أهلها يَخشون التعامل معها كـ «خطأ ديموغرافي يجب تصحيحه»
تعاظُم المخاوف في عرسال من «جرّها» إلى «معركة الجرود»
| بيروت - من وسام أبو حرفوش |
1 يناير 1970
01:37 ص
«حزب الله» ذاهِب للمعركة بمواكبة من الجيش اللبناني على طريقة تنسيق الجيش العراقي و«الحشد»
يُطِلق «حزب الله» في غضون أيام معدودة حَمْلته العسكرية في منطقة عرسال اللبنانية وجرودها المترامية على الحدود الشرقية مع سورية، في تَطوُّرٍ يُخشى معه انفجار واحدةٍ من «كراتِ النار» الشبيهة بما يجري في المنطقة، رغم معاندة لبنان ومنذ العام 2011 الانزلاق الى الحرائق المشتعلة في أكثر من ساحة.
فبعدما أعلن الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله أخيراً «الأمر لي»، استكمل «جيْشه» التحضيرات لمعركةٍ بالغة الحساسية في الجغرافيا السياسية - الطائفية في البلاد، عنوانها «مطاردة الإرهابيين» ومسْرحها «جزيرة» سنّية في محيطٍ شيعي يقطنها أكثر من 100 ألف نازح سوري لجأوا إليها جراء الحرب في بلادهم.
ويقضي السيناريو المفترض لمعركة عرسال وجرودها قيام «حزب الله» بهجومٍ بري انطلاقاً من الأراضي السورية، وبتغطيةٍ نارية من الجيش السوري عبر القصف بالطيران والمدفعية. أما الجيش اللبناني المتمركز على خطٍّ دائري حول عرسال - البلدة، فسيشكل حائط صدٍّ لمنع المسلحين من الارتداد في اتجاه الداخل والعمل على إبعادهم بالقصف عن بُعد.
وبهذا التطور المرتقب، ينقل «حزب الله» الذي يفاخر بسيطرته في سورية على أضعاف أضعاف مساحة لبنان، المعركة ولأول مرة الى الداخل اللبناني، بعدما كان انخرط منذ العام 2013 بالقتال في سورية الى جانب نظام الرئيس بشار الأسد، مما يعكس تحوّلاً لا يُستهان به في دور الحزب وسلوكه في لبنان، وسط تَهيُّب الدوائر المراقبة لما يمكن أن يحدث وردود الفعل حياله.
وثمة اعتقادٌ في بيروت أن «حزب الله» أفاد من المناخ الدولي - الاقليمي ربطاً بانتصار الحرب على الإرهاب في الموصل والتدافُع في اتجاه «اختطاف» انتصارٍ مماثل في الرقة، لتحقيق ما يريده في عرسال وجرودها عبر إنهاء جيوبٍ إرهابية لـ «داعش» و«النصرة»، والتخلص من كتلة بشرية «معادية» يشكّلها النازحون السوريون الموزَّعون على نحو 110 مخيمات في عرسال وجرودها.
ولم يُخْفِ «حزب الله» إصراره على التخلص من أكبر تجمعات النازحين السوريين وتمرْكزهم في منطقةٍ تشكل «شوكة» في خاصرة مناطق نفوذه المفتوحة على «سورية المفيدة»، وهو كان أدار مفاوضاتٍ بالواسطة لخروج المسلّحين وعائلاتهم، ودعا الحكومة اللبنانية للتعاون مع نظيرتها السورية للعمل على إعادة نحو مليون نازح سوري الى بلادهم.
وفي تقدير أوساطٍ واسعة الاطلاع، ان «حزب الله» يتعامل مع ملف النازحين من زاويتيْن، الأولى أنهم يشكلون في لونهم المذهبي (السنّة) دعامةً لخصومه في الداخل اللبناني، أي «تيار المستقبل» بزعامة رئيس الحكومة سعد الحريري، والثانية أن مخيماتهم قد تتحوّل بيئة حاضنة لمجموعاتٍ معادية لـ«حزب الله» يَسهل الاستثمار المخابراتي فيها لإقلاق الحزب وإشغاله في عقر داره.
وبدا أن الحكومة اللبنانية التي أربكتها ضغوط «حزب الله» لوضع ملفّ النازحين كأولوية على «جدول أعمالها»، نأت بنفسها عن المعركة التي يستعدّ لها الحزب في عرسال وجرودها بعدما أبلغ نصرالله، «عبر الأثير»، الدولة بكل مؤسساتها، أنه ذاهِب لـ «تحرير جرود عرسال من المجموعات الارهابية» بمواكبةٍ من الجيش اللبناني على طريقة أدوار الجيش العراقي و«الحشد الشعبي» في تحرير الموصل.
