الفكرة الملغومة
| د. يعقوب أحمد الشراح |
1 يناير 1970
11:41 ص
الخلفية البيئية والاجتماعية لها انعكاسات شديدة على الأفكار وطرق التفكير عند الناس
الفكرة الملغومة هي الفكرة المتطرفة غير المقبولة عامة... وينبغي حماية الشباب منها
الاختلاف ضرورة للعيش المشترك والإخاء بين كل الناس
تتباين الأفكار عند الناس حسب توجهاتهم ومعتقداتهم وما تعلموه في حياتهم لدرجة صعوبة إيجاد اتفاق على فكرة واحدة أو تعميم لمعتقد أو انطباع أو رأي عند مجاميع الناس من دون حدوث شيء من الخلافات والاختلافات... فمتى ما قبلت الفكرة أو الأفكار عند مجموعة من الناس فإن هناك آخرين لهم وجهة نظر معارضة أيضاً. لذلك انتشرت ظاهرة الأخذ برأي الأغلبية. فما الذي يجعل هذه الأفكار أو الأيديولوجيات عند الناس لا تسير على وتيرة واحدة ونسق عام متفق عليها بين الفئة الواحدة؟ وما الذي يجعل الاختلاف شائع في كل مكان في الفكرة أو الأفكار حتى في الأسرة الواحدة، بين الإخوة، الأب وأبنه، والأم وابنتها وغير ذلك؟. فهل السر في الاختلاف الفكري يعود إلى اختلاف الناس وتباين الأفكار في عقولهم، وتعدد خلفياتهم الاجتماعية والثقافية، أم أن السر يكمن في طبيعة الأفكار ذاتها؟
تشير الدراسات أن هناك أسباباً عديدة للاختلافات الفكرية بين الناس يعود بعضها إلى البيئة والتربية، وبعضها إلى الأحوال الاجتماعية والسياسية التي يعيش في أجوائها الأفراد، أو إلى طبيعة المفاهيم المتداولة بين الناس وما إذا كانت معتقدية أو سياسية أو تاريخية. لكن في كل الأحوال فإن الخلفية البيئية والاجتماعية لها انعكاسات شديدة على الأفكار وطرق التفكير عند الناس. فالفرد الذي عاش في النظام الشيوعي وتربى على أيديولوجياتها وتبنى أفكار هذا النظام فإنه يعارض كل من يعارض الشيوعية، تماماً كما يحدث عند الإنسان الذي عاش في أجواء الرأسمالية أو الإنسان الذي تربى على مفاهيم دينية أو علمانية وغيرها.
ولكن هذه الاختلافات الفكرية، كما يراها الناس، لا تشكل مشكلة في عالم أساسه مبني على التناقضات والمفارقات العجيبة والغريبة. كما أن هذا الاختلاف عند الناس أمر يراه كثيرون بأنه ضروري للتوصل إلى تفاهم يرضى به الغالبية، ويبعد حساسية الصراعات عن حياة الناس... ومع ذلك، فقد تبرز من بين الاختلافات الفكرية بعض الأفكار المتطرفة، وربما الهدامة أو الملغومة التي إذا ما انفجرت فإنها تدمر صاحبها ومن يتواجد حولها.
إن الفكرة الملغومة هي الفكرة المتطرفة غير المقبولة عامة، والتي إما أن تكون خفية سرعان ما تنفجر أو معلنة تهدف إلى التأثير الشديد في الناس، وخاصة التأثير في العقول اليانعة عند الشباب فتلغم أفكارهم بمفاهيم متطرفة ومؤذية... فالجماعات الإرهابية مثلاً تحمل أفكاراً ملغومة، وتبث سمومها في الشباب بنشر تعاليم خاطئة غير مقبولة عند العامة، والمجرم ينشر أفكاراً ملغومة بأن يغري ويستميل البعض للاشتراك في الجريمة مقابل مال، وتاجر المخدرات يحمل أفكاراً ملغومة فيؤثر في الأفراد ليتعاطوا المخدرات ليقعوا بعد ذلك في الآفة من دون خلاص... ولأن الفكرة الملغومة تشمل مساحات كبيرة من النشاطات العقلية للأفراد، فإننا نجدها غالبا ما تؤدي إلى النزاعات والتقاتل وتدهور المجتمع. لا شك أن اعوجاج الفكر تقع مسؤوليته بالدرجة الأولى على الأسرة والتربية والإعلام مع عدم تقليل أهمية التأثيرات البيئية الأخرى المحيطة بالفرد.
لهذا ينبغي الحرص على حماية الشباب من الأفكار الملغومة والمؤذية للذات والآخرين، بالتشديد على مفاهيم الرعاية والتنشئة السليمة، وخصوصاً التركيز على الأدوار المهمة للتربية والتعليم والأسرة والإعلام والمسجد. فهذه الجهات وغيرها تقع على عاتقها واجبات العناية بالشباب وإبعادهم عن الغلو في الفكر وتقبل الآخر، وأن الاختلاف ضرورة للعيش المشترك والإخاء بين كل الناس.
yaqub44@hotmail.com