صدى الكلمة
ثقافة التزوير
| د. يعقوب أحمد الشراح |
1 يناير 1970
12:30 م
لقد انتشر التزوير في السنوات الأخيرة وفي شكل لافت ومتزايد ولدرجة الشعوربالقلق الدائم. فلم تعد قضية تزوير الشهادات العلمية والتي ما زالت حديث الناس هي المسألة الوحيدة المقلقة، وإنما هناك أشكال متعددة من التزوير تغيب عن الذهن، ولا يتفاعل معها الناس إلا عندما تظهر على الساحة، ويخوض فيها الإعلام.
لقد أثارت الصحافة منذ أمد قريب شكلا آخر من التزوير سمي بالشهادات السكنية المزورة التي تحدث عنها وزير الدولة لشؤون الإسكان، وأفاد بأنه تم إلقاء القبض على شخصين من المقيمين يزوران شهادات «لمن يهمه الأمر»، ما حفز المسؤولين على مراجعة جميع الملفات والشهادات الصادرة، خصوصا تلك التي لها علاقة بذوي الإعاقة حيث وفق القانون يحق لهذه الفئة التمتع بالأفضلية في الحصول على الرعاية السكنية.
إن التزوير في الشهادات السكنية أو الشهادات العلمية الأكاديمية يعكس في جوهرالأمر سهولة ممارسته من قبل البعض الذي يعتبره ثقافة لا علاقة لها بالضمير والأخلاق. لذلك ليس بغريب أن تعاني الحكومة من مختلف أشكال التزوير كالجنسية، وملفات مدعي الإعاقة، والتلاعب في جلب العمالة، والادعاء بالمرض النفسي لتلافي الجرائم التي يرتكبها البعض ويعاقب عليها القانون، وتزوير الأختام، ورخص القيادة، والهويات وغيرها الكثير والكثير.
إن من أبرز مشكلات التزوير انهيار منظومة القيم والتي يستعصي علاجها بالقانون لوحده مهما كانت العقوبات مغلظة بسبب العلاقة الوشيجة بالتربية والثقافة والدين. لكن ذلك لا يعني تجاهل الحاجة إلى اتخاذ إجراءات تحد من عمليات التزوير منها تفعيل القانون، وتطويرالنظام الإداري بالتوجه نحو «الحكومة الإلكترونية» التي تسرّع من إنهاء معاملات الناس، وكذلك تمنع التزوير والتحايل واستغلال الوظيفة. ولعل أبرز مثال في ذلك الأعمال التي تؤديها البنوك حيث يصعب التزوير رغم أنها تتعامل مع المال.
إذاً، قضية التزوير تحتاج إلى مراجعة ودراسة لمختلف العوامل التي تؤدي إليها، وهي مهمة حكومية بالدرجة الأولى حيث إن معظم عمليات التزوير تحدث في أجهزتها، وبين المكلفين للعمل في هذه الأجهزة. فمن السهل على موظف بسيط أن يحترف مهنة التزوير مستفيداً من عمله، خصوصاً إذا كانت وسائل التزوير متاحة له، ويشعر بعدم الخوف من القانون لأنه يعتقد أن ممارسته للتزوير محكمة ليس من السهل على أحد اكتشافها.
هناك حالات كثيرة من عمليات التزوير لأشياء مختلفة لم تكتشف إلا في أوقات متأخرة، بل إن هذه العمليات ارتفعت معدلاتها بمرور الزمن رغم تطور آليات العمل الإداري الحكومي، وتشديد العقوبات، ووضع أنظمة جديدة للرقابة والمحاسبة. إن هذا الواقع المزري يدعو فعلاً للأخذ على وجه السرعة بالأنظمة الإدارية الحديثة التي تعتمد على ميكنة العمل، وإلغاء الأعمال اليدوية والممارسات التقليدية في العمل الحكومي.
إن أعمال الرقابة الحكومية في إطار استخدام التقنيات الحديثة تقلص بدرجة كبيرة مشكلات التزوير والاحتيال في النظام الإداري الحالي الذي يعتمد على العنصر البشري بدرجة كبيرة من دون إغفال أن التربية والأخلاق هما الأساس لتجنب الانحراف في السلوك.
yaqub44@hotmail.com