلد الإنسان والعطايا والإشراق والكرم، متفاعلاً بكل جوارحي مع كل ما قدّمه ويقدمه سمو الأمير الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح من أعمال تستحقّ الشكر والثناء، فهو قائد الخير والصلح والتصالح والصلاح، ويستحق عن جدارة جائزة نوبل للسلام، وبدرجة امتياز.
• ... كما قدمت على مسرح «الأوبرا هاوس» في سيدني عرضاً شعرياً مسرحياً جديداً في نوعه، بعنوان «نقوش حب عربية»... حدثنا عن الأسباب التي دعت لإقامة هذا العرض في سيدني وعلى مسرح «الأوبرا هاوس» تحديدا؟
- لقد ولّى زمن سوق عكاظ، وانتهى زمن المنابر، فزماننا اليوم هو زمن الإبهار في ظل ما سجّلته التكنولوجيا من نقلةٍ نوعية في عالمنا الحديث، وإنني كشاعر من أنصار الحداثة، فإنني أتطلع دائما إلى كل ما هو جديد يخدم القصيدة، ومن هنا يأتي تقديم أمسياتي الشعرية في قالب ( Avant Guard) مبتكر، مستخدماً الضوء والموسيقى والصورة والقوريوغرافيا...أمّا العرض الشعري المسرحي (Arabesque of Love)
الذي قدمته على خشبة (الأوبرا هاوس) في سيدني، فكان موضوعه قتل الإنسان لأخيه الإنسان حيث تمَ إسقاط المشهد التاريخي لقتل قابيل لأخيه هابيل في السكريبت المسرحي وتم تسليط الضوء على ما يشهده العالم من قتل وويلات وخراب... ليختتم العرض بدعوة إلى التسامح والحب.
هذا العرض كان بمثابة رسالة إلى العالم، كون هذا المسرح هو مسرح عالمي، بأننا أبناء متحدّرون من بلاد يشهد لها التاريخ بثقافة التنوع والانفتاح ومحبة الآخر والتسامح...
• كيف ترى الشعر... هل حقا تقلصت مساحته لصالح أغراض أدبية أخرى مثل الرواية؟
- إن الاستسهال في النشر شوّه إلى حدّ كبير وجه الشعر الجميل، إذ لا تتردد دور النشر عن طباعة أعمال شعرية رديئة، وأحياناً لا تمتُّ إلى الشعر بصلة، أوهي أقرب إلى الخربشات، عن طباعتها ونشرها مقابل مبالغ مالية، وهذا ما أساء إلى الشعر والشعراء وإلى القارئ الذي بعد مطالعته لهكذا منشورات أصبح لديه حالة من التكزز والنفور.
فضلاً عن ذلك، فإن وسائل التواصل الاجتماعي لعبت دوراً في العزوف عن قراءة الكتاب بشكل عام، والشعر بشكل خاص، وذلك نظراً للكمّ الهائل من الناس التي تنشر على صفحاتها ما تعيشه من لواعج الفؤاد، مطلقين على كتاباتهم «شعر» وعلى أنفسهم «شعراء» فأصبح لدى المتصفّح تخمة شعرية تمنعه من شراء وقراءة الدواوين الشعرية الحقّة. وهذا لا ينطبق على الرواية، لكونها طويلة، ويصعب على أي متطفّل كتابتها، كما يصعب على المتصفّح قراءتها، ما جعل الرواية محميّة إلى حدٍّ ما، في عالم الكتابة.
كما يذكر أن الإنسان اليوم، أصبح يعيش منفرداً، أو منفصلاً عن التواصل والتفاعل الاجتماعي والإنساني، فهو غالباً ما يعيش في عالمٍ افتراضي، ومن هنا، يجد في الرواية ما يعوّضه عن هذا الفراغ و النقص.
• هل هناك توافق وتصالح بين مزاجك الشعري الذي يميل إلى الحرية في البوح... وبين عملك الديبلوماسي الصارم؟
