بعد تحذير منظمة الصحة العالمية من تناقص تطوير أنواع جديدة وتزايد مقاومة البكتيريا لها

المضادات الحيوية... هل بدأ العدّ العكسي لانقراضها؟

1 يناير 1970 01:52 ص
قرعت منظمة الصحة العالمية، جرس إنذار مُقلق قبل أيام قليلة عندما نشرت تقريرا تحليليا موسعا حول أنواع المضادات الحيوية الجديدة التي قيد التطوير، وهو التقرير الذي حذر من أن هناك نقصاً غير مسبوق في تلك الأنواع، وأن هذا ينذر بأن الأنواع الحالية ستصبح أقل قدرة على مواصلة التصدي للتهديد المتزايد من جانب الميكروبات التي تكتسب مقاومة ومناعة ضد أنواع المضادات الحيوية المستخدمة منذ عقود.

وبتعبير آخر، يمكننا تصوير الأمر على أنه أشبه بـ «سباق» مصيري بين تطوير مضادات حيوية جديدة من جهة وبين تطوير البكتيريا لمناعتها ضد المضادات من جهة ثانية، إذ ان المضادات الحيوية الراهنة قد تفقد تأثيرها الفعال تدريجيا ثم «تنقرض» في النهاية إذا استمر التراجع العالمي الحالي في تطوير أنواع جديدة تتفوق على المقاومة المناعية التي اكتسبتها الميكروبات على مر العقود الفائتة.

وفي ضوء ذلك التقرير، بات السؤال التالي مطروحا بقوة: ماذا لو جاء اليوم الذي تنهزم فيه جميع المضادات الحيوية في ذلك «السباق»؟

لذا، يحذر اهل الاختصاص حول العالم من أنه إذا لم تبادر حكومات دول العالم إلى وضع وتطبيق التدابير والإجراءات القانونية والمهنية اللازمة لكبح تعاطي المضادات الحيوية بغير ضوابط فإننا سنصبح مقبلين حتما على «عصر ما بعد المضادات الحيوية» الذي سيكون «انتكاسة»، إذ ستصبح فيه الاصابات البكتيرية قاتلة مثلما كانت قبل بضعة قرون قبل اكتشاف المضادات الحيوية.

في حلقة اليوم نلقي الضوء من جوانب عدة على هذه المسألة الفائقة الأهمية لصحة الإنسان، وعلى أمور أخرى تتعلق بها:

أبعاد المشكلة

تعليقا على التقرير التحليلي المشار إليه آنفا، يرى المدير التنفيذي لمنظمة الصحية العالمية، تيدروس أدهانوم، أن ظاهرة تزايد مقاومة الميكروبات للمضادات الحيوية قد باتت تشكل «حالة طوارئ صحية عالمية تنذر بتعريض التقدم في مجال الطب الحديث للخطر بشكل كبير».

لهذا السبب، دعا أدهانوم إلى ضرورة المسارعة إلى ضخ مزيد من الاستثمارات في مجال البحث والتطوير سعيا إلى ابتكار أنواع جديدة كليا من المضادات الحيوية القادرة على على مواجهة العدوى المقاومة بما في ذلك السل، «وإلا فسيخسر العالم مئات الآلاف من الأرواح وعقودا من التقدم في هذا المجال» على حد تعبيره.

وإلى جانب ميكروب السل المقاوم للأدوية المتعددة، حدد تقرير «منظمة الصحة العالمية» 12 فئة من مسببات الأمراض الأخرى ذات الأولوية، بما في ذلك مسببات الالتهابات الشائعة كالالتهابات الرئوية والتهابات المسالك البولية، والتي تتزايد مقاومتها للمضادات الحيوية الموجودة حاليا وباتت تحتاج إلى مضادات جديدة في اقرب وقت ممكن قبل أن تصبح مستعصية على العلاج.

