الدكتور الكردي حدد مخاطره وأسبابه ووضع طرقاً لعلاجه

التحرش الجنسي... الداء المُتفشي بالمجتمعات

1 يناير 1970 05:24 ص
التحرش الجنسي ظاهرة ما أن ينتهي الحديث عنها حتى تُطل برأسها من جديد لأنها مشكلة وإن كانت قديمة إلا أنها حديثة، ويستفحل خطرها كلما زاد إقبال الشباب على الانغماس في الشهوات والمحرمات، والبعد عن الحصن المنيع المتمثل في التمسك بتعاليم الشرع الحكيم.

خبير الموسوعة الفقهية وعضو هيئة الفتوى في وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية في دولة الكويت الأستاذ الدكتور أحمد الحجي الكردي، وضع يده في حديث لـ«الراي» على موطن داء التحرش الجنسي، متلمساً بعضاً من الأسباب التي أدت إلى انتشاره في المجتمعات العربية والإسلامية، واضعاً الدواء الذي يرى أنه كافٍ لمنع تحرش الشباب بالفتيات أو على الأقل الحد منه.

وقال الكردي «لقد ظهر في المجتمع الإسلامي بل والعالمي كله في هذه الأيام الإعلان عن ظهور مشكلة اجتماعية خطيرة، هي التحرش الجنسي بين الرجال والنساء، وقد عنيت بها الإذاعات والصحف والمجلات، بل وعقدت لها المؤتمرات المتعددة على مستوى العالم، لدراستها ومحاولة معالجتها وهي في الواقع ليست جديدة، بل هي قديمة في كثير من المجتمعات الإسلامية وغير الإسلامية، ولكنها في العصر الحديث أو السنين الأخيرة وبخاصة بسبب المعارك والنزاعات السياسية توسع انتشارها ما اقتضى الاهتمام بها ومحاولة رسم الحلول لمعالجتها، وهنا لابد أولا أن نبين معنى التحرش، ومدى انتشاره وخطورته على المجتمعات التي انتشرت فيه، والطرق الآمنة لمعالجته معالجة حكيمة، وذلك بعد بيان أسبابه والمتسببين فيه».

وأضاف أن «مشكلة التحرش الجنسي تكمن أولا في تعرض الشباب للشابات في الشوارع والمنتديات المشتركة بالحديث عن الجنس والإغراء بطريقة فجة غير مهذبة، وقد يتبع ذلك تعامل جسدي باللمس وما إليه، وربما انتهى الأمر إلى العلاقة الجنسية الكاملة بينهما في نهاية المطاف، وفي كثير من الأحيان يكون هذا مع معارضة ولو ظاهرة من النساء (اغتصاب) وأحيانا مع ترحيب وامتنان لذلك منهن»، مشيراً إلى أن «ذلك قد يعد أمراً طبيعياً ما دام بتراضي الطرفين وقد يستنكر إذا كان بغير تراضٍ في المجتمعات غير الإسلامية، ولكنه في المجتمعات الإسلامية مستنكر بإطلاق سواء تم بين الطرفين بتراضيهما أو بدون تراض، لأن الإسلام يمنع العلاقات الجنسية بين الجنسين في غير دائرة الزواج وبناء الأسرة السعيدة، مهما كان شكلها، وسواء بتراضي الأطراف المتعاملة معها أو بغير تراضيها».

وعن المتسبب في هذه الظاهرة الخطيرة على الأخلاق والقيم الاجتماعية والدينية، التي تحميها وترعاها الشريعة الإسلامية والشرائع الدينية الأخرى قال الكردي إن «المتسبب في تلك الظاهرة أطراف متعددة، هي الشباب، والشابات، وأولياء الأمور، والجهات الرسمية المسؤولة في الدولة عن الأخلاق والنظام».

مضيفاً «الشباب مسؤول لعدم تمكنه من التحلي بالأخلاق الفاضلة والتعاليم الدينية، وسيره وراء الشهوات والنزوات الآنية، دون تفكر في عواقبها ونتائجها الخطيرة، والشابات مسؤولات أيضا لعدم التزامهن بالأخلاق والقيم الاجتماعية الضرورية، والحجاب أو الاحتشام على الأقل، فيخرجن متبرجات عاريات، يثرن الشهوة في نفوس الشباب العابث، ويؤيد ذلك أن الإحصائيات تدل على أن نسبة تورط الشباب العابث بالشابات المتبرجات أكبر بكثير من تورط الشباب الملتزم بالشابات المحجبات».

وزاد «كذلك أولياء الأمور مسؤولون وهنا أقصد الآباء والأمهات الذين لم يعتنوا بالشكل المطلوب في تربية الجيل على الفضيلة والتزام الأخلاق والدين منذ نعومة الأظفار، أما المسؤولون في الدولة، فمسؤوليتهم عن ذلك كبيرة جدا، لعدم قيامهم بواجب التوجيه أولاً والمراقبة ثانياً، والمعاقبة أخيراً، بما يردع الجميع عن الوقوع في هذه المشكلة الخطيرة».

وأردف «قد يسأل سائل لماذا التحرش الجنسي في الدول الأوروبية أقل منه في الدول الإسلامية، مع أن تعري النساء في الدول الأوروبية أكثر منه في الدول الإسلامية؟، والجواب أن طرق الزنا في البلدان الأوروبية متاحة أكثر منها بكثير في الدول الإسلامية، فالزنا في تلك البلدان بين الرجال والنساء الأجنبيات مأذون به إذا تراضى عليه الرجل والمرأة، حتى إن البعض يقول يندر أن تجد امرأة في الدول الأوروبية لم تزن في حياتها أكثر من مرة، ولا رجلا فيهم كذلك، أما في الشريعة الإسلامية فالزنا جريمة من أشد الجرائم التي عقوبتها الجلد أو الرجم حتى الموت، ومن هنا فما دام الزنا ميسراً في البلدان الأجنبية بالتراضي فلماذا التحرش؟».

وعن طرق علاج ظاهرة التحرش الجنسي، أوضح الكردي أن طرق العلاج تكمن في توجه الجهات المسؤولة في الدولة نحو الحل النهائي، وذلك بتربية الشباب والشابات على الأخلاق والقيم الفاضلة، وإلزامهم بالتعاليم الدينية التي توجب الحجاب أو الاحتشام على الأقل، وتمنع أو تقلل من اختلاط الجنسين ببعضهما من غير حاجة ماسة أو ضرورة سواء في المدارس أو الندوات العامة أو في الندوات التلفزيونية أو غيرها، كل منهم على وفق دينه وشريعته، ومحاسبة أولياء الأمور على تقصيرهم بعد توجيههم الوجهة الصحيحة في التربية والتعليم، وترسيخ الأخلاق والقيم الفاضلة، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ أَوْ يُمَجِّسَانِهِ) رواه البخاري ومسلم، ولا ننسى سن القوانين الرادعة التي تعالج هذه المشكلة من جذورها، وتنزل العقاب المناسب على من يخل بها أو يتورط فيها.

واختتم الكردي كلامه بالقول هذا كله بآيات كريمة من كتاب الله تعالى، لتكون منهجاً ونبراساً لمن يريد العمل على حل هذه المشكلة، وقد الله قال تعالى: (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ، وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا).