قصف عنيف على دوما واعتقالات في صفوف مُهجّري الغوطة
بعد نحو شهرين من معارك «غصن الزيتون» (اسم العملية التي أطلقها الرئيس رجب طيب أردوغان للسيطرة على كانتون عفرين الكردي في شمال سورية)، سقطت مدينة عفرين من دون مقاومة من «وحدات حماية الشعب الكردية»: لماذا وكيف سقطتْ؟
عندما أعلن الرئيس التركي نياته باحتلال عفرين طلبتْ منه روسيا التريث قبل أي عمل عسكري لمنع التصادم مع الجيش الروسي الذي يقاتل مع القوات السورية.
وتؤكد مصادر قيادية في سورية أن كل كتيبة أو فرقة سورية تضمّ وحدات خاصة روسية وقادة كبار روس ينسّقون العمليات البرية والضربات الجوية، بغض النظر عن مركز القيادة والسيطرة التي يتواجد فيه قادة روس ينسقون العمليات وإدارتها مع موسكو في اتصال مباشر مع غرفة العمليات في وزارة الدفاع الروسية.
ولهذا، فإن أي ضربة موجهة للجيش السوري ووحداته الخاصة من الممكن أن تطول أيضاً القوات الروسية مباشرة. بالإضافة إلى ذلك، فإن روسيا لا تسمح بضرب اي من القوات السورية وتلك الحليفة والرديفة العاملة معها لحاجتها إليها على الأرض.
ولغرض التفاهم حول وضع مدينة عفرين والمقاطعة بأكملها، عقد القادة الروس اجتماعات متتالية مع قادة «وحدات حماية الشعب» لنقل مطلب دمشق التدخل وإنقاذ المقاطعة من خطر الاحتلال.
وطلبتْ روسيا من القادة الأكراد ضرورة تسليم الإدارة المدنية والعسكرية للجيش السوري والانصياع تحت حكومة دمشق، ما يعني أنه لن تكون هناك ضرورة للاحتفاظ بتنظيم مسلح منفرد خارج سيطرة الدولة.
ووفقاً للمصادر، عرضت دمشق على الأكراد إمكان الوصول الى صيغة معنية تحفظ نوعاً من الفيديرالية في المقاطعة الكردية شرط ألا تخرج عن عباءة الدولة السورية. وسلّمت دمشق لائحة بالأسلحة الثقيلة التي تملكها مقاطعة عفرين وتلك الموجّهة لايزرياً والأسلحة المتوسطة والفردية وطلبت ألا يكون هناك سلاح خارج عن إطار الدولة الرسمية.
في المقابل، طلب قادة «الوحدات» أكثر من مهلة للتفكير وقدّموا في مناسبات عدة مطالب متعارضة في محاولة لاستخدام الجيش السوري كحرس حدود ليس إلا، والإبقاء على وضعهم المستقلّ (قبل معركة «غصن الزيتون»).
إلا أن دمشق، تتابع المصادر، رصدتْ محادثات بين أكراد عفرين وأكراد الحسكة وأطراف دوليين، وسط اعتقادٍ أن حمايةً ستُقدّم لـ «دولتهم» وانه سيتمّ التكلّم مع تركيا للعدول عن عمليتها والحد من الطموح التركي في الأراضي الكردية - السورية. إلا أن أميركا أوضحت للأكراد أنها لن تستطيع التدخل عسكرياً شمال نهر الفرات لأنها منطقة عمليات روسية.
واعتقد أكراد سورية - كما قبلهم أكراد العراق - أن أميركا لن تتخلّى عنهم وستعمل مع الأمم المتحدة والمجموعة الدولية لحمايتهم في الأروقة العالمية والإعلامية.
وعند فشل المفاوضات مع دمشق، انسحب الجيش السوري وكذلك قوات المراقبة الروسية من عفرين، وبالتالي أخذت تركيا الضوء الأخضر لعملياتها الهادفة لتوسيع الأراضي التركية وقضم أراضٍ سورية.