وعلى الرغم من أن التقرير رصد نحو 50 نوعا جديدا من المضادات الحيوية والبيولوجيا قيد التطوير المختبري والتجريب الاكلينيكي، فإنه حذر من أن هذا العدد غير كاف لتعزيز ترسانة المضادات الحيوية اللازمة لمواجهة تزايد خطر مقاومة الميكروبات للمضادات، لا سيما إذا أخذنا في الحسبان أن معظم تلك المضادات التي قيد التطوير قد لا تتأهل إلى مرحلة النجاح النهائية وبالتالي لن تبصر النور. فمن بين المضادات الحيوية الجديدة التي قيد التطوير حاليا، صنّفت منظمة الصحة العالمية 8 فقط حتى الآن كعلاجات مبتكرة وواعدة فعليا ومن شأنها أن تضيف قيمة إلى ترسانة المضادات الحالية.

أساس المشكلة

تنبع المشكلة من كون الميكروبات والبكتيريا تتمتع بنوع من «الذكاء» الذي يساعدها على أن تلجأ إلى المراوغة وتحوير تركيبتها الكروموزومية كي تتمكن من تفادي تأثير المضادات الحيوية. وشيئا فشيئا، تكتسب الميكروبات مناعة ذاتية ضد المضادات الحيوية، وهي المناعة التي اصطلح الباحثون على تسميتها «مقاومة المضادات».

هذا يعني أن جسم الإنسان أو الحيوان ليس هو الذي يكتسب مقاومة ضد المضادات الحيوية، بل البكتيريا هي التي تكتسب تلك المقاومة، وبالتالي فإنها تسبّب الإصابة بأمراض يكون علاجها أصعب بكثير من تلك التي تسببها نظيرتها غير المقاومة للمضادات.

ووفقا لإحصائيات رسمية، فإن مشكلة مقاومة المضادات الحيوية مستمرة في التزايد إلى مستويات خطيرة على مستوى العالم، وهي تهدد القدرة على معالجة عدد كبير من الأمراض المعدية الشائعة، كالالتهاب الرئوي والسل وتسمم الدم والسيلان، التي أصبح علاجها أصعب، وربما يصبح مستحيلا في المستقبل المنظور بسبب تراجع تأثير المضادات الحيوية الراهنة.

وقد لوحظ من خلال دراسات وأبحاث إحصائية أن مشكلة تزايد مقاومة المضادات الحيوية يزداد انتشارها في الدول والمناطق التي يتنسى فيها للمستهلكين شراء المضادات الحيوية وتعاطيها من دون وصفة طبية، سواء لأغراض الاستعمال البشري أو الحيواني.

الوقاية... مستويات عدة

يكمن جزء كبير من المشكلة في كون إساءة استعمال المضادات الحيوية والإفراط في تعاطيها تؤدي بدورها إلى تسريع وتيرة مقاومة الميكروبات لها، جنباً إلى جنب مع تدني الوقاية من عدوى الالتهابات الميكروبية.

ووفقا لإرشادات منظمة الصحة العالمية، فإنه يوصى باتباع تدابير احترازية ووقائية على جميع مستويات المجتمع في سبيل الحد من تزايد عمق ونطاق تلك المقاومة.

وفي هذا الإطار، توصى المنظمة الأفراد بما يلي:

• عدم تعاطي المضادات الحيوية إلا بوصفة طبية من طبيب معتمد.

• ألا يصر المريض على طلب مضادات حيوية إذا أخبره الطبيب بأنها لن تجديهم نفعا.

• الحرص دائما على اتباع إرشادات وتعليمات الطبيب المعالج عند تعاطي المضادات الحيوية.

• ألا يتشارك مريض مطلقا في المضادات الحيوية المتبقية من مريض آخر كان مصابا بحالة ذات أعراض مشابهة.

• الحرص على الوقاية من عدوى الالتهابات، وذلك بالانتظام في غسل اليدين وإعداد الطعام الصحي وتجنب مخالطة المرضى مخالطة حميمة والمواظبة على أخذ اللقاحات والتطعيمات.

وعلى مستوى السياسات، توصي منظمة الصحة العالمية حكومات الدول بالتالي:

• وضع وتنفيذ خطة عمل وطنية متماسكة لمعالجة مشكلة مقاومة المضادات الحيوية.

• العمل على تحسين آليات رصد عدوى الالتهابات الناجمة عن مقاومة المضادات الحيوية.

• تعزيز السياسات والبرامج المتعلقة بتطبيق تدابير الوقاية من انتشار عدوى الالتهابات البكتيرية.

• تنظيم وتعزيز آليات استعمال المضادات الحيوية ذات النوعية والجودة العالية، وآليات التخلّص من التوالف منها كما ينبغي.

