«حزب الله» المُمْسِك بـ «قواعد اللعبة» لن يَتَهاوَن حيال «الهجوم المُعاكِس»

«جمْر» الصراع يتأجّج في لبنان فهل تتحوّل التسوية... «رماداً»؟

1 يناير 1970 01:31 ص
السعودية وطّدت العلاقة مع واشنطن ورسّختْها مع موسكو... ولسانُ حالِها مقاومة النفوذ الإيراني

«حزب الله» الذي يُفاخِر بانتصارِ مِحْوَرِه المُمانِع يستعجلُ ترجمة هذا الانتصار باقتياد لبنان إلى بيت الطاعة
توحي مجرياتُ الصراع في المنطقةِ وعليها وكأنّ الإقليم، المزروع بالخناجر والخنادق والخيْبات، على حافةِ الربع الساعة الأخير قبل بلوغِ منعطفاتٍ من شأنها تحديد اتجاهات الريح...

سورية بعد «داعش» على موعدٍ مع ما يُشْبِه مرحلةَ «التصفيات النهائية» في عمليةِ ترسيمِ النفوذ بين اللاعبين الدوليين والإقليميين. فالجغرافيا والأدوار تخضعان لـ «فوتوشوب» يجعل الخريطةَ بِمَمَرّاتها وآبارِها ومُدُنِها وحدودِها جوائزَ ترْضية.

العراق، العائد للتوّ من سراديبِ تنظيم «الدولة الإسلامية»، عيْنه على صناديقِ اقتراع الـ2018 وولاءاتها، وقلْبه على كردستان بعد الـ «نعم» الكبيرة للاستقلالِ «الملغومِ» بصراعٍ من نوعٍ جديدٍ يختلط فيه النفط والدم والأحلام.

تركيا، التي تعاني أصفاراً كثيرة من المشكلات، يسكنها الآن الهاجسُ الكردي العابِر للحدود، ويجعلها أيضاً شريكاً مُضارِباً لإيران والآخرين في سورية والعراق، فالجغرافيا التي تحنّ إلى التاريخ تصبح سلاحاً لا يُستهان بقدرته المناوئة للخرائط.

إيران، التي تَرْمي بترسانتها وأيديولوجيتها وأحلامها الإمبراطورية لحماية هلالها الممتدّ من طهران الى بيروت مروراً ببغداد ودمشق، مرتابةٌ من دونالد ترامب الغامض، وأوراقه المستورة في النووي، وعصاه العائدة الى ساحات المنطقة.

السعودية الماضية في إصلاحاتِها الداخلية، وطّدت العلاقةَ مع واشنطن ورسّختْها مع موسكو، وتَدْفَع لتعويمِ عملية السلام ولسانُ حالِها مقاومة النفوذ الإيراني الذي يتباهى باسترهانِ أربع عواصم في العالم العربي.

كلّ هذا الجوار الإقليمي الهائج من حول لبنان، سرّع من تأجيجِ جَمْرِ الصراعِ الداخلي تحت التسوية السياسية التي قد تصبح رماداً. فها هي تنتقلُ من اختبارٍ قاسٍ إلى اختبارٍ أقسى وسط عناوين مفخَّخةٍ وقابلةٍ للاشتعال، كانت موْضع «ربْط نزاعٍ» فصارتْ محور اشتباكٍ كالتطبيع مع النظام في سورية واستعجال إعادة النازحين إليها، وإسباغ رئيس الجمهورية ميشال عون «شرعيةً» على سلاح «حزب الله» وأدواره، والتهديدات المتبادلة بالحرب بين «حزب الله» واسرائيل، والعقوبات الأميركية الأكثر صرامة على الحزب، وملامح عودة الاهتمام السعودي بلبنان تحت عنوان «لن نتْركه لإيران»، والانتخابات النيابية في مايو 2018 ونتائجها المفصلية ذات التأثير الكبير في تحديد الموقع الإقليمي للبنان والتوازنات فيه.

ما يَحدث الآن في بيروت أن المهادَنة الإيرانية - السعودية في لبنان، والتي جنّبتْه الانضمام إلى نادي الدول المشتعلة ومكّنتْه من إمرارِ تسويةٍ أنهتْ الفراغ الرئاسي، آخذةٌ بالتلاشي. فبعدما أدارتْ الرياض ظَهْرَها لبيروت «لأن مَن يربح في سورية يربح في لبنان»، وبعدما حيّد «حزب الله» استقرارَ لبنان وحَفِظَه كمكانٍ آمنٍ يحمي ظهْره في حروبه النقّالة في المنطقة، جاء وقتُ الحصاد.

«حزب الله» الذي يُفاخِر بانتصارِ مِحْوَرِه المُمانِع في المنطقة، يستعجلُ الآن ترجمةَ هذا الانتصار عبر سعيه لاقتياد لبنان برمّته إلى بيت الطاعة. فهو يريد تطبيع العلاقات مع نظام الرئيس السوري بشار الأسد وكأنّ شيئاً لم يكن، ويسعى إلى تحميلِ النازحين سريعاً بـ«صناديقِ اقتراعٍ» لجعْلهم أصواتاً في رصيد الأسد، ويَمضي إلى انتخاباتٍ نيابيةٍ أدار بِحِنْكَةٍ معركةَ إنتاجِ القانون الذي سيحكمها ويتيح له الفوز بغالبيةٍ تُمَكِّنه من التحكّم بالسلطة وتَوازناتها والإمساك بمفاتيح الرئاسات الثلاث.

