وماذا بعد الوصول إلى قاع المنحدر؟!

1 يناير 1970 06:05 م

هناك مَنْ يعتقد أنّ العرب لم يصلوا بعدُ إلى قاع المنحدر، وبأنّه ما زال أمامهم مخاطر كثيرة قبل أن تتّضح صورة مستقبلهم. لكن رغم وجود هذه المخاطر فعلاً، فإنّ ما تشهده بلاد العرب حالياً سيكون ربّما هو ذاته، خلال الفترة المقبلة، الدافع لتحقيق الإصلاح الجذري المطلوب داخل المجتمعات، في الفكر والممارسة، في الحكم وفي المعارضة. فقيمة الشيء لا تتأتّى إلّا بعد فقدانه، والأمّة عطشى لما هو بديل الحالة الراهنة.
هذه ليست مجرّد تمنيّات أو أحلام، بل هي خلاصة تجارب الأمّة العربية نفسها في القرون الماضية، وهي أيضاً محصّلة تجارب شعوب أخرى، كأوروبا التي طوت صفحات الماضي المشين بينها واتّجهت نحو التوحّد والتكامل بين شعوبها، متجاوزةً ما بينها من خلافات في المصالح والسياسات، واختلافات في اللغات والثقافات والأعراق.
أيضاً، فإنّ مسألة الحرّيات في الولايات المتّحدة لم تنتعش وتزدهر في العقد السادس من القرن الماضي إلّا بعد فترة «المكارثية» الظالمة في العقد الخامس. كذلك لم يصل «الأميركيون الأفارقة» إلى حقوقهم المدنية إلّا بعد عقود طويلة من مواجهة الممارسات العنصرية، ومن إحداث تغيير في ثقافة المجتمع نفسه. فالدستور يساوي بين كل المواطنين، مهما كان لونهم أو عرقهم أو دينهم، لكن المجتمع الأميركي لم يكن ناضجاً لتقبّل فكرة المساواة بين الناس كما نصّ عليها الدستور والقوانين. وفي هذا «النموذج الأميركي» دلالة كبيرة على أهمّية وأولوية إحداث التغيير في المجتمع أولاً، وفي المفاهيم والتقاليد الخاطئة عند عامّة الناس، وليس فقط بالحكومات وبالدساتير وبالنصوص القانونية.
الأمّة العربية وأوطانها عطشى لمثل هذه التحوّلات الفكرية والثقافية في مجتمعاتها، وليس فقط لتغييرات شكلية في الحكومات والقوانين. لكن الأرتواء لا يتحصّل بمجرّد الحاجة إليه، وإنّما بالجهد والسعي المتواصل بحثاً عن الماء، لا عن سرابه، فيما يُشبه الصحراء القاحلة.
فأين العرب من المكوّنات الأساسية لمجتمعاتهم، والتي تقوم على الفهم الصحيح للأديان وعلى مزيج من الهويتين العربية والوطنية؟ وأين العرب من جوهر الرسالات السماوية التي تدعو إلى التوحّد ونبذ الفرقة؟ وأين العرب الآن من العروبة التي تعني التكامل ورفض الانقسام، ومن الوطنية التي هي تجسيد لمعنى المواطنة والوحدة الوطنية؟.
إنّ غياب الفهم الصّحيح للدين والفقه المذهبي ولمسألة الهُوية وللعلاقة مع الآخر أيّاً كان، هو المناخ المناسب لأيّ صراع طائفي أو مذهبي أو إثني يُحوّل ما هو إيجابي قائم على الاختلاف والتّعدّد إلى عنفٍ دموي يُناقض مبادئ الرسالات السماوية والفهم السليم للهُوية الثقافية العربية، ويحقّق غايات الطامحين للسيطرة على العرب وعلى أرضهم ومقدّراتهم!.
 ولن يكون للبعدين الحضاري والعروبي، أي إمكانية تغيير أو إصلاح في أحوال أمَّة العرب، ما لم تتوفّر أيضاً القيادات المخلصة النزيهة التي تضع مصلحة شعبها فوق مصالحها الخاصة، ومصالح أوطانها فوق مصالح أنظمتها ومنظّماتها، والتي تضحي بنفسها في سبيل الهدف، وليس العكس!

* مدير «مركز الحوار العربي» في واشنطن
Sobhi@alhewar.com