• إتاحة ونشر المعلومات التوعوية بين الجمهور حول التأثيرات السلبية التي تنجم عن مقاومة المضادات الحيوية.

أما الأطباء والمهنيين العاملين في المجال الطبي، فتوصيهم المنظمة بما يلي:

• وقاية أنفسهم وغيرهم من انتشار عدوى الالتهابات عن طريق ضمان نظافة الأيدي والأدوات الطبية المستخدمة.

• عدم وصف مضادات حيوية أو صرفها لأي مريض إلا إذا كان في حاجة فعلية إليها في ضوء المبادئ التوجيهية العتالمية المعمول بها حاليا.

• إبلاغ جهات الرصد الحكومية فورا عن أي حالات عدوى بكتيرية ناجمة عن مقاومة المضادات الحيوية.

• توعية المرضى حول كيفية تناول المضادات الحيوية بشكل صحيح، وحول مخاطر إساءة تعاطيها.

وتمتد التوصيات لتصل إلى قطاع الزراعة والعاملين فيه، إذ ان المنتوجات الزراعية والحيوانية التي تعالج بمضادات حيوية تصل في النهاية إلى جسم الإنسان كغذاء. وتؤكد منظمة الصحة العالمية على أن هذا القطاع بوسعه أن يسهم إسهاما كبيرا في مكافة ظاهرة مقاومة البكتيريا للمضادات الحيوية من خلال قيامه بالتالي:

• الحرص دائما على عدم معالجة الحيوانات أو الطيور الداجنة بمضادات حيوية إلا تحت إشراف وتوجيه من جانب طبيب بيطري معتمد.

• الحرص على تفادي استعمال المضادات الحيوية في المجال الزراعي لأغراض تعزيز النمو أو الوقاية من الأمراض.

• مراعاة تطعيم الحيوانات بلقاحات وقائية لتقليل احتياجها إلى مضادات حيوية واستعمال بدائل للمضادات إن أمكن ذلك.

• تشجيع اتباع وتطبيق ممارسات آمنة خلال جميع مراحل إنتاج وتجهيز الأغذية الحيوانية والنباتية المنشأ.

• تحسين أمن المزارع من الناحية البيولوجية، وتعزيز إجراءات الوقاية من العدوى البكتيرية من خلال تحسين شروط نظافة ورعاية الحيوانات والطيور التي تُربي لأغراض الاستهلاك الغذائي البشري.

«مقاومة المضادات الحيوية»... حقائق بحثية مثيرة للقلق



«مقاومة المضادات الحيوية» مصطلح طبي يشير إلى المناعة الذاتية التي تطورها البكتيريا والميكروبات المسببة للأمراض والالتهابات المعدية، وهي المناعة التي تسمح للبكتيريا بالإفلات والنجاة، ما يعني أن المضادات الحيوية أصبحت أقل كفاءة وتأثيرا ونجاعة في التصدي للمرض.

في التالي نسرد عدداً من الحقائق التي أثبتتها أبحاث عن مشكلة مقاومة المضادات الحيوية:

• رسمياً، باتت مشكلة مقاومة المضادات الحيوية تمثل واحدة من أكبر المخاطر التي تحيق ليس فقط بصحة الأفراد حول العالم، بل أيضا بالأمن الغذائي وبالتنمية ككل.

• يمكن لتأثيرات مقاومة المضادات الحيوية أن تُلحِق الضرر الصحي بأي شخص بغض النظر عن سنه أو مستواه المعيشي.

• تتسبب مشكلة مقاومة المضادات الحيوية في إطالة أمد فترة رقود المرضى في المستشفيات إلى جانب ارتفاع تكاليف المعالجة الطبية وزيادة معدلات الوفيات.

• باتت قابلية استجابة أمراض بكتيرية خطيرة معينة – كالالتهاب الرئوي والسل والسيلان – أقل بكثير من ذي قبل، وذلك بعد أن أصبحت المضادات الحيوية المعالجة لها أقل نجاعة وجدوى.

• مقاومة المضادات الحيوية تنشأ وتتفاقم بشكل طبيعي، ولكن وتيرتها تتسارع بفعل إساءة استعمال المضادات سواء لدى الإنسان أو الحيوانات أو الطيور الداجنة.