صاحب الكرة وجبران باسيل

1 يناير 1970 04:16 م

الأكثرية المطلقة من الأولاد والمراهقين يعرفون شخصية «صاحب الطابة» (الكرة) أو الولد الذي يحضر الى أرض الملعب وبحوزته طابة من دونها لن يتمكن أولاد الحي من ممارسة هوايتهم المفضلة.
في المجمل، لا يكون هذا الولد من أمهر اللاعبين، بل على العكس هو فاقد للمواصفات المطلوبة يختاره قائدا الفريقين بسبب قدرات والده المادية التي منحته ملكية مجموعة من الكرات وقمصان النجوم باهظة الثمن ليفرض نفسه على رفاقه المساكين. الأهم، أن الكرة تقدم لمالكها القدرة على سن القوانين الجديدة ومخالفة العديد من الأعراف والقوانين التي يتغاضى عنها الآخرون مكرهين طمعا بالكرة واستمرار اللعب.
«صاحب الطابة» عادة ما يكون «سنكوح» أو صاحب بنية هزيلة، يعوضه عنها امتلاكه العديد من الألعاب التي تجعل من منزله مقصداً لرفاقه الذين يظهرون له المحبة في العلن، ويكنون له الكره في السر على اعتبار أنه ولد «ثقيل» أو مزعج.
متابعتي للانتخابات النيابية اللبنانية الماضية والمسار الحالي لتشكيل الحكومة أعادت إلى الذاكرة «صاحب الطابة» الذي وللمفارقة يتشاطر الكثير من الصفات مع جبران باسيل، وزير الخارجية اللبناني وصهر الرئيس ميشال عون وخليفته على رأس التيار الوطني الحر. فمنذ دخوله المعترك السياسي أصرّ باسيل على ترسيخ صورته كمتمرد على الأعراف والتقاليد السياسية المتبعة والتي تجعل من اللعبة السياسية اللبنانية أقل همجية.
قبل انتخاب عمه الجنرال عون رئيسا للبلاد، ادّعى باسيل امتلاكه الحق الحصري في التمثيل الشعبي للمسيحيين رغم أن حزبه كان شريكا بذلك التمثيل مع أطراف وأحزاب مسيحية أخرى. أما بعد وصول عون إلى سدة الرئاسة، فقد طرح باسيل نفسه كحارس للعهد مستغلاً مركز عمه في بسط قبضته على مفاصل السلطة وإعادة أمجاد الرئاسة المسيحية، بحسب مزاعمه.
ورغم إصرار التيار الوطني على ثبات مواقفه، ما فتئ باسيل - صاحب الكرة السلطوية - يغير مواقفه ومواقف حزبه حتى يستحصل على مقاعد نيابية ووزارية ولو أتت على حساب المصلحة العامة. ففي السابق رفض كل من عون وباسيل احترام العرف المتبع بإعطاء رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان حصة وزارية تسمح للأخير بلعب دوره كحكم بين الأطراف المتنازعة داخل الحكومة. رفْض عون آنذاك كان تحت ذريعة عدم وجود نص دستوري يكرس هذه القاعدة معتبراً أن قيادته للمسيحيين تجيز له تحجيم رئيس الجمهورية المنتخب من ممثلي الشعب بشقيه المسلم والمسيحي.
أما الآن وأثناء تشكيل الحكومة الحالية يستشرس باسيل للسيطرة على حصة الرئيس التي فعلياً تعطي التيار الوطني ضعف حجمه التمثيلي وتحرم أطرافا مستحقة ككتلة «القوات اللبنانية»، والأخطر أنها تسمح للتيار بتعطيل عمل الحكومة. سابقأً، تغنى التيار الوطني الحر بفصل النيابة عن الوزارة، مطالباً مجلس النواب بتكريس هذا المبدأ بقانون كونه يعزز الشفافية ومبدأ فصل السلطات. هذا الموقف المبدئي يبدو أنه تغير مع انتخاب باسيل نائبا بعد محاولتين سابقتين باءتا بالفشل، ما أجاز حسب منطق «صاحب الكرة» الجمع بين النيابة والوزارة تحت ذريعة «الخير العام».
في السابق، نادى باسيل بضرورة التمثيل الصحيح لنواب الأمة ووزرائها، وعليه كان يهاجم باستمرار سعد الحريري والزعيم وليد جنبلاط كون كتلهم تضم نوابا مسيحيين لا يتمتعون، بحسب باسيل، بالشرعية المطلوبة وهم بمثابة الذميّين. وفي الانتخابات النيابية الأخيرة، قام باسيل بإطلاق تصريحات ومواقف عدة تهاجم تحالف جنبلاط مع «القوات اللبنانية»، مشككا بمصالحة الجبل التي جرت برعاية البطريرك صفير سنة 2001. كما عمد إلى التحالف مع الأمير طلال أرسلان الخصم التقليدي للزعامة الجنبلاطية، لكن حسابات كل من صاحب الكرة والأمير أسفرت عن خسارة كتلتهم بعد ما نجح أرسلان منفردا نتيجة ترك جنبلاط أحد المقاعد الدرزية شاغرة.
بالرغم من ذلك، استمر باسيل بمحاولات التضييق على جنبلاط عبر إعارة «الأمير» - حفيد اللخميين - ثلاثة نواب من كتلة التيار الوطني الحر، ليتمكن الزعيم المفترض من المطالبة بمقعد درزي في الحكومة العتيدة. ففي المنطق المتبع، «الذمية» مسموحة لباسيل وتياره، كون المير قد أقسم الولاء «للعهد القوي».
سيستمر باسيل بمحاولة إقناع الناس بأن موقعه ضمن اللعبة السياسية يرتكز على تمثيله المسيحي وحرصه على مستقبل البلد، لكن الجميع يعلم، ومن بينهم أفراد فريقه، أن السبب الأوحد لوجوده في أرض الملعب كونه «صاحب الكرة الثقيل»... لقب، لن يتمكن صاحبه أبداً من استبداله بلقب «صاحب الفخامة».