• مساران حكوميان... الأول يركز على إنعاش الوضع والثاني هاجسه إقرار «الدين العام»
• النواب سيرفضون قرارات تمس جيب المواطن إن لم يتلمّسوا جدية الحكومة في الترشيد
أيام قليلة تفصل مجلس الأمة عن «النقاش السري» للحالة المالية للدولة، بعد إقرار الميزانية العامة تمهيداً لفض دور الانعقاد الحالي.
وإذا كان الاجتماع الأخير للجنة المشتركة بين اعضاء اللجان المالية والتشريعية والميزانيات البرلمانية بحضور النائب الأول لرئيس الوزراء وزير الدفاع الشيخ ناصر صباح الأحمد ووزير المالية الدكتور نايف الحجرف ومحافظ البنك المركزي الدكتور محمد الهاشل، كشف عن بعض التفاصيل المتصلة بالدين العام، فإن فيه مزيداً من التفاصيل التي سترسم ملامح النقاش السري المرتقب.
وفيما أكدت مصادر نيابية حضرت الاجتماع لـ«الراي» عدم يقينها بوضوح الرؤية الحكومية بشكل عام لما تريده في برنامجها الوطني للاستدامة الاقتصادية، كشفت عن وجود مسارين حكوميين، أو عدم تجانس الفريق الحكومي، إن صح التعبير، حول ما يراد في الشأن الاقتصادي ووثيقة الاصلاح، والتي تغير مسماها لاحقاً إلى البرنامج الوطني للاستدامة الاقتصادية.
وإذ أوجبت المصادر ضرورة مراعاة أمور عدة، على رأسها توجيه الانفاق إلى وجهته الصحيحة والحد من الهدر المالي وعدم المساس بشؤون المواطن المعيشية، شدد النائب الدكتور جمعان الحربش على وضع آلية مناسبة لصفقات التسليح «تحول دون ما نسمعه بين حين وآخر عن وجود وسطاء».
وأوضحت المصادر ان «الفريق الحكومي لم يعكس بشكل واضح وجلي الخطوات المراد تحقيقها في الشأن الاقتصادي، بل على العكس من ذلك وجدنا حماساً لدى النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء لاصلاح الوضع الاقتصادي والحديث عن الانفاق الرأسمالي والتنموي بمشاريع مستقبلية، وتعظيم الايرادات، وفي الجهة الأخرى وجدنا أن تركيز وزارة المالية انصب على معالجة العجز وضرورة اقرار قانون الدين العام لسد هذا العجز المتوقع استمراره، حتى وان استقر سعر برميل النفط عند الـ60 دولاراً، وتقنين الدعوم وإيصالها لمستحقيها لتخفيف أعباء الميزانية».
وبيّنت المصادر أنه على الرغم من أن «الاجتماع لم يكن رسمياً، وإنما ببادرة من الحكومة تُشكر عليها، إلا انه حري بالفريق الحكومي أن يأخذ في الاعتبار ما أثير فيه خلال الاجتماعات المقبلة، لا سيما وان جزءاً مما طرح في الاجتماع سيكون حاضراً عند مناقشة الحالة المالية للدولة، أو حتى عند تناول أي من التشريعات المرتبطة بالاصلاح المالي والاقتصادي، خاصة وان ما استعرض خلال الاجتماع زاد المشهد الاقتصادي ضبابية وذهب بخلاف ما كان يصبو إليه الفريق الحكومي».
ولفتت المصادر إلى ان هذا الاجتماع والذي شهد نقداً حاداً من قبل النائبة صفاء الهاشم لفريق وزارة المالية وتركيزه على الانفاق التشغيلي، استحضر في معرض الحديث عن تفويض الحكومة برفع سقف الدين العام، تجربة المجلس السابق في تفويض وزارة الدفاع بالسحب من الاحتياطي العام لصفقات التسليح، والتي تطرق لها النائب جمعان الحربش أثناء مشاركته في جزء من الاجتماع، وتحدث عن عدم وجود آلية واضحة لهذه الصفقات والحديث المتداول عن وجود وسطاء فيها.
