خلال أمسية شعرية أقيمت في مكتبة الكويت الوطنية
مفرح والزهراني... حرّكا سكون الكلمة بقصائد متمردة
| كتب مدحت علام |
1 يناير 1970
10:04 م
أحيا الشاعران الزميلة سعدية مفرح والدكتور أحمد قران الزهراني أمسية شعرية متميزة ودافئة، في إطار فعاليات صيفي ثقافي 12، والأمسية أقيمت في مكتبة الكويت الوطنية وأدارها الشاعر عبدالله الفلاح، بكلماته الشعرية المميزة، في حضور الأمين العام المساعد في المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب محمد العسعوسي والشاعر البحريني قاسم حداد والروائية ليلى العثمان، وجمهور من محبي الشعر.
وتضمنت الأمسية في أجوائها قصائد مفعمة بالحيوية ومتواصلة مع الكثير من المشاعر الإنسانية الخلاقة، تلك التي بثها مفرح عبر ما تمتلكه من طاقة شعرية متوهجة، ومتناسقة مع روح الحياة، فيما اتسمت قصائد الزهراني بالولوج في عوالم حسية متداخلة في ما بينها.
الشاعر السعودي الزهراني - وقبل إلقاء قصائده - مدح الكويت «منارة الثقافة» في الخليج العربي، التي نهل منها الثقافة من خلال مجلاتها الشهيرة خصوصا مجلة «العربي». كما شكر المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب وعلى رأسه الأمين العام المهندس علي اليوحة، والأمين العام المساعد العسعوسي، ومديرة قطاع الثقافة عائشة اليحيى وفوزية العلي، على تكرمهم باستضافته في هذه الأمسية.
ومن ثم توالت قصائده التي تواصل فيها مع العديد من المواضيع الإنسانية والفلسفية ليقول في قصيدة «وصايا»:
أَطِبِ المقامَ،
ولا تُسَارِعْ في الهَجِينِ من الكَّلامِ،
لعلّنِي أجدُ المساحةَ في جَلالِ الصَّمْتِ،
تَتسعُ العبارةُ كيفما شَاءتْ،
وتُعطِي شَهْوةَ «المعنى مِن المعنى»،
وتُنفِي المُثْبتَ الَموْزونِ،
لا يأْتي اشْتِقاقُ القَوْلِ وِفْقَ رسَائلِ العُشَّاقِ،
وِفْقَ سَكِينَةِ الموْتى،
ولا وفقَ انْطباعِ الزَّائرِ المَغْمورِ،
غيرُ مُحَمَّلٍ بالوِزْرِ أَمْضي،
مُثْقَلاً بقراءةِ الأبراجِ.
وقصيدة «تاج الكلام» للزهراني اتسمت بالمفردات المفعمة بالحيوية، والتناغم مع الكثير من الرؤى الشعرية ليقول:
أعيدي إلى الروحِ ماءَ الحياةِ،
وزيدي الغوايةَ،
زيدي،
ولا تسرفي في التبتّلِ،
حتى نشدَّ وثاقَ الحديثِ،
ونرسم للحبِّ تاجَ الكلامْ.
واسترسل الزهراني في قصيدته «نشيدُ الغياب»... في وصف أحاسيسه التي تستشعر الغياب في متون الحضور، ومن ثم فإن استلهامه للواقع جاء في أنساق إنسانية جذابة...
تعلل إذا ما انكشفت على سُلّمِ الوقتِ،
لا ترتبكْ مثلَ غصنِ السفرجلِ،
كنْ صادقا حين تُضفي على صوتِكَ الوجدَ،
مثَّل كأنَّكَ في مسرحِ الزارِ،
كنْ ليناً في الحديثِ مع المتعبين،
ولا ترتبطْ بالمواعيدِ في آخرِ الليلِ،
فالحبُّ لا يشتهي أن يغادرَ من مبتداه،
وعلِّلْ غيابَك عن من تحب بحمى المخاضِ،
ولا تكترثْ بالذي لا تراه.
وفي حديث عفوي ومرتجل - لا يقل قيمة عن الشعر - تحدثت الشاعر مفرح عن مشوارها الأدبي والصحافي الطويل، مفتخرة بعمرها الذي يزيد قليلا على الخمسين عاماً، وهو العمر الذي أنفقته طواعية في الشعر والثقافة والأدب، مشيرة إلى خوفها من الأماكن الواسعة، ما جعلها تتردد في قبول هذه الأمسية، كاشفة أن وجود الأصدقاء ومشاركة شاعر كبير في قامة الزهراني في هذه الأمسية أعطى لها الطمأنينة الكافية.
وكما قالت مفرح، فإنها شاركت بكل بضاعتها الشعرية «القديمة والجديدة»، ومن ثم فإن قصائدها تميزت بالعمق، والاقتراب أكثر من روح الحياة، وذلك وفق منظومة شعرية متناسقة وذات أبعاد فلسفية متنوعة لتقول في قصيدة «إثم البلاد»:
غادرتني البلاد التي
غدرت بالهوى
كان المكان يلملم أعطافه
شارداً
منشدهاً بالطقوس الصغيرةِ وهي تحاصره بالخرائط
وكان المكان حزيناً
منتبها للدعوص الكبيرة وهي تذرذر كثبانها سؤددا
وكنت أودع نافذتي
وأجلو غبار المسافات عنها
ويمسحُ ظاهرُ كفي
خطوَ الندى فوقها
وكان المكان يموت
وفي سياق آخر من القصيدة قالت:
ورحت أهيئني
للفراق الأكيد
ورحت أفارق إرثي وأطوي المسافات طيّاً
والحداء الحزين يودع صمت البلاد
ورائي
وتمتعت قصيدة «تغيب فأسرج خيل ظنوني»، بالدخول في مغامرة شعرية مع الحياة عبر ممرات حسية متقنة لتقول:
تغيبُ...
فَتَمضي التّفاصيلُ، هذي الّتي نَجْهَلُ كيفَ
تَجيءُ نَثيثاً وكيفَ تَروحُ حَثيثاً، تُغنّي
كَسرْبِ قَطاً عالِقٍ في شِراك النَّوى، فتَجْتاحُ
صَمْتي، هذا الغريبَ المريبَ، تُغالِبُ وَجْدي
هذا السَّليبَ، تَنوحُ ولا تَنْثَني إذْ مُغْرِياتُ
القَطا المُصْطفى عَبْرَ فَيافي الضَّنى قد تلوحُ
بجَبْهةِ مُهْرٍ جَموحٍ صَبوحْ
كما قرأت مفرح قصيدة كتبتها في العام الذي تم فيه توقيع «معاهدة أوسلو» الشهيرة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، منذ ربع قرن تقريبا، وهي المعاهدة التي لم تكن تتوقع حدوثها على الإطلاق، وكانت القصيدة رغم عدم قدرتها على استكمال أبياتها حتى الآن إلا انها تعبر عن رفض الشاعر لهذه المعاهدة.
وقرأت مفرح أيضاً، آخر ما كتبت من قصائد، والتي اتسمت بالتفاعل مع النفس الإنسانية، من خلال مناجاة الذات التي تتناغم مع الواقع في أرقى صوره: «أنا سعدية مفرح هشة جدا/ حتى لا يكاد يتخطاني حلمي المستحيل». واختتمت مفرح الأمسية بقصيدة اتسمت بالفلسفة والسؤال الوجودي.