الغمّازات والشّامات «تشوُّهات» ... فلماذا نراها للحُسْنِ علامات؟!

1 يناير 1970 10:28 ص

الغَمّازة هي ذلك التجويف الصغيرالغائر الذي نستلطفه عندما يظهر على هيئة نُقرة أو أخدود على خدود أو ذقون بعض الأشخاص، خصوصا عندما يبتسمون ابتسامة عريضة نسبيا. ومن بين المشاهير الذين لديهم غمازات يُنظر اليها باعتبارها من علامات حُسْنهم ووسامتهم نذكر: الشاعر العربي السوري الراحل عمر أبوريشة الذي كانت له غمازة غائرة وواضحة في ذقنه، والأميرة الحسناء البريطانية «كيت ميدلتون» (دوقة كيمبردج وزوجة الأمير ويليام)، والممثلين الوسيمين «ليوناردو دي كابريو» و«براد بيت».
أما الشامة – التي تُشتهر أيضا بلقب «حبّة الخال» – فهي ذلك النتوء الجلدي الصغير الذي يكون عادة ذا لون «أدكن» من لون بشرة الشخص، وقد يصل إلى السواد القاتم، وقد يظهر في أي مكان في الجسم لكنه يكون ظاهرا وملحوظا أكثر عندما يظهر على جلد الوجه. وتضفي الشامة انطباعا جماليا عندما تكون صغيرة الحجم ومتمركزة بمحاذاة الأنف أو الفم أو الذقن. ومن بين المشاهير ذوي الشامات الوجهية التي ينظر اليها باعتبارها إما شواهد على جمال وجوههم أو علامات مميزة لهم نذكر: الروائي الأديب المصري الراحل نجيب محفوظ (الفائز بجائزة نوبل)، والنجم المصري العالمي الراحل عمر الشريف، والممثلة الأميركية الفاتنة الراحلة مارلين مونرو، والممثلتين الأميركيتين «أنجيلينا جولي» و«سيندي كروفورد».
لكن الأمر المدهش الذي قد لا يعلمه كثيرون هو أننا إذا نظرنا من زاوية طبية وتشريحية بحتة إلى تلك الغمازات والشامات - التي طالما ارتبطت بالحُسن والجمال في ثقافات كثيرة عبر الثقافات - فإننا سنكتشف أنها ليست في واقع الأمر سوى «تشوهات»، بل إنها في حالة الشامات قد تنطوي على احتمال الإصابة بأحد أشكال سرطان الجلد!
فما هي الحقيقة الطبية والتشريحية لتشوهات الغمازات والشامات التي على الرغم من ذلك باتت من علامات الحُسن والجمال والوسامة؟
حلقة اليوم تأخذكم في رحلة استكشافية لتسليط مزيد من الضوء على جوانب ذلك التساؤل...

أولا: الغمّازة

في معظم ثقافات العالم عبر التاريخ، ارتبطت الغمازة بكونها من علامات جمال وجه الشخص، سواء ظهرت في خد واحد، أو في كِلا الخدين معا، أو في الذقن.

