سلسلة ترسم كل حلقة منها خارطة طريق إلى تحسين أحد جوانب الصحة والعافية... بدنياً ونفسياً

كيف تُزيد إنتاجيتك أثناء الصيام؟

1 يناير 1970 04:52 ص

للوهلة الأولى، بدا الرقم مُدهشا عندما كشفت نتائج استبيان شامل - أجراه موقع «Bait.com» ونشره قبل حوالى أسبوعين - عن أن مستوى إنتاجية 81.7 في المئة من المهنيين الاحترافيين في دول منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ( ذات الغالبية المسلمة) يرتفع خلال شهر رمضان مقارنة ببقية أوقات العام، كما يتزايد سعيهم إلى إيجاد وظائف جديدة أفضل لأنفسهم خلال ذلك الشهر الفضيل!
ومصدر الاندهاش هو أن هذه النسبة العالية لا تنسجم مع ما نراه عادة من تكاسل وخمول من جانب كثيرين في أماكن عملهم خلال شهر الصيام، إلى درجة أن بعضهم قد تنتابهم غفوة خلال ساعات العمل ويتراجع معدل انتاجيتهم إلى أدنى مستوياته.
لكن، إذا عُرف السبب... بَطَل العجب. فهذه النسبة لا تُعبّر عن جميع شرائح الموظفين، بل تُعبّر أكثر عن شريحة «المهنيين الاحترافيين» - أي أولئك الذين يتمتعون أساسا بقدر عال من القدرة على تنظيم أوقاتهم وتتحديد مستهدفاتهم واسعي إلى تحقيقها من خلال خطة عمل مدروسة سلفا، ناهيك عن أن أنماط حياتهم تكون منضبطة اصلا على مدار العام. ولأن الصيام يأتي منسجما ومتناغما مع ذلك الانضباط، فإن النتيجة الطبيعية لهذا تكون زيادة في مستوى الإنتاجية.
أما عندما يتعلق الأمر بشرائح الموظفين غير الاحترافيين، فالمسألة تصبح معكوسة تقريبا. فعاداتهم اليومية وأنماط حياتهم على مدار العام (بما في ذلك أنماط التغذية والنوم والتدخين وغير ذلك) تكون غير منضبطة بشكل عام، وبالتالي فإن مجيء انضباط صيام شهر رمضان يتصادم مع أنماطهم تلك، فتكون نتيجة ذلك اضطرابا وتراجعا في نشاطهم البدني والذهني وفي مستوى إنتاجيتهم في العمل، بل وحتى في علاقاتهم بالمحيطين بهم.
وتزامنا مع هبوب نفحات شهر رمضان جديد، نسلط في حلقة اليوم الضوء على أفكار ونصائح من شأنها أن تساعد الصائمين على زيادة مستويات انتاجيتهم... أو الحفاظ عليها على الأقل.

أضواء على نتائج الاستبيان

وفقا لما نشره موقع «Bait.com» حول نتائج استبيانه الشامل، أكد 81.7 في المئة من المهنيين في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا على أنهم يشعرون بأنهم يحققون مزيدا من الإنتاجية خلال شهر رمضان، وقال 14.8 في المئة منهم إن مستوى إنتاجيتهم لا يتغير خلال هذا الشهر الكريم، بينما أقرّ 3.5 في المئة فقط إلى أن مستويات إنتاجيتهم تنخفض.
ومن اللافت أن 61.4 في المئة من المجيبين قالوا إن أعباء عملهم تزداد خلال الشهر الفضيل، موضحين أن السبب في ذلك قد يعود إلى تخفيض عدد ساعات العمل. في المقابل، رأي 21.7 في المئة من المجيبين أن أعباء العمل تبقى على حالها خلال شهر رمضان، بينما ارتأت نسبة 16.9 في المئة أن تلك الأعباء تتناقص.
وعبرت غالبية المجيبين (87.7 في المئة) عن رضاها عن عدد ساعات العمل خلال شهر الصيام، حيث قال 81.9 في المئة منهم إنهم راضون جداً عن ذلك العدد. وفي حين اختارت نسبة 4.7 في المئة أن تلتزم الحياد، فإن نسبة 7.6 في المئة فقط قالوا إنهم غير راضين إلى حد ما أو غير راضين على الإطلاق عن عدد الساعات.
وانقسمت آراء المجيبين حول ما يتعلق بأخذ إجازة من العمل خلال شهر رمضان، حيث قال 54.6 في المئة منهم إنهم يأخذون إجازات أكثر من المعتاد خلال هذا الشهر، بينما قال 45.4 في المئة إنهم يأخذون إجازات أقل.
واتفقت غالبية من المجيبين (88.4 في المئة) على أن رمضان هو الوقت المناسب للتفكير في أهدافهم الشخصية والمهنية، بينما التزمت نسبة 6.7 في المئة الحياد ازاء هذا المحور، وعارضه 4.9 في المئة فقط.
وبسؤال المجيبين عن الجوانب المفضلة لهم في شهر رمضان، قال أكثر من الثلثين (67.5 في المئة) إن قضاء الأوقات مع العائلة والأصدقاء هو أكثر الأمور تفضيلاً لهم. وقال 12.6 في المئة أنهم يستمتعون كثيرا خلال هذا الشهر الفضيل بالتعبّد والصلاة.
وقالت غالبية المجيبين (89.6 في المئة) إن شهر رمضان يساعدهم على تحسين وترميم واصلاح علاقاتهم مع زملائهم ورؤسائهم في العمل، قال 4.4 في المئة فقط إن الذي يحصل معهم هو العكس، بينما التزمت نسبة 6 في المئة الحياد.
لماذا تتراجع إنتاجية البعض
في رمضان؟

