ضوء

العولمة (2)

1 يناير 1970 10:43 م
على الرغم من انتشار مفهوم العولمة، إلا أن العالم يفتقر إلى وجود وعي عالمي، أي إدراك الأفراد لهويتهم الكونية أكثر من هويتهم المحلية. وواقعياً، لا تزال الهويات المحلية تتصارع مع تلك الهوية العالمية التي تهيمن عليها القوى الكبرى اقتصاديّاً.

ويرى بعض الباحثين أن الإشكالية في العلاقة بين العالمي والمحلي تتفاقم حين تحاول الدول الكبرى مثل الولايات المتحدة أن تُعطي الطابع العالمي لما هو محلي لديها من أجل تحقيق مصالحها الخاصة. ويرجع انتشار النموذج الأميركي إلى امتلاك أميركا منافذ إعلامية عالمية.

ويطلق الباحثون على تلك العملية، «عولمة المصالح المحلية»، يقول الباحث عمرو عبدالكريم: من المهم إدراك أن مفهوم «العولمة» يرتكز على عملية ثنائية الأبعاد: كونية الارتباط ومحلية التركيز، وهذا التضاد هو طبيعة كل واقع جديد، لذلك يصح أن نطلق عليها لفظ «العولمة المحلية».

يستخدم مفهوم العولمة لوصف العمليات التي تكتسب بها العلاقات الاجتماعية نوع من تلاشي المسافات ليتحول العالم إلى قرية واحدة، ويعرفها البريطاني رونالد روبرتسون: بأنها اتجاه تاريخي نحو انكماش العالم، وزيادة وعي الأفراد والمجتمعات بهذا الانكماش.

ويعرفها مالكوم بأنها: كل المستجدات والتطورات التي تسعى بقصد أو من دون قصد إلى دمج العالم في مجتمع عالمي واحد. ويمكن تعريفها بأنها سهولة حركة الناس والمعلومات والسلع بين الدول على النطاق الكوني.

وهناك من يخلط بين مفهوم العولمة والعالمية، إن العالمية تكرس التواصل بين البشر لتحقيق أهداف مادية ومعرفية لكافة البشر، وترفد الخصوصيات والهويات المختلفة وتثريها وهي تختص بحقوق الإنسان والحريات الثقافية والديموقراطية. والعولمة لا تعترف بالدولة أو الوطنية أو القومية، وهي تخص السوق والمال والسياحة والتكنولوجيا والمعلوماتية.

وتشكل العولمة بهذا المفهوم سلاحاً ذا حدين، فهي خيّرة حينما تربط بين الحضارات والشعوب والبلدان متخطية العامل الجغرافي، ومحررة الإنسان من كثير من القيود بفضل انتشار الإعلام ووضع المعلومات في متناول كل فرد، بما يتيح له الاطلاع على ما يجري في العالم وهو في بيته، فأصبحت ثقافات الشعوب مكشوفة ومنتشرة بسبب العولمة الاقتصادية والثقافية والإعلامية بشكل خاص.

وهي شريرة لأنها أدت إلى الهيمنة وسيطرة الأقوياء على الضعفاء والأغنياء على الفقراء، فباتت الشركات متعددة الجنسية مسيطرة على العالم، فالاقتصاد العالمي الجديد يعمل على تحطيم الحواجز الاقتصادية والمالية بين الشعوب، ليس لهدف إنساني ولكن من أجل مصلحة الشركات العالمية التي يملكها أفراد أو مجموعات قليلة.

وفي ظل الاقتصاد العالمي الجديد أخذ التفاوت الصارخ في مستوى التطور يعكس نفسه في التهميش المتزايد لعدد كبير من بلدان العالم لمصلحة الدول الصناعية القوية، وأدى افتقار الدول النامية لعناصر القوة ووسائل النهضة الاقتصادية من تكنولوجيا وخبرات إلى وقوعها فريسة لعولمة الفقر، وتبين معطيات مصادر الأمم المتحدة اتساع الهوة بين أغنى 20 في المئة من سكان المعمورة وأفقر 20 في المئة منهم، إلى 74 ضعفاً.

وحسب معطيات العام 2012 فإن 50 في المئة من المبادلات التجارية عالمياً تقوم بها الشركات متعددة الجنسية وتمتلك 55 في المئة من قيمة الإنتاج العالمي، فيما تبلغ حصة أفريقيا والشرق الأوسط وأميركا اللاتينية 4.6 في المئة من مجمل الإنتاج العالمي. ويستحوذ 360 مليارديراً على ثروات 3 مليارات نسمة، أي نصف سكان العالم، وأكثر هؤلاء الأثرياء يعيشون في الدول الصناعية وعلى رأسها أميركا.

كما أن سرعة التقدم في أنظمة الاتصال الدولي، والمواصلات وتطور أنظمة المعلومات والأقمار الصناعية زاد من سرعة الانفتاح العالمي، وأصبح العالم بفضل ثورة الاتصالات والمواصلات قرية صغيرة في خريطة الكون، وأصبحت الهيمنة الثقافية من الدول القوية على غيرها أمراً محققاً.

ولا يقتصر أمر التباين في التعاطي مع عولمة الثقافة على البلدان العربية والإسلامية، فحتى دولة متقدمة كفرنسا تجهد نفسها منذ سنوات وعلى أعلى المستويات الرسمية فيها لإيقاف زحف ما تسميه الغزو الثقافي الأميركي الذي يجتاح العالم من خلال الأفلام السينمائية، والبرامج التلفزيونية، والموسيقى، وبرامج الكمبيوتر، وحتى نوع الوجبات، والذي أصبح يؤثر في أذواق وتطلعات الأمم ويهدد الهوية الثقافية للشعوب.

وقد أصدرت كندا قوانين تحظر نشر ونقل مواد أجنبية أميركية مأخوذة من الأقمار الأصطناعية عبر حدودها، كما تقوم الكثير من الدول الآسيوية بعرقلة وصول برامج الكمبيوتر الأميركية بهدف إبعاد ما يبثه الأميركيون من وجهات نظر سياسية واجتماعية. ويتساءل المرء إن كانت تأثيرات العولمة ستستمر لفترة وجيزة أم ستدوم فترة أطول من الزمن، وبالتالي ستكون نتائجها على البشرية أكثر وأشمل؟

فهل نحن كأمة عربية إسلامية وضعنا القيود وعرفنا الحدود للاستفادة من إيجابيات العولمة وتحاشي السلبيات؟

[email protected]