ومع اشتداد المعارك ووصولها الى حدود جنديرس، اقترح بعض القادة الأكراد على دمشق إرسال قوات لرفْع المعنويات في عفرين وإقناع القادة الأكراد بضرورة تغيير نظرتهم وإرجاع عفرين الى كنف الدولة.
وتكشف المصادر أن الرئيس السوري قَبِل وطلب من قوات محدودة التدخل بعد انهيار كل الدفاعات الحدودية، وبقيت جندريس التي تمثّل خط الدفاع الأساسي عن مدينة عفرين.
وقال مسؤولون أكراد للقيادة السورية ان تدخّل قواتٍ سوريّة سيُقْنع القادة كلهم بضرورة إرجاع المدينة والمقاطعة للقادة في دمشق، وعدم الاكتفاء بالطلب من هؤلاء حماية الحدود مع تركيا من دون تسليم كل الأسلحة والموارد المالية للدولة السورية.
وأمر الرئيس بشار الأسد بإرسال بضع مئات من الوحدات الخاصة التابعة للقوات السورية الرديفة التي تعمل في نطاق عمل مدينة ادلب ومحيطها وتواجه قوات «القاعدة» (النصرة أو هيئة تحرير الشام) وحلفائها. وأرسل هؤلاء الى مقاطعة عفرين كدعم لمدينة جندريس وكدعم معنوي للقادة الأكراد والتأكيد لهم أن دمشق ستتدخل ولكن بشروطها هي، وأن هذه الدفعة من الرجال ليست إلا مقدمة لما سيأتي لاحقاً إذا تم عقد اتفاق شامل مع الحكومة المركزية.
وتكشف المصادر أن اتصالات رصدتها القيادة الروسية والسورية أكدتْ أن قادة «الوحدات الكردية» يفضّلون ترك مدينة عفرين لتركيا وعدم تسليمها إلى دمشق وأنهم، إذا تطلب الأمر، سيلتحقون بمحافظات الحسكة ودير الزور تحت حماية القوات الأميركية.
وتضيف: ان القادة الأكراد فضّلوا تسليم أراضٍ سورية لقوات احتلالٍ تركية لن تخرج منها لعقود طويلة، وهذا لأن وعوداً قُدمت لهم ببناء مدن، أفضل من عفرين، في محافظة الحسكة ودير الزور والرقة وأن دولة عربية مستعدة لتمويل إعادة البناء وان شمال شرقي سورية سيصبح المقرّ لدولتهم الجديدة التي طالما حلموا بها تحت حماية دولة كبرى - الولايات المتحدة - التي، إذا طلب منها سكان الحسكة ودير الزور والرقة الحماية فإنها لن تتراجع عن تلبية النداء (كحجة لإبقاء قواتها كقوة احتلال على اراضي سورية).
وهكذا سلّم أكراد «الوحدات» مقاطعتهم الى تركيا التي، بالاتفاق مع الولايات المتحدة، ستذهب الى أبعد من عفرين لتسيطر على كل المناطق التي تتبع القيادة الكردية، بما يضع أكراد سورية أمام خيار واحد: الذهاب إلى حيث تتواجد القوات الأميركية لتقديم الحماية لهم كحلٍّ يُعتبر فيه الطرف الأميركي رابحاً والكردي غير خاسر، لأنه لن يُنظر إليه بنظرة جيدة خصوصاً ان قادته قد تسببوا - بسبب سياستهم - بخسارة أراضٍ سوريّة لمصلحة تركيا.
أما روسيا - حسب المصادر القيادية في سورية - فلم تخرج خاسرة، تبعاً للمعطيات التالية:
1- إن موسكو تستطيع الاستمرار بالقول ان أميركا تحتلّ جزءاً من سورية وبالتالي المطالبة دولياً بعودة الأراضي السورية الى أصحابها حتى ولو لم تحصل على أي نتيجة جراء ذلك.
2- موسكو أرضتْ أنقرة بإعطائها جزءاً من الكعكة السورية وخصوصاً بعد خسارتها حلب التي لطالما حلمت بضمها إليها وبأجزاء من أرياف ادلب التي تقدّمت إليها روسيا وسورية.