يتفق معظم الخبراء في مجال أخلاقيات العمل على التعريف التالي: «العمل هو الجهد الذي يقوم به إنسان بوعيه، ويهدف من ورائه إلى إنتاج سلع أو خدمات لتلبية احتياجاته أو احتياجات الآخرين، ولذا فلا يمكن الحكم على جهد ما بأنه عمل إلا إذا كان صادرا عن إنسان واعٍ بالقيمة الأخلاقية لذلك الجهد، من دون ربط ذلك بطقوس دينية أو غير دينية، وذلك لأن تلك القيمة تكمن في كون الجهد لا يتغير كثيرا بتغير الظروف الشخصية.»
كما أن هناك اجماعا مشابها بين علماء النفس والاجتماع على أن: «الواجبات والمسؤوليات التي تفرضها طقوس العمل ينبغي أن تدفع العامل أو الموظف إلى التكيّف والانضباط واحترام الوقت مهما كانت ظروفه، وذلك لتحقيق مردود مستقر في إنتاجيته».
وفي ضوء هذين التعريفين، فإن هنالك ثمة ضوابط مهنية وأخلاقية لا بد أن تتوافر في الموظف أو العامل من أجل ضمان استقرار انتاجيته في ظل التغيرات (بما في ذلك الصيام)، وهي الضوابط التي يتسبب افتقار الموظف اليها إلى تراجع مستوى انتاجيته تلقائيا خلال شهر الصيام.
تأثيرات الصيام

من المؤسف أن التأثيرات الفسيولوجية المحتملة للصيام على جسم ومخ الصائم لم تخضع لدراسات بحثية واسعة النطاق حتى الآن، ولعل من أهم ما يعوق اجراء أبحاث حول هذه المسألة كونها تمس جوانب دينية وثقافية ذات حساسية خاصة.
وهناك تصاعد ملحوظ (وإن كان مكتوم) في التساؤلات عن مدى تأثير صيام رمضان على اقتصادات البلدان العربية الإسلامية وعلى سوق العمل بشكل عام، وذلك في ظل تنامي نطاق ذلك السوق محليا، ناهيك عن تفاعلاته المتبادلة مع الاقتصاد العالمي الأوسع نطاقا.
لكن جهات غير حكومية في بلدان مسلمة أجرت خلال السنوات القليلة الماضية دراسات محدودة وعلى استحياء بهدف استكشاف أسباب ذلك «الخمول» الذي يسيطر على شريحة كبيرة من الصائمين ويجعل إنتاجيتهم تنخفض إلى النصف تقريبا. ومن بين الأسباب التي توصلت اليها تلك الدراسات: طول ساعات السهر، وعدم انتظام النوم، والانتقال من نمط حياتي وغذائي إلى نظام مختلف، والمعاناة من أعراض الانسحابية التي تنجم عن الاضطرار إلى الامتناع عن تعاطي المنبهات كالنيكوتين والكافيين.
دور الإدارة الواعية

في الوقت ذاته، أسفرت نتائج تلك الدراسات عن أنه من الممكن ألا يكون للصيام تأثير كبير على مستويات إنتاجية الموظفين والعمال إذا استعدت إدارة الشركة لذلك الشهر بخطة موقتة مدروسة مدروسة، إذ يمكن للإدارة الواعية أن تقوم باجراءات عدة من بينها إعادة تقسيم دورة ومجموعات العمل بطرق تتطلب جهدا أقل مع المحافظة في الوقت ذاته على مستويات الإنتاجية أو حتى زيادتها بعض الشيء.
وعن ذلك الجانب تحديدا، قال خبير الموارد البشرية البريطاني البارز ويليام سكوت جاكسون إن مشكلة تراجع مستويات الإنتاجية بين الموظفين المسلمين خلال شهر رمضان هو أمر يمكن تغييره من خلال أعضاء الإدارة، موضحا أن القادة الإداريين المتميزين يساعدون موظفيهم على التكيف سريعا مع الصيام بما يحافظ على انتاجيتهم أو حتى يزيدها.
ونصح جاكسون قادة وأرباب الأعمال بأن يسعوا إلى التركيز على استنهاض الهمم وتشجيع الكفاءات خلال أيام الصيام، وذلك من خلال الاستفادة من الأنشطة غير الرسمية لزيادة المشاركة الفعالة من جانب الموظفين والعمال وصياغة وتنفيذ مبادرات غير تقليدية من شأنها أن تُسهم في تشجيع روح الإبداع والابتكار بينهم.