ملف أسبوعي من إعداد: عبدالعليم الحجار
انتاب سارة خليط من مشاعر الاحباط والحيرة عندما تلقّت من مديرها رسالة بريد الكتروني مقتضبة أبلغها فيها بأنه قرر رفض خطة العمل التي كانت قد أعدتها وعرضتها عليه وناقشتها معه تفصيليا قبل بضعة أيام.
فذلك الرفض لم يكن منطقيا ولا مفهوما من وجهة نظر سارة، إذ ان مديرها بدا لها متجاوبا ومنصتا خلال الاجتماع. صحيح أنه كان يتفادى الاتصال البصري المباشر بين عينيهما وكان يشيح بعينيه بين الحين والآخر ناظرا إلى خارج الغرفة عبر النافذة، لكنها ارتأت أن تلك كانت تصرفات عفوية طبيعية. ثم إنه قال لها في ختام اجتماعهما: «حسنا، سأرى إذا كان ممكنا إقرار هذه الخطة».
لكن لو أن سارة كانت تُتقِن فهم مفردات لغة الجسد، لأدركت خلال ذلك الاجتماع أن مديرها كان يحاول أن يخبرها بأنه غير متحمس كثيرا لخطتها... لكنه لم يعبر عن ذلك بكلمات منطوقة بل من خلال إيماءاته الجسدية.
لذا، فإن حلقة اليوم تستعرض بالصور التوضيحية - وعلى محورين - عددا من أبرز وضعيات وايماءات لغة الجسد التي يمكن لمن يفهمها ويُتقنها أن يجيد التفاعل (تأثيرا وتأثُّرا) مع الآخرين خلال تعاملات حياته اليومية...
أولًا: كيف «تُترجِم» لُغة الجسد السلبية؟
إذا استطعت ترجمة إشارات لُغة الجسد السلبية التي تصدر عفويا ممن تتعامل معهم في حياتك اليومية، فإن من شأن ذلك أن يساعدك على أن تستنبط الجوانب غير المنطوقة والمشاعر السلبية التي تعتمل في نفوسهم.
لذا، سنسلط الضوء في هذا المحور على عدد من أبرز الإشارات الجسدية السلبية التي يمكنها أن تساعدك.
الحوارات المحتدمة... والنزعة الدفاعية
الحوارات النقاشية المحتدمة أو المتوترة هي من الأمور الحتمية التي يُضطر المرء إلى خوضها أحيانا في تعاملاته الحياتية اليومية، خصوصا في أماكن ومواقف العمل. فأنت ربما تضطر مثلا إلى أن تتجادل مع زبون مشاكس أو نزق، أو أن تتناقش مع أحد موظفيك حول أدائه السيئ والمتدني في العمل، أو أن تتفاوض مع طرف آخر حول صفقة أو عقد. ومثل تلك الحوارات تشوبها عادة مشاعر التوتر والعصبية والدفاعية، بل وحتى الغضب الكامن.
وعلى الرغم من أننا قد نحاول إخفاء تلك المشاعر ونتفادى التعبير عنها بالكلام، فإنها تتجلى غالبا من خلال لُغة أجسادنا التي تسمى بالأوضاع الدفاعية.
فعلى سبيل المثال، إذا أبدى محاورك واحدا أو أكثر من السلوكيات أو الإيماءات الجسدية التالية، فإن ذلك يعني على الأرجح أنه ممتعض أو غير مهتم بالحوار أو غير سعيد به (شاهد الصورتين 1 و 2):
• ذراعيه مضمومتين معا على جذعه.
• تعبيرات وجهه شبه جامدة، أو متجهمة.
• جسده منحرف قليلا عنك.
• يشيح بنظره بعيدا عنك في اتجاهات مختلفة ويتفادى النظر مباشرة في عينيك.
علامات الجمهور غير المكترث
عندما تقوم بتقديم عرض توضيحي أمام جمهور أو تلقي شرحا على مسامع مجموعة عمل، فإنك ترغب بطبيعة الحال في أن يكون جميع أفراد الجمهور منخرطين معك تماما. فكيف تستطيع أن تستنبط من لُغة أجساد جمهور مستمعيك ومتابعيك أنهم يشعرون بالملل وغير متفاعلين مع ما تقول؟
في التالي عدد من العلامات الواشية بذلك كما هو مبين في الصور (3 و4 و5 و6):
• الجسم في وضعية منهدلة خلال الجلوس، والرأس مطأطئ قليلا إلى أسفل.
• إطالة النظر إلى شيء آخر في أرجاء المكان، أو إلى لا شيء.
• الحركة المتململة، أو تكرار جذب أطراف الملابس، أو العبث بقلم أو بجهاز الهاتف.
• الشخبطة بقلم أو ما شابه ذلك.
ثانيا: كيف تُظهِر لُغة الجسد الإيجابية؟
في المحور الأول استعرضنا كيف تستطيع استقراء لُغة الجسد السلبية التي تظهر على الآخرين، أما في هذا المحور فسنسلط الضوء على إشارات لُغة الجسد السلبية التي يمكنك أن تُظهرها لمحاوريك لتعزيز كلامك وتوضيح أفكارك التي تحاول ايصالها إليهم.