 بيولوجيا وتشريحيا
لكن من المنظور البيولوجي، الغمازة هي نتاج صفة جينية وراثية تنتقل من جيل إلى جيل عبر الجينات ولا تظهر لدى بعض الأشخاص عندما تصبح مهيمنة أو سائدة لدى ذلك الشخص أو ذاك.
أما من الناحية التشريحية فإنه يمكن القول إن الغمازة هي نتاج تشوّه، إذ إنها تظهر بسبب قصور يعتري التكوين التشريحي لعضلتين معينتين تتحكمان في جانبي الوجه (وتحديدا الجزآن اللذان نطلق عليهما اسم الخدين)، وهو القصور الذي يعني أن العضلة تكون أقصر أو أضعف مما ينبغي أن تكون عليه.
وهكذا فإن الغمّازات هي نتيجة لقِصر في عضلات جانبي الوجه، وتحديدا في النسيج الضام تحت الجلد. ويحدث ذلك في مراحل النمو الأولى.
وفي حال إصابة العضلتين بذلك القصور أو «التشوه» التشريحي، يكون نتيجة ذلك ظهور غمازتين على الخدين. لكن في بعض الحالات القليلة قد يكون ذلك القصور العضلي في جانب واحد فقط، وتكون نتيجة ذلك ظهور الغمازة على جهة واحدة من الوجه.
فبسبب قصور نمو تلك العضلات، فإنها تشد الجلد إلى الداخل عندما يبتسم الشخص، فتكون نتيجة ذلك ظهور تلك الغمازة التي تكون إما على شكل نقرة غائرة أو على هيئة أخدود مستطيل عندما يبتسم الشخص.
وهكذا فإنه من الممكن في بعض الحالات أن تتلاشى الغمازات كليا أو جزئيا مع التقدم في السن بسبب تمدد العضلات واكتمال نموها. لكن على الرغم من كون الغمّازات هي نتاج عيب أو نقص يعتري إحدى الجينات (الموروثات)، فإن الخبر السار هو أن ذلك النقص الجيني لا يشكل أي خطر أو ضررعلى الصحة.

غمازة الذقن... تشوّه في العظم!
وبسبب ذلك القصورالتشريحي ذاته، توجد لدى بعض الأشخاص غمازات على الذقن. وفي هذه الحالة تعرف تلك الغمازة باسم «النونية»، وتبدو أكثر وضوحا عند الابتسام.

وغمازة الذقنِ هي أيضاً موروثة على غرار غمازة الخد، لكن عمقها يتوغل عادة إلى درجة إحداث انبعاج (أي تشوّه) في نسيج عظمِ الفكّ السفلي!
وغالباً ما تظهر لدى الأطفال حديثي الولادة غمازات على الذقن في حالات كثيرة وعلى الخدين في حالات أقل، لكنها تنحسر تدريجيا وتصبح أقل وضوحاً بسبب اكتمال نمو العضلات مع تقدم الطفل في العمر.

ثانيا: الشامة

الشامة (أو «حبة الخال») هي ذلك النتوء الكروي أو شبه الكروي الذي يبرز من جلد بعض الأشخاص، ويكون لونها داكنا غالبا مقارنة بلون البشرة، وتتراوح درجات لونها بين البني والأسود. ويمكن أن تظهر الشامات في مناطق عشوائية من الجلد، ولا يقتصر ظهورها على جنس بعينه أو سنٍ معينة.
ومثلما هو الحال بالنسبة للغمازات، طالما نظر في سائر الثقافات إلى الشامات التي تظهر في مواضع معينة من الوجه باعتبارها إحدى علامات الحسن والجمال. لكن واقع الحال هو أن المبدأ الذي ينطبق تشريحيا عل الغمازات ينطبق أيضا على الشامات، بل الأدهى من ذلك هو أن بعض الشامات تنطوي على «شبح» مخيف يتمثل في احتمال أن تكون الشامة نذيرا بالإصابة بأحد أشكال سرطان الجلد!

كيف تنشأ؟
من الناحية البيولوجية، تنشأ الشامات نتيجة لانقسامات غير طبيعية تحدث في خلايا جلد الشخص، وتتنوع أحجامها وألوانها تبعا لنمط ووتيرة نموها، وهي تكتسب اللون الأسود أو البني عادة عندما تحتبس في داخلها بعض الشعيرات الصغيرة النابتة في الجلد.
وفي أغلب الحالات تكون العوامل الوراثية هي المسببة لظهور الشامات، لكن ليس شرطا أن تظهر جميعا مع ولادة الطفل بل يمكن أن تظهر تباعا مع مرور سنوات عمره. وقد تبقى بعض الشامات عند حجم معين، بينما قد تنمو أخرى بوتيرة غيرعادية. وفي المقابل قد تنكمش شامات أخرى ويضمحل حجمها حتى تختفي تقريبا. وهكذا فإنه ليست هنالك قاعدة ثابتة تحكم ظهور ونمط نمو الشامات.

