باريس تسعى إلى تأمين «حاضنة» لـ «التسوية المرمَّمة» والحريري يدين «البالستي» على السعودية
هل تُسَهِّل تطوّرات اليمن «النأي» بلبنان أم... تُعرقله؟
| بيروت - من وسام أبو حرفوش |
1 يناير 1970
01:41 ص
... قوات علي عبد الله صالح تَمْضي في اجتياح مواقع للحوثيين في صنعاء، أصداء البالستي الجديد الذي انطلق من اليمن في اتجاه السعودية ما زالت تتردد بقوة، هجومٌ صاروخي إسرائيلي على القاعدة الإيرانية قرْب دمشق قيل إنه عَبَر الأجواء اللبنانية، انسحابُ وفد النظام السوري من مفاوضات «جنيف 8»، تصريحاتٌ «نارية» لوزير الخارجية السعودي عادل الجبير ضدّ «حزب الله» وأدواره في لبنان والمنطقة.
كل هذا الاشتباك المتعدّد الساحة يدور من حول لبنان ويحوم فوْقه، في اللحظة التي يسعى أركان التسوية السياسية في الداخل إلى الاجتهاد في صياغةٍ خلّاقة لـ «إعلان نياتٍ» يلبي مقتضيات عودة رئيس الحكومة سعد الحريري عن استقالةٍ أرادتْها المملكة العربية السعودية كإنذارٍ وبمكبرات الصوت للبنان، الذي حمّلتْه مسؤولية الأدوار العدائية لـ «حزب الله»، الشريك في الحكومة اللبنانية، في العالم العربي.
فمن «الأوعية المتّصلة» بين الساحات اللاهبة، التي يشكّل «حزب الله» أحد أبرز اللاعبين فيها كـ «رأسِ حربةٍ» للمشروع الإيراني، إلى حاجةِ لبنان لابتداعِ صيغةٍ اضطرارية لـ «النأي بالنفس» يستخدم فيها ما أمكن من عبقرية «سيبويه» وإخوانه للحدّ من انكشافه، تجد بيروت نفسها أمام اختبارٍ لا يُستهان به، تَنْشطُ المساعي لانضاج إمراره في غضون الأسبوع الطالع، إيذاناً بمعاودة تعويم التسوية وحكومتها.
والسؤال المحوري، الذي يشكّل «بيت القصيد» في أزمةٍ، لم يكن يريدها الداخل المتموْضع في تسويةٍ اختُبرت على مدى عام، هو ما الذي يمكن أن يقدّمه «حزب الله» في النص وعلى المسرح لتمكين لبنان من تفادي المزيد من التوترات التي لاحتْ من مقرَّرات مجلس وزراء الخارجية العرب، والتي تهبّ من الغرب مع رزمةِ العقوبات الاميركية الجديدة ضدّ «حزب الله» وما تشكّله من مسارٍ مُتَدَحْرِج لمحاصرته.
ففي اللحظة التي كانت المهارات اللغوية تنشط للتفاهم على صياغة «النأي بالنفس» بالتزامن مع تَحرُّك ديبلوماسي فرنسي على الخط بين الرياض وطهران، كانت الأنظار تتّجه إلى الثمن الذي يمكن أن يدفعه «حزب الله» لإمرار العاصفة التي انفجرتْ بعدما «طفح الكيل» السعودي من تَورُّطه، خصوصاً في اليمن، الذي لمح الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله إلى أنه لم يُرْسِل لا صاروخاً ولا مسدساً إلى هناك.
ولم يعد خافياً أن «حزب الله» كان اضطلع بدورٍ محوري في اليمن منذ أن تولى نصرالله شخصياً قيادة المعركة الإعلامية في المواجهة مع السعودية، إضافة إلى تقديم حزبه الخبرات والتدريب والماكينة الإعلامية للحوثيين الذين فقدوا أمس زمام المبادرة بانقلاب علي عبدالله صالح عليهم ومدّ يده للتحالف العربي بقيادة السعودية في تَطَوُّرٍ من شأنه إحراج إيران لـ... إخراجها.
وسريعاً وجدتْ بيروت نفسها أمام علامةِ استفهامٍ كبيرة: هل تؤدي تطورات اليمن إلى تسريع الحلّ المرتقب في لبنان أم تطيحه؟ وذهبتْ المخيّلة السياسية إلى ما هو أبعد من ذلك حين سألتْ: هل ربحتْ السعودية اليمن وفازت إيران بلبنان؟ فرغم أن من السابق لأوانه الخروج باستنتاجاتٍ حاسمة في صراعٍ لم ينته فصولاً في «عموم» المنطقة، فإن ما يحدث بالتوازي في اليمن ولبنان ليس عابراً.