وانتهت المصادر إلى انه قد تكون واقعية الاشارة الى أن من السابق لأوانه الحكم على مصير، ليس فقط قانون مشروع الدين العام، وانما البرنامج الوطني للاصلاح الاقتصادي «استدامة» برمته من خلال اجتماع واحد، «لكن لا شك في ان هذا الاجتماع لم يصل بالنواب الحضور إلى اليقين بجدية الحكومة ووضوح وتجانس الرؤية لديها لما تريده في شأن برنامجها الوطني للاصلاح الاقتصادي»، مؤكدة أن بعض النقاشات التي طرحت خلال الاجتماع ستكون حاضرة خلال مناقشات الحالة المالية للدولة قبل نهاية دور الانعقاد «ويمكن للحكومة الاستفادة من كافة الاطروحات النيابية بهذا الشأن، للدخول للدور المقبل برؤية اكثر وضوحاً في شأن الاصلاح الاقتصادي ومعالجة اختلالاته».
وعلى صعيد متصل، دعا النائب الحربش الحكومة إلى توحيد رؤيتها وإيضاحها في شأن الإصلاح المالي والاقتصادي، لاقناع المجلس بجدوى هذه الرؤية وآليات تنفيذ محاورها، لافتاً انتباهها إلى ضرورة ان تتضمن هذه الرؤية تحديد الأولويات في المشاريع التنموية ومردودها على الاقتصاد الوطني وتكلفتها، «ووضع آليات محددة لصفقات التسليح العسكرية، خاصة وأنها تتم دون آليات محددة وبشكل غير واضح، وترشيد الادارة الحكومية القائمة على تنفيذ هذه الرؤية، بتقديمها النموذج الصحيح لتوجهات الدولة بترشيد النفقات».
وقال الحربش في تصريح لـ«الراي» إن على الادارة الحكومية أن تعي حقيقة ما تريد من خطوات الاصلاح الاقتصادي ومردودها على الميزانية العامة للدولة، وعرض هذه الخطوات بشكل أكثر وضوحا وبعيداً عن الضبابية قبل طرحها لمضامين هذه الرؤية ومشاريعها التشريعية.
وشدد الحربش على أن مناقشة الحالة المالية للدولة تحتاج لعرض أكثر وضوحاً من قبل الحكومة عند المناقشة في جلسة مجلس الأمة المخصصة لذلك بعد اجازة عيد الفطر المبارك، لافتاً إلى ان «أي تصور حكومي اقتصادي لن يجد صداه لدى السلطة التشريعية ما لم يتسم بوضوح الاهداف والمضامين والآليات».
ولفت الحربش إلى ان «هناك ثلاث نقاط أساسية يجب ان تعيها الحكومة وتضعها في الاعتبار عند طرحها لرؤيتها للاصلاح المالي، وتتمثل في تحديد التوقيت المناسب للمشاريع المقامة، وعائدها على المجتمع والاقتصاد الوطني وتكلفتها المالية، ومنها على سبيل المثال توقيت إنجاز مشروع جسر جابر في الوقت الراهن وجدوى تنفيذه بهذا التوقيت.
وشدد الحربش على ضرورة وضع آلية مناسبة لصفقات التسليح، «خاصة وأنها تعقد بطريقة وآلية غير محددة وغير واضحة»، مشدداً على ضرورة أن تبرم هذه الصفقات بناءً على توصيات من اللجان العسكرية العالمة باحتياجات المؤسسات العسكرية، ومن ثم رفعها للمجلس الأعلى للدفاع وليس العكس،لافتاً إلى أن «هذه الآلية ستحول دون ما نسمعه بين حين وآخر عن وجود وسطاء في صفقات التسليح».
وأكد الحربش أن «هذه الرؤية تحتاج ايضاً إلى إدارة تتسم بتقديم القدوة في أعمالها، من خلال ترشيد الادارة وتوجيه الانفاق إلى مكانه الصحيح، والحد من الهدر المالي»، مشدداً على أن «المجلس والمواطن لن يقتنعا بإصلاح اقتصادي ولن يقبلا بقرارات اقتصادية تمس شؤون المواطن المعيشية دون ان يجدا أن هناك حاجة حقيقية لهذه القرارات، وحكومة جادة في الترشيد ابتداءً بنفسها».