ورغم اعتقاد الذين يعرفون عرسال وجرودها أن مسلّحي «داعش» و«النصرة» المحاصَرون لا يملكون إمكان الصمود طويلاً في «معركةٍ خاسرة»، فإن خبراء عسكريين يستبعدون حصول عملية عسكرية خاطفة، فـ «حزب الله» الذي كسِب خبرةً في معارك سورية، غيّر تكتيكاته تفادياً للخسائر البشرية بعدما أصبح يعتمد على تقطيع أوصال المناطق ومحاصرتها لإنهاكها قبل السيطرة عليها.
وعلى وهج تزايد الكلام عن اقتراب الساعة صفر لبدء المعركة، تعاظمتْ مظاهر القلق في عرسال المسكونةِ بفائضٍ من التوتر بفعل طوفان من الشائعات حول مصيرها. وأبلغت جهات معنية في البلدة إلى «الراي» أن العائلات التي تملك أمكنة إقامة أو أقارب خارج عرسال تركوا البلدة تحسباً لما قد يحدث، نافية حصول ما يمكن وصفه بـ «حال نزوح جماعية».
وأعربتْ هذه الجهات عن «خشيتها من أن تترافق معركة (حزب الله) مع تَحرُّشاتٍ مشبوهة بمراكز الجيش اللبناني التي تحوط عرسال لإحداث فوضى يكون القصد منها إظهار البلدة وكأنها بؤرة للارهابيين على النحو الذي يبرّر احتلالها في سيناريواتٍ مماثلة لما حدث في الموصل والرقة».
وإذ رأتْ هذه الجهات، التي لم تشأ الافصاح عن هويّتها، ان الجميع يتعاملون مع عرسال على أنها «خطأ ديموغرافي لا بد من تصحيحه»، في إشارة ضمنية الى لونها المذهبي في محيطٍ مغاير، أخذتْ على القرار السياسي العام 2014 «انه حرّك الجيش اللبناني في اتجاه محاصرة البلدة من دون الدخول إليها، وتالياً فإن الدولة أدارت الظهر لعرسال وتركتها لقدرها».
ورسمتْ هذه الجهات خريطة للوقائع الحالية في بلدة عرسال، فأشارت إلى أن مساحتها تناهز الـ 12 كليومتراً مربعاً وهي مطوَّقة بإحكام من الجيش اللبناني الذي يزنّر عرسال المأهولة بمراكزَ عسكرية على شكل خط دائري قادرة على التغطية النارية في اتجاه كل جرود عرسال، وهو الانتشار الذي حصل عقب مواجهات العام 2014 (مع «داعش» و«النصرة»).
وكشفت عن «ان ما بين 80 إلى 90 في المئة من النازحين السوريين (عددهم نحو 100 ألف نسمة) يقيمون في عرسال المأهولة المطوَّقة من الجيش، أما المنطقة التي تمتدّ من آخر حاجز للجيش اللبناني حتى الجرود فتؤوي نحو 10 آلاف نازح يتوزّعون على مخيماتٍ متفاوتة الحجم، أكبرها في وادي حميد، وغالباً ما يلجأ إليها مَن تتعذر عليه الإقامة داخل عرسال».
أما الخريطة العسكرية في الجرود، ففي الجنوب يتمركز «حزب الله»، وفي الشرق «سرايا أهل الشام» و«جبهة النصرة»، أما في الشمال فتتمدّد «داعش» في المنطقة المقابلة لرأس بعلبك وصولاً إلى قارة السورية، وجميعها ترتبط بمعبر واحد في عرسال يمسك به الجيش اللبناني ويُعرف بمعبر وادي حميد.
وعلى وقع «قرقعة» السلاح، كان لافتاً استمرار المفاوضات «على الحامي» بين «حزب الله» و«جبهة النصرة» لانسحابها من جرود عرسال، وسط تقارير عن ان النقاط العالقة تتضمّن اشتراط «النصرة» الانسحاب بسلاحها، وربط «حزب الله» فتح ممرّ آمن لها في اتجاه إدلب بفتْح ممر مماثل لأهالي كفريا والفوعة في اتجاه مناطق سيطرة النظام.