وثمة مَن يعتقد في هذا السياق ان لبنان واليمن يشهدان إعادة تموْضعات من جديد... في بيروت خرجتْ السعودية بـ «خسارةٍ» حتى إشعار آخر، عندما أدار رئيس الجمهورية العماد ميشال عون بمؤازرة «حزب الله» معركة «استرداد» الحريري الذي تَريّث في بيروت باستقالةٍ قدّمها من الرياض، إفساحاً أمام مَخْرَجٍ يعيد تعويم التسوية التي جعلها «حزب الله» غطاءً لأدواره.
أما في اليمن، فإن التمادي الإيراني في تَجاوُز الخطوط الحمر الإقليمية - الدولية عبر تصويب «البالستي» في اتجاه السعودية يكاد أن يقلب الوضع رأساً على عقب بـ «التموْضع الجديد» لعلي عبدالله صالح، الذي دعا أمس لـ «الانتفاضة» على ميليشيا الحوثي، في حركةٍ رحّب بها التحالف العربي، وهو ما يؤشر على مرحلة جديدة في اليمن الرابح فيها السعودية.
وثمة مفارقةٌ في بيروت تعكس في «رمزيّتها» ما بلغتْه أزمة استقالة الحريري من تموْضعات... فالكلام الذي رافق إعلان رئيس الحكومة استقالته من الرياض عن الحاجة الى تشكيل حكومة من دون «حزب الله» انتقل في الأيام الأخيرة إلى الترويج لإمكان إجراء تعديل حكومي يُخْرِج وزراء حزب «القوات اللبنانية» من الحكومة، وهو المحسوب على الخط السعودي في لبنان.
ورغم طيّ ملفِ أيّ تعديلٍ أو تبديل في الحكومة التي من المتوقّع ضخّ الروح فيها من جديد في غضون أيام مع التفاهم على «إعلان نياتٍ» يريده الحريري للعودة عن استقالته، فإن الوقت الفاصل عن المَخرج الذي يجري إعداده بين بيروت وباريس ويُستمزج فيه رأي طهران والرياض، يشهد المزيد من «الكباش» نظراً لطبيعة «القتال» باللغة والشروط وعلى الأرض.
فالسعودية بلسان وزير خارجيّتها عادل الجبير أعطتْ إشارةً الى مضيّها في المسار التصاعُدي بوجه إيران «الراعي الرئيسي للارهاب في العالم منذ 1979»، و«حزب الله» الذي «أسستْه طهران وتستخدمه لتبييض الأموال وتهريب المخدرات»، وفق الجبير الذي شدّد على «أن لبنان مخطوف من دولة أخرى من خلال جماعة إرهابية وهي حزب الله»، لافتاً الى ان «الحل في لبنان هو بسحب السلاح من حزب الله»، متهماً إياه بأنه «استخدم البنوك اللبنانية لتهريب الأموال».
وفيما كان كلام الجبير يعطي انطباعاً بأن الرياض على تَشدُّدها في مقاربة الأزمة اللبنانية ومرتكزات المَخرج الذي يُنسج لها، فإن أوساطاً سياسية توقّفتْ عند موقف الرئيس الحريري الذي ندّد بالعمليات التي تستهدف المملكة وآخرها إطلاق صاروخ بالستي مصدره الاراضي اليمنية، معتبراً أن «مثل هذه العمليات تشكل تهديداً جديداً للأمن الإقليمي وتنذر بعواقب خطيرة».
ولم تحجب هذه الضوضاء الأنظار عن الحِراك الذي كثفتْه باريس للوصول بأزمة الاستقالة الى خاتمة تحقق التوازن بين موجباتها الداخلية ومقتضياتها الاقليمية. وفيما كانت تقارير لا تَستبعد ان يَطّلع الرئيس ايمانويل ماكرون على الصيغة النهائية لـ «إعلان النيات» كما يُفترض ان تكون رستْ بعد لقاء الرئيس الحريري ووزير الخارجية اللبناني جبران باسيل في العاصمة الفرنسية، تقاطعتْ المعلومات عند ان باريس تسعى لتأمين «حاضنة» سعودية وإيرانية لـ «التسوية المرمَّمة» وسط تسريباتٍ عن انها أوفدت السفير الفرنسي الأسبق في بيروت برنار ايميه إلى طهران في هذا السياق، في موازاة وجود موفد سعودي في فرنسا لمواكبة المفاوضات.