3- موسكو أرضت أنقرة أيضاً بأنها وقفت معها في محاولة لايجاد توازن بينها وبين أميركا، خصوصاً أن روسيا اخترقت حلف «الناتو» (تركيا جزء أساسي فيه) وهي تطمح لعلاقة استراتيجية - اقتصادية طويلة مع أنقرة.
4- لم تشأ موسكو تحويل النظر عن معارك الغوطة الشرقية لدمشق وسحب الجهد العسكري الى عفرين كي لا تتجزأ المعارك على أرض سورية وتستفيد أميركا من الصراع العسكري السوري - التركي (إذا ذهبت قوات سورية لوقف الهجوم على عفرين).
5- لم يقتنع أكراد سورية أن بقاءهم تحت جناح الدولة أفضل لهم، ففضّلوا أميركا على أرضهم وبلادهم. وبالتالي فإن موسكو فضّلت خسارة هؤلاء على خسارة تركيا فيما لو دافعت عنهم بوجه جيش أنقرة.
6- يستطيع الرئيس التركي تحويل دفة المعارك في سورية كيفما يشاء، فهو لاعب أساسي تحتاج إليه موسكو لوقف الحرب التي تحاول واشنطن الإبقاء على نارها مشتعلة. وإذا كان الثمن الشمال السوري، فإن موسكو لن تقف اليوم بوجهه مقابل الحصول على أكثر أراضي سورية المفيدة لمصلحة الحكومة السورية ووقف مشروع واشنطن القاضي بإبقاء الحرب مشتعلة على جبهات عدة.
وتختم المصادر: من الممكن أن يعتقد الأكراد أنهم خسروا مقاطعة ليربحوا دولة وأرضاً جديدة في الشمال الشرقي السوري، إلا أن حساباتهم الخاطئة مستمرة لأنهم لم يحسبوا الحساب أن أي أرض محتلة ستواجهها مقاومة شعبية. وإذا حصل ذلك من أصحاب الأرض ورفض هؤلاء الاحتلال الاميركي فإن واشنطن لن تستطيع إبقاء قوات لها إذا أصبح المحيط يهددها والبيئة الحاضنة عدائية.
نهبٌ في عفرين... و20 ألفاً من أبنائها بلا مأوى
أردوغان يهدّد بتوسيع «غصن الزيتون» من منبج... إلى القامشلي
أنقرة، دمشق - وكالات - تعهد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أمس، بتوسيع العملية العسكرية التركية في سورية إلى مناطق أخرى خاضعة لسيطرة الأكراد وصولاً إلى الحدود العراقية، غداة إخراج القوات الكردية من عفرين، شمال غربي سورية.
وفي إشارة إلى المناطق التي تسيطر عليها «وحدات حماية الشعب الكردية»، قال أردوغان، أمس، «سنستمر في هذه العملية الآن إلى حين القضاء بشكل كامل على هذا الممر الذي يشمل منبج وعين العرب (كوباني) وتل أبيض وراس العين والقامشلي».
وأضاف إن تركيا ستنفذ أيضاً هجوماً ضد المتمردين الأكراد في شمال العراق إذا لم تُطهّر بغداد المنطقة منهم.
من جهته، قال نائب رئيس الوزراء التركي بكر بوزداغ إن قوات بلاده لن تبقى للأبد في مدينة عفرين.
وأضاف ان الهدف من عملية «غصن الزيتون» هو تطهير عفرين من «الارهابيين» والقضاء على مشروع إنشاء دولة «ارهابية» وإحلال الأمن والاستقرار والسلام في المنطقة، ثم تسليمها الى أصحابها الحقيقيين.
وأكد أن عملية «غصن الزيتون» قلّلت بشكل كبير التهديدات الموجهة الى حدود تركيا، مشيراً إلى أن القوات التركية تقوم بجمع معظم الأسلحة التي سلمتها الولايات المتحدة الى المقاتلين الأكراد بعد ان لاذوا بالفرار.
وعلى الأرض، نفذت القوات التركية وفصائل المعارضة السورية الموالية لها، امس، عمليات تمشيط في مدينة عفرين.
وأفاد المرصد السوري لحقوق الانسان عن مقتل 13 مقاتلاً من الفصائل امس وإصابة أكثر من 25 آخرين بجروح جراء انفجار ألغام داخل المدينة.
