«يا عيب الشوم»

1 يناير 1970 04:13 م
«يا عيب الشوم»... ثلاث كلمات كافية للتعليق على الفاجعة التي ألمّت بلبنان بعد الإعلان عن مقتل الجنود الأسرى الثمانية لدى تنظيم «داعش» الإرهابي.

«يا عيب الشوم»... كلمات تَلفّظ بها حسين يوسف قبل أسابيع قليلة، وهو يناشد الطبقة الحاكمة الكشف عن مصير ابنه محمد المختطف في الجرد العرسالي منذ ثلاث سنوات في وقت كانت فيه الطبقة السياسية غارقة في لعبة الكراسي وفي السباق إلى رئاسة الجمهورية في قصر بعبدا المقفل.

حسين يوسف الذي بات أيقونة أهالي الأسرى أو الشهداء لدى «داعش»، يمثل بتجاعيد وجهه وعيونه الثاقبة الحنونة معاناة اللبنانيين من واقع سياسي وطبقة حاكمة فاسدة ومفسدة عاجزة عن إدارة الفساد في ما بينها، أو حتى حماية اللبنانيين من سكاكين القتلة وخريجي المدارس «الداعشية» المحلية والمستوردة.

«يا عيب الشوم»... على طبقة من الساسة ترضى على نفسها ترْك أبطالها من الجنود، سواء كانوا أسرى أو حتى شهداء، يقبعون في الجرد من دون استردادهم، بل تكتفي بإطلاق التصريحات والمواقف الفارغة. القضية هنا ليست قضية استشهاد العسكر، فإن التضحية في سبيل الوطن تبقى شرفا عظيما لا يدانيه شرف، لكنها قضية شعب لبناني محروم من العيش أو حتى الموت بشرف، في بلد يعتقد البعض فيه أن إطلاق الشعارات والأغاني الوطنية كافية لطمس تهليلهم لاستمرار «حزب الله» وحلفائه في قضم سيادة الدولة اللبنانية.

«يا عيب الشوم»... على تحرير ثانٍ، وفق رواية أصحاب الانتصارات الإلهية، يُعلي مصالح هؤلاء ومصالح نظام الأسد على دماء جنودنا، ويَرضى بالسماح لقتلة الجنود باستقلال حافلات مكيفة وحتى مواكبته إلى بر الأمان من دون أي مساءلة أو عقاب. ويبدو من الطبيعي بل المتوقع أن تجد رابطة مشجعي الجزمة العسكرية وأنصار تلك الصفقة «الفاوستية» مع «داعش» حبكة ومنطقا لتبريرها، بل قد تصل الوقاحة إلى أن يَمُنَّ هؤلاء على اللبنانيين بهذا النصر الذي سعى «حزب الله» جاهداً الى اغتصابه ونسبِه لنفسه. هذا الجيش الذي برهن في مهمته العسكرية الأخيرة في الجرود بأنه قادر على حماية الحدود بمفرده، على عكس ما رُوّج على مر السنين.

«يا عيب الشوم»... على طبقة سياسية تصمت أمام إعدام الأبطال والشهداء على يد أمثال أبو محجن، وقتلة القضاة الأربعة والنقيب الطيار وسام حنا، وشاكر العبسي، وأبو مالك التلي، وأبو السوس الداعشي، وكل من سهّل اختفاءهم المسرحي عبر الأنفاق السوداء والباصات الخضراء.

«يا عيب الشوم»... على من يروّج للحشود الشعبية والسلاح المذهبي كطريق لاستعادة الحقوق السياسية المهدورة لتلك الجماعات التي تتبنى الخطاب العنصري والكره «للغريب» وحتى لشركائها في الوطن.

قد يخال البعض أن ما سبق من كلمات هو مجرد ردّ فعل على مأساة العسكريين، لكن الموضوع يتجاوز الآنية، كون الشعب اللبناني هو في آخر المطاف رهينة طبقة سياسية «داعشية» تخال نفسها قادرة على خداع الشعب في كل منعطف أو استحقاق سياسي أو أخلاقي. شعب، وللمفارقة، يرفض نبذ ثقافة «الزبائنية» والمذهبية التي ستُخفي في نهاية المطاف تضحيات شهداء الجيش كما فعلت «مراراً وتكراراً».

«إن عدتم عدنا» و«إن انتحرتم انتحرنا» و«إن تعقلتم تعقلنا»، لكن «إن» الشرطية لا تبني أوطانا ولا تحمي أرواح البشر كما أنها لم تَحْمِ الشهيد محمد يوسف ورفاقه.

أرواح البشر والأبرياء وشهداء الجيش اللبناني لا تُقدر بثمن، كما أنها لا تعوَّض لا بالأوسمة ولا بإعلان الحداد الوطني. والفاجعة الوطنية تلك أكدت مرة أخرى أن الطبقة السياسية اللبنانية، كما يقال بالعامية «ما بتسوى نغلة» (أي قرش).

«يا عيب الشوم».