ولأن لُغة جسدك تلعب دورا مؤثرا في إيصال رسالتك إلى المتلقي، نورد في التالي وصفا لبعض الوضعيات والإيماءات التي يمكنك أن تؤديها خلال تعاملاتك مع الآخرين لتُبدي لهم بلغتك الجسدية أنك تتمتع بالانفتاحية وبالثقة في ذاتك، ولا سيما في اللقاءات الأولى:
وضعية الجسم المنفتح
احرص على أن تكون وضعية جسمك معبرة عن الهدوء والاسترخاء، لكن ليس إلى درجة أن يصبح جسمك منهدلا في جلستك أو وقفتك أو أن تضع يديك في جيوبك. اجلس أو قف منتصب القامة وكتفاك إلى الخلف قليلا مع وضع يديك على جانبيك (كما في الصورة 7). ولا تقف أو تجلس واضعا راحتي يديك على خاصرتيك، فهذا من شأنه أن يوحي للآخر بنزعة عدائية من جانبك أو برغبتك في الهيمنة (كما في الصورة 8).
لكن اليك النصيحة التالية: إذا شعرت خلال كلامك أن تركيز أو اهتمام الطرف الآخر قد بدأ ينحسر أو يتراجع، فحاول أن تميل قليلا إلى الأمام في اتجاه محاورك أو جمهورك. فهذا التغيّر الطفيف في وضعية جسدك يمكن أن يوحي إليه بأنك ترغب في أن تنقل اليه معلومات لا تقولها إلا لمن تثق فيهم، وبالتالي فإن ذلك من شأنه أن يساعد على استعادة ما فقده الطرف الآخر من التركيز أو الانتباه.
المصافحة بحزم
صافح الطرف الآخر بشيء من الحزم. لكن لا تبالغ كثيرا حتى لا تتحول المصافحة إلى سلوك غريب في نظر الطرف الآخر أو حتى إلى إشعاره بألم، فهذا من شأنه أن يجعله يأخذ انطباعا إزاءك بأنك فظ أو عدواني.
التواصل البصري
من المهم أن يكون هناك التقاء مباشر بين عينيك وعيني الطرف الآخر، لكن ينبغي ألا يكون ذلك التواصل طوال الوقت حتى لا يتوجس محاورك. الأنسب هو أن تضع عينيك في عينيه مباشرة لبضعة ثوان بين الحين والآخر ثم تحولهما إلى جزء آخر من جسده. فمن شأن هذا التواصل البصري المباشر بين العيون أن يوحي للآخر بأنك مهتم ومخلص في ما تقول (كما في الصورة 9).
تفادي «التحسُّس»
تقول قواميس لُغة الجسد إنه عندما يتحسس شخص وجهه أو أذنيه بأطراف أصابعه خلال حديثه، فإن ذلك يوحي إلى محاوريه بأنه غير صادق في ما يقول (كما في الصورتين 10 و11)، وذلك على الرغم من أن هذا الانطباع لا يكون صحيحا بالضرورة. ويتولّد انطباع مشابه عند تكرار ملامسة المتكلم لشعره أو حك رأسه. لذا، إذا أردت أن تكسب ثقة محاوريك أو مستمعيك في ما تقول فمن الأفضل ألا تتحسس أو تحك أي جزء من وجهك أو رأسك عموما خلال تحاورك معهم.
محاكاة حركات الطرف الآخر
حاول أن تحاكي واحدة أو اثنتين من حركات جسد الطرف الآخر خلال حواركما، فذلك يساعد على بناء الثقة لديه تجاهك، لكن لا تبالغ في المحاكاة حتى لا يرتاب أو يظن أنك تسخر من حركاته أو لا تأخذه على محمل الجد.
ايماءات اليدين المفتوحتين
ابسط يداك وباعد بينهما وهما مرفوعتان قليلا أمام جذعك مع توجيه باطني كفيك قليلا في اتجاه محاوريك أو جمهورك، فهذه الوضعية توحي بانفتاحك ورغبتك في التواصل معهم وتبادل الافكار معهم (كما في الصورة 12). لكن عليك في أثناء ذلك إبقاء ساعديك قريبين من جذعك مع مراعاة عدم الإفراط في حركات اليدين حتى لا ينشغل الطرف الآخر بتلك الحركات عما تقول.
تنبيه... ونصيحة
الوضعيات والإيماءات الجسدية الموضحة بالكلام والصور في سياق هذه الحلقة، هي بمثابة إرشادات عامة للمساعدة في محاولة فهم وتفسير دلالات لغة الجسد لدى من نتعامل معهم ومحاولة ترك انطباع إيجابي لديهم، لكن من المهم توضيح والتنبيه إلى أنها لا تنطبق ولا تؤثر بالضرورة على جميع الأشخاص الذين نتعامل معهم.
ويرجع ذلك إلى حقيقة اختلاف الثقافات بين الناس، بمعنى أن بعض الإيماءات الجسدية قد يختلف مغزاها ومدلولها استنادا إلى الخلفية الثقافية التي ينتمي اليها الشخص الذي تتعامل معه.
لذا، فالنصيحة التي يسديها خبراء لغة الجسد هي أنه ينبغي تفادي التعميم المطلق واطلاق أحكام على أساسه، وهي النصيحة التي تكتسب أهمية خاصة عندما يكون الأمر متعلقا بالتعامل بين أشخاص يتحدرون من خلفيات ثقافية متباينة. ففي مثل تلك الحالات، ينبغي على المرء أن يتحقق بطرق أخرى من أن قراءته للغة جسد الطرف الآخر صحيحة، بما في ذلك توجيه بعض الأسئلة إليه وإلى آخرين لاستيضاح الأمر أكثر.