- إني أستمدّ قوتي وعزيمتي من كلمتي. للكلمة سلطةٌ تتحكّم بمجريات الظروف والأمور.
والشاعرُ هو سيّدُ الكلمة، وهو الآمرُ الناهي، يعرفُ كيف يدير المسارات، ومتى يُشهر سيفه القاطع ليفصل بين الداخل والخارج، وبين النور والعتمة، وبين السريالية والواقعية، وبين المزاجية والمهنية... الشاعر هو من يدلّك الصخر فيلين، وهو القادر على ترويض الضاري ليصبح الحمل الوديع، وهو القادر إذا ما أراد، على خلق فسحة خضراء سريّة واسعة،، يصهل فيها متى شاء وعلى هواه...
• ونزيد على السؤال: ما الذي يأخذ جل وقتك... الشعر أم الديبلوماسية؟
لا يخرج الشاعر من شعره، بل يوظّفه في المكان الذي يريده. واني أرى تكاملاً بين الشاعر والديبلوماسي، هذا إذا لم أقل أن الاول يخدم الثاني، باعتبار الأول أي الشاعر هو بالفطرة محلّل للصور التي يلتقطها والأحداث التي يشهدها، وبدقة متناهية. وهو غالباً ما يلجُ في الظاهر ليستنبط الباطن والمستور، ويتغلغل في المكشوف المعلن ليدركَ المستترالمكتوم..
• هل لديك طقوسا محددة في الكتابة الشعرية؟
- حين تصبح الكتابة ممارسة يوميّة، أظن أنه لا بدّ لها من طقوسٍ خاصّة، وأجملها في ساعات الليل، حيث تتأجّج عينا الشاعر مثل عينيّ نسرٍ يعتلي الأعالي، أو مثل عينيّ بومةٍ بيضاء مهيبة، فيبصر ما لا يبصره الآخرون، ويحدّق ويتبصّر.
• على أي شكل وصورة ترى لبنان... من خلال رؤيتك كشاعر؟
• تلازمني صورة لبنان مجسّدةً بهذا الإنسان الفاتح الذي شقّ عباب البحار، مقداماً شجاعاً غير آبهاً بلججِ المجهول، حاملاً ألواح الأبجدية وأوشحة الأرجوان، فقصَّر المسافات ووصل الشعوب ببعضها وزاد الإنسانية دفئاً واهتلالاً، ولوّن العالم بإشعاع الإبداع والبهجة.
• وكيف ترى الحركة الثقافية والأدبية الكويتية؟
- إن الكويت درّة على شواطئ الخليج، منارة الثقافة والحضارة، وهي اليوم ترسِّخ دورها الريادي، لا سيّما بعد افتتاح مركز الشيخ جابر الثقافي، هذا الصرح الرائع والتحفة الفنيّة المميّزة - النافذة المطلة على العالم أجمع، فضلاً عن افتتاح مركز عبدالله السالم الثقافي والمبهر بدوره، بمتاحفه وتكنولوجياته الحديثة... كما إن المجلس الوطني للفنون والآداب والثقافة يلعب دوراً فعالا في تنشيط وتعزيز الحركة الثقافية والأدبية في الكويت، إذ لا يمر أسبوع من دون أن نشهد مهرجاناً أو ندوة، وفي مختلف الميادين من مسرح وفن تشكيلي وموسيقى... فسلامٌ للكويت، وأهل الكويت.

النَّارُ تدبُّ في ثيابِنا

أجاب الخير عن سؤال مفاده: ما الذي تود قوله لشعراء العالم... في ظل ما نشهده من دمار ينخر في جسد الأرض؟» بقصيدة قال فيها:
مهلاً
النَّارُ تدبُّ في ثيابِنا
ما أصعبَ أن نكونَ عُراةً
وهم يتفرَّجون...
في أفواهنا جفَّ اللُّعاب
حتى اللُّهاب
والذبابُ دكَّ وجوهَنا...
يرشقوننا بماءِ الفضَّة
وهم يسكرون.

ويحاً
إلامَ العالمً يبحرُ في الدّم
السِّكينُ أكبرُ من اليد
والقُبلةُ أكبرُ من الخدّ
والضحكةُ أوسَعُ من المقابر