خطر محتمل!
صحيح أن معظم الشامات تكون مجرد تكتلات صغيرة لمجموعة من الخلايا الصبغية ولا تشكل أي خطر صحي، لكن هناك بعض العوامل التي تنذر بالخطر إذا صاحبت ظهور الشامات في جلد أي شخص.
ومن بين تلك العوامل المنذرة أن يكون عدد الشامات في سائر جلد الشخص أعلى من مستوى معين وفقا لتقدير الطبيب المعالج، وهو المستوى الذي يتخطى عادة 100 شامة لدى الشخص البالغ.
ووفقا لنتائج دراسات بحثية واحصائية، تضح أن الأشخاص الذين لديهم أعدادا كبيرة من الشامات هم أكثر تعرضاً لخطر الإصابة بسرطان الخلايا الصبغية «الميلانوما»، وهو أحد أخطر أشكال سرطان الجلد. ويكون ذلك الخطر مرجحا أكثر عندما تكون الشامة غير مستديرة الأطراف بل منتشرة الأطراف السفلية على نحو متعرج عند قاعدتها.
* عوامل الخطورة
يصبح خطر كون الشامة منذرة بأحد أنواع سرطان الجلد محتملا في حالات وجود عوامل خطورة معينة، نذكر من بينها ما يلي:
• عندما يتخطى إجمالي عدد الشامات في سائر الجسم مستوى 100 شامة، وهو المستوى الآمن نسبيا.
• عند تعريض الجسم عاريا بشكل مفرط لأشعة الشمس المباشرة.
• عندما تكون الشامة غير متماثلة الشكل الهندسي، بمعنى أن يكون نصفها كرويا بينما نصفها الآخر غير منتظم الشكل.
• في حالات الشامات الخلقية الضخمة (الوحمات) التي تظهر على الجلد منذ الولادة. وهذه الشامات الوحمية تعتبر من أكثر الحالات المعرضة للتحول إلى سرطان الجلد مع تقدم العمر.


أجراس إنذار...
على مقياس «ABCDE»
هناك «أجراس إنذار» ينبغي الانتباه لها في ما يخص الشامات، إذ أنها قد تمنح تنبيها مبكرا بأنها في طريقها إلى أن تصبح أحد أنواع سرطان الجلد.
لذا فإنه يوصى دائما باللجوء إلى اختصاصي أمراض جلدية عند ظهور أي شامة جديدة (ولا سيما الشامات الناتئة)، أو عند ملاحظة أي تطور غير طبيعي في شامة موجودة فعليا، وذلك للتأكد منها وتشخيص اي خطر محتمل مبكراً.
وقد صنفت الاكاديمية الأميركية لطب الجلد تلك العلامات على المقياس التدريجي (ABCDE) على النحو التالي:
• الشامة غير المنتظمة (A)
ففي الحالات الآمنة، تكون الشامة متناسقة ومنتظمة الحواف. لكن إذا كانت متعرجة وغريبة الشكل (أي بمعنى أن نصفها لا يشبه نصفها الآخر) فهذا من دواعي القلق والاشتباه.
• الشامة الناتئة ذات الحدود غير الواضحة (B)
في هذه الحالة تكون الشامة ناتئة عند لمسها بالأصبع، لكن يصعب التعرف على حدودها بوضوح.
• الشامة المتعددة الألوان (C)
الشامة غير الخطيرة تكون ذات لون موحد ومتناسق. أما عندما تكون ذات ألوان عدة متباينة تتراوح بين درجات فاتحة وغامقة (أو حتى مختلطة بين اللونين الأحمر والأزرق) فهذا يستدعي القلق.
• الشامة الضخمة (D)
في الحدود الآمنة نسبيا، يكون متوسط طول قطر دائرة الشامة هو 5 مليمترات. وكلما تجاوز طول قطرها عن هذا، أصبح ذلك دليلا ينذر بخطورتها المحتملة. لكن ينبغي التنبيه في الوقت ذاته إلى أن هناك شامات سرطانية صغيرة الحجم.
• الشامة المتنامية (E)
من علامات الأمان أن يبقى حجم الشامة ثابتا. لذا، إذا لاحظت أن شامتك تزداد حجماً وتتضخم شهرا بعد شهر أو حتى عاما بعد عام، فيستحسن أن تستشير طبيب أمراض جلدية متخصص في أقرب فرصة ممكنة..