من جهته، قال القيادي في الإدارة الذاتية الكردية ألدار خليل ان انسحاب المقاتلين الأكراد من المدينة قبل دخول القوات التركية إليها، فجر الأحد الماضي، جاء بهدف «حماية المدنيين وتجنيبهم القصف»، مضيفاً «تم إخلاء المدينة وخرجت القوات (الكردية) منها لسد الطريق أمام أي حجة قد يحاول الاحتلال التركي إبرازها لتبرير قصفه».
وبعد انسحابها من عفرين، أعادت «الوحدات الكردية»، وفق مسؤولين، انتشارها في محيط المدينة. وتوعد الأكراد بـ«ضرب» القوات التركية حتى «تحرير» كامل المنطقة، التي تعد واحدة من أقاليم إدارتهم الذاتية الثلاثة.
ولليوم الثاني على التوالي، استمرت عمليات النهب داخل عفرين، وفق ما أفادت مصادر متقاطعة.
وفور دخولهم الى عفرين التي بدت شبه خالية من سكانها، اول من امس، عمد مقاتلون سوريون موالون لأنقرة إلى أخذ مواد غذائية وأجهزة الكترونية وبطانيات وسلع أخرى من المحال والمنازل.
وفيما أفاد المرصد السوري عن «فوضى عارمة»، ندد قياديون في المعارضة السورية وشخصيات كردية بأعمال النهب.
وقال القيادي في فصيل «جيش الاسلام» المعارض، أبرز فصائل الغوطة الشرقية، محمد علوش في تغريدة على موقع «تويتر»، أمس، «ما حدث من نهب وسرقة للممتلكات الخاصة والعامة في عفرين جريمة وسقوط أخلاقي لمن قام به».
وبعد التقدم الأخير في مدينة عفرين، باتت القوات التركية تسيطر على كامل «إقليم» عفرين الكردي.
إلى ذلك، قالت عضو الإدارة الذاتية الكردية في عفرين هيفي مصطفى لوكالة «رويترز»، أمس، إن أكثر من 200 ألف شخص فروا جراء الهجوم التركي يعيشون بلا مأوى في مناطق قريبة ويفتقرون للغذاء والماء.
وأضافت إن أصحاب السيارات ينامون في سياراتهم ومن لا يملكون سيارات ينامون أسفل الأشجار مع أبنائهم.
وعلى جبهة أخرى في سورية، تعرضت الغوطة الشرقية لدمشق، ومدينة دوما تحديداً، لقصف عنيف، أمس، في اطار الحملة العسكرية المستمرة ضد هذه المنطقة منذ 18 فبراير الماضي.
وأحصى المرصد مقتل 20 مدنياً في أقل من 24 ساعة في مدينة دوما، بالاضافة الى 14 آخرين في بلدات أخرى.
وجرى أمس إنقاذ عدد من الأشخاص ينتمون الى العائلة نفسها من تحت الأنقاض، فيما سقط برميل متفجر قبل منتصف الليل أدى إلى اشتعال حريق وتدمير مسجد ومنازل في محيطه.
وقال مدير المرصد رامي عبد الرحمن إن القصف على دوما هو «الأعنف» منذ أسبوع، ويأتي إثر هجوم مفاجئ نفذه فصيل «جيش الاسلام» على قوات النظام على جبهتي مسرابا وبيت سوى جنوباً انطلاقا من دوما.
وتدور اشتباكات أيضاً في جنوب الغوطة بين فصيل «فيلق الرحمن» و«هيئة تحرير الشام» (النصرة سابقاً) من جهة وقوات النظام من جهة ثانية.
وعلى وقع القصف والمعارك، يتواصل النزوح من بلدات في جنوب الغوطة إلى مناطق تسيطر عليها قوات النظام.
وقدّر المرصد السوري عدد الفارين أمس بأكثر من أربعة آلاف مدني، ما يرفع عدد النازحين من الغوطة الى نحو 70 ألف مدني منذ الخميس الماضي، وسط تقارير عن اعتقال المئات منهم في الأيام الماضية.