«الأصوات التي يسمعها سكان العاصمة دمشق ناتجة عن قيام الجيش العربي السوري بدك أوكار الإرهابيين في الغوطة الشرقية».
الجملة القبيحة السابقة يبثها تلفزيون النظام السوري على قنواته المتعددة منذ أيام عدة وكأن أهالي الغوطة المساكين ليسوا بشراً، وكأن النظام الفاشي الدموي في سورية يقول للعالم إن إجرامه لن يتوقف حتى لا يبقى حر في بلاد الشام.
وإن كنت أعجب من السلوك الإجرامي لنظام الأسد، فعجبي الأعظم من الصمت العالمي المخزي لجرائم هذا النظام الذي لم يترك وسيلة للقتل والإبادات الجماعية إلا استخدمها في وجه السوريين.
ولئن كانت الأحداث السلبية المحيطة بنا تتوالى بشكل سريع للغاية، حتى لم يعد بمقدورنا متابعة كل ما يحصل أو الإلمام بتفاصيل ما يدور من جرائم في حق الإنسانية التي يتعرض لها المسلمون وهم غالب ضحاياها في دول عربية وإسلامية.
حينما أكتب عما يحصل في سورية، فليس تهويناً لما يعانيه المسلمون في بقاع أخرى، ولكن لأن الجرح الأكثر نزفاً اليوم والأعظم إيلاماً هو ما يدور على أرض سورية الحبيبة. فمنذ نحو سبع سنوات وجرحها الدامي لم يندمل، بل على العكس يزداد نزفاً وألماً، وما زالت أرض سورية تحتضن الشهداء تلو الشهداء، وكأن هذه الحرب الكونية الظالمة ضد الشعب السوري أبت أن تتوقف عن إرسال حممها ونيران حقدها حتى ترتوي أرضهم الطاهرة من دماء أهلها المظلومين الذين تضافرت عليهم قوى البغي في محاولة منهم لكسر عزيمة هذا الشعب العظيم والنيل من عقيدته ودينه وكرامته، ولكن هيهات لهم ذلك وما زال أهل سورية يسطرون أعظم ملاحم البطولة والإباء في وجه أعتى مجرمي الأرض من الروس والميليشيات الإيرانية أو شراذم المنظمات والأحزاب المدعومة من طهران وتلك المنظمات والأحزاب التي تتعهدها أميركا بالرعاية وتباركها بالدعم.
اليوم، وبعد سبع سنين عجاف، سقطت أقنعة النظام العالمي وأضحوكة الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي وتكشفت الوجوه القبيحة التي لطالما تغنت بحقوق الإنسان الأساسية كالسكن والحرية والكرامة وحق التنقل والتعليم الأساسي وحق العلاج، فعاش أهل سورية تحت أسقف بيوتهم المهدمة وفقدوا الحرية بكل شيء بل وحتى حرية الموت بسلام أو العيش بأمان وتبددت آمالهم بالإقامة في وطن يضمهم ويحقق أحلامهم ويشعرون داخله بإنسانيتهم ويحفظ لهم كرامتهم.
الغوطة الشرقية اليوم أصبحت ساحة إبادة شاملة يستخدم النظام المجرم فيها سياسة الأرض المحروقة، فلا قيمة للحياة الإنسانية عنده وليس هناك من يستحق النجاة ما دام من أهل الغوطة، فلا الأطفال ولا النساء ولا الشيوخ ولا الشباب ولا البيوت ولا حتى البهائم تنجو أو تسلم من نيران الحقد وقذائف الإجرام الأسدية.
كيف لمن يشاهد مناظر الإرهاب الأسدية وصور الأطفال الذين حولتهم قذائف الأسد إلى أشلاء ممزقة أن يطيب له عيش أو يهنأ بطعام وشراب.
نساء المسلمين وأطفالهم وشيوخهم وشبابهم في الغوطة الشرقية لدمشق يتعرضون اليوم لنكبة غير مسبوقة في التاريخ البشري وسط تواطؤ من الدول العظمى والاتحاد الأوروبي وصمت مخزٍ من الدول الإسلامية والعربية وغفلة من الشعوب التي أشغلوها بالبرامج التلفزيونية الهابطة والمسلسلات التي تحاكي الغريزة والمباريات الكروية وكأن من يقتل ويباد ويشرد ليسوا إخواننا وليسوا بشراً.
أحوال الغوطة الشرقية لا يمكن لأديب بلاغي أن يصفها، فقد تجاوزت فظائع الإرهاب الأسدي الروسي الإيراني، هناك كل ما يمكن تصوره عن الحقد والكراهية الانتقام والتشفي حتى لم يعد لدينا ما نقوله سوى:
لمثل هذا يذوب القلب من كمد... إن كان في القلب إسلام وإيمان
وليعذرنا أهل الشام لأننا عاجزون عن نصرتهم ومقصرون في الدفاع عنهم وكشف جرائم نظامهم، فنحن لا نملك إلا القلم لمناصرتهم ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
mh_awadi@