وبهذا المعنى، فإن «حزب الله» الذي لم يتوانَ في مايو 2008 عن استخدامِ سلاحِه ضدّ بيروت وبعض الجبل لكسْر قواعد اللعبة بالقوّة في «بروفة» موْضعية تُرجمت في ما بعد في ساحاتٍ إقليمية فاقتْ مساحةَ لبنان بأضعاف مُضاعَفة، لن يتهاون في إحكام قبضته. ولم يتردّد أمينه العام السيّد حسن نصرالله في آخر إطلالاته، وعلى طريقة «أُعذر مَن أنذر»، في تذكير الآخرين بأن فائض القوة الذي يتمتّع به حزبه بلغ ذروته، وتالياً فإن أيّ محاولة لإعادته إلى «القمقم» ستُواجَه بما هو أدهى من «7 مايو» وأكثر إيلاماً مما يتوقّعه الخصوم المحليون والإقليميون للحزب الذي بات يملك جيشاً يفوق بِقُدُراتِه جيوشاً في المنطقة.

فـ «حزب الله»، يستشعرُ وطأةَ الهجومِ المعاكس الذي يجعله في صدارة «بنْك أهدافِ» المعسكرِ المناوئ لإيران بوصْفه «رأسَ حربةِ» مشروعها في المنطقة. ويأخذ هذا الهجوم المعاكس، في تقدير الدوائر القريبة من «محور الممانعة»، مستوياتٍ عدّة كتشجيع أكراد العراق على الانفصال، والسعي إلى استمالةِ قوى سياسية عراقية، والعملِ على إطلاق عملية السلام مع إسرائيل، وتشديدِ العقوبات على «حزب الله»، والحركة السعوديّة المستجدّة في اتجاه لبنان وعنوانُها «تغريدة» وزير الدولة لشؤون الخليج ثامر السبهان ان على اللبنانيين الاختيار «بين مع حزب الشيطان (حزب الله) أو ضدّه».

والرياض التي كانت استثمرتْ في التسويةِ السياسية اللبنانية التي أتتْ بحليف «حزب الله» العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية وأعادتْ الرئيس سعد الحريري، القريب منها، إلى رئاسة الحكومة، خابَ ظَنُّها بعدما أطلق الرئيس اللبناني تصريحاتٍ علنية تُدافِع عن سلاح «حزب الله» ومهمّته، وصبّ مجمل الأداء الرسمي في خدمة «أجنْدة» الحزب الداخلية والإقليمية، وهو الأمر الذي دفَعَ المملكة العربية السعودية إلى «رفْع الصوت» في محاولةٍ لاستنهاضِ قوى وأطراف مناهِضة لـ«حزب الله» وتجد في مآل التسوية السياسية استسلاماً لخياراته.

وبدا لافتاً في هذا السياق أن الرياض باشرتْ حركةَ مشاوراتٍ مع قادةٍ لبنانيين يُرجَّح تَوسُّعها، فاستقبلتْ رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع ورئيس حزب «الكتائب» سامي الجميل، وسط معلوماتٍ متداوَلة عن دعواتٍ لشخصياتٍ أخرى تعتزم زيارة المملكة في وقتٍ قريب في إطار مناقشةِ سُبُلِ «إعادة التوازن» الى الواقع اللبناني، وخصوصاً في الطريق إلى انتخاباتٍ نيابية يُخشى معها فوز الحزب بالغالبية البرلمانية عبر تَحالُفٍ عريضٍ يتيح له إجراءَ تعديلاتٍ في آليات الحُكم وشرْعنة سلاحه.

وتجد الحركة السعودية في اتجاه لبنان أرضاً خصبة نتيجةَ «التَمَلْمُل» الذي تُبْديه بيئات سياسية وطائفية متضرِّرة من تَعاظُم نفوذ «حزب الله» وتطويعه التسوية السياسية لمصلحة أجنْدته. وفي هذا السياق بدأتْ هذه البيئات بالتعبير عن نفسها بدينامياتٍ سياسيةٍ وشعبيةٍ يُرجَّح «تشْبيكُها» في مرحلةٍ ما وفي مسارٍ تَراكُمي لإحداثِ كوةٍ في الواقع السياسي تُمَكِّنها من التحوّل لاعباً في الانتخابات النيابية المقبلة. ومن تلك الديناميات، كان الإعلان عن إطلاقِ «حركة المبادرة الوطنية» ذات الطبيعة المسيحية - الإسلامية، ونداء مجموعة من الشخصيات الشيعية المستقلّة ذات التوجّه الديموقراطي ودعوتهم اللبنانيين من أجل قيام دولة مدنيّة، الطريقُ إليها يمرّ حكماً في الانتخابات النيابية.

ورغم هذه الديناميات، فإن الأنظار تتركّز في الدرجة الأولى على موقف الحلفاء «التقليديين» للمملكة العربية السعودية والمشارِكين في تلك التسوية، كالحريري وجعجع، إضافة الى زعيم الحزب «التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط. وتعود حراجة موقف هذا «الثلاثي» الى أن الرياض لم تعد تجد مكاناً لـ «الرمادية» في الموقفِ من «حزب الله»، وتالياً من «المساكنة» القائمة في حكومة التسوية، وسط تقديراتٍ توحي بأن السعودية، التي تدرك حساسية الواقع اللبناني وصعوبته، لن تمارس بالضرورة ضغوطاً على حلفائها للانسحاب من التسوية، لكنها لن تتوانى عن تشجيعِ قيامِ أطرٍ ودينامياتٍ وتَحالُفاتٍ تعيد التوازن إلى المسرح السياسي اللبناني.