غمازات مُصطنعة...  بالجراحة التجميلية!

أدى ارتباط الغمّازات في أذهان كثيرين بالحُسْن والجمال إلى ظهور إقبال متزايد في كثير من الدول حول العالم على عمليات جراحية تجميلية بسيطة تمنح غمازات مُصطنعة سواء في الخدين أو في الذقن، ولدى الإناث والذكور على حد السواء. ووصل الأمر إلى رواج تلك العمليات بشكل ملحوظ في دول الغرب بشكل خاص، إلى درجة أن كثيرين يطلبون من جراحي التجميل غمازات مشابهة لغمازات نجوم ومشاهير معينين.
وتعتمد فكرة الغمّازات المصطنعة جراحيا على المبدأ ذاته الذي تقوم عليه الغمّازات الطبيعية، لكنها تمنح الشخص امكانية تحديد مكانها بالتشاور مع الجراح المختص. وحتى تكون نتيجة العملية الجراحية أفضل، يستحسن ألا يكون الخد شديد السماكة.
في معظم الحالات، تبقى الغمّازة الاصطناعية ظاهرةً طوال الوقت على مدار الأسابيع الثلاثة الأولى بعد الخضوع للعملية، اي سواء كان الشخص مبتسما أو غير مبتسم. لكن بعد مرور تلك الأسابيع واندمال موضع الجراحة، لا تظهر الغمازة إلا عند الابتسام.

الطريقة
هناك أكثر من طريقة جراحية معتمدة لاصطناع الغمازة. لكن بشكل عام، تعتمد جميع جراحات الغمزة الاصطناعية بشكل أساسي على خطوات مدروسة تبدأ بتخدير عضلات الوجه تخديراً موضعياً بحقن خاصة داخل بطانة الفم، وذلك في إطار عملية بسيطة نسبيا وسريعة حيث لا تستغرق سوى ما بين 15 و 30 دقيقة تقريبا لكل غمازة.
وبعد سريان مفعول التخديرالموضعي، يبدأ الجراح في عمل فتحة ذات عمق ومقاسات محددة سلفا في داخل الغشاء الداخلي المبطن للخد، ثم يقوم بتمرير إبرة جراحية عبر تلك الفتحة حتى تصل إلى منطقة الأدمة الجلدية المراد استحداث الغمزة فيها ثم يبدأ بسحب جلد الأدمة إلى الداخل بلطف وحذر.
بعد ذلك،يستأصل الجراح جزءا من غشاء بطانة الخد من الداخل، وقد يستأصل أيضا جزءا من الدهون والعضلات التي توجد في الموضع المستهدف بالعملية.
الخطوة التي تعقب ذلك هي البدء في عمل الغرزة الجراحية، إذ يسحب الجراح جلد موضع الغمازة المنشودة إلى الداخل ثم يقوم بتثبيت الشد عند درجة معينة ويخيط الجرح في نهاية العملية.
و بعد إجراء العملية، يعاني معظم من يخضعون لها من ظهور تورم أو انتفاخ في موضع العملية «الغمّازة» مع احتمال اصطباغ الجلد بلون بنفسجي مائل إلى الزرقة. وفي جميع الحالات، يصف الطبيب المعالج مضادات حيوية ومسكنات آلام، مع إرشادات تقضي بالامتناع عن تناول مشروبات ومأكولات معينة لمدة أسبوعين تقريبا.