صواريخ و«كوتا» وصورة وماكينات وقتْل... وأقوياء

لبنان... الصراع السياسي إلى استراحة والصداع الاجتماعي إلى الصدارة

1 يناير 1970 01:58 ص
«حزب الله» يدرك أن «رمزية» وجود نصرالله في القصر الرئاسي ... مجازفة
يضجّ لبنان، العائد للتوّ إلى «الستاتيكو» الممدَّد له مع ترحيلِ الانتخابات النيابية لنحو سنة، بمفارقاتٍ في السياسة والاجتماع والأمن والإعلام يصعب تَوقُّعها إلا في لبنان، الذي يكاد أن ينافس العجائب السبع وغرائبها، لما يختزله من ظواهر وأحداث ووقائع تزداد تَأجُّجاً في غفلةٍ من الضجيج السياسي ويومياته العامَرة.

فبيروت التي باشرتْ إطلاق العنان لـ «الماكيناتِ الانتخابية» في ملاقاة استحقاق مايو 2018 (المؤجَّل للمرة الثالثة) لم تُعِر اهتماماً لمغزى الصاروخ الإيراني الذي سقط في دير الزور السورية، وأصابتْ أصداؤه تل أبيب وواشنطن، وأَقحم في ارتداداته لبنان المدجَّج بترسانةِ «حزب الله» من الصواريخ المجهولة الكمّ والنوع.

تل أبيب، التي بدتْ على مدى الأعوام الماضية وكأنها في محاكاةٍ دائمة لحربٍ مؤجَّلة مع «حزب الله»، سارعتْ عبر محلّليها للقول إن صاروخ الـ 700 كليومتر الإيراني ربما تسلّل الى «حزب الله» بعدما جرى تدشينه في دير الزور، وثمة مَن يعتقد أن الصواريخ الإيرانية غالباً ما تصل الى الحزب قبل أن يصار الى الكشف عنها في طهران.

تقديراتٌ من هذا النوع مرّت «مرور الكرام» في بيروت التي انهمكت في تَقصي احتمالات تلبية الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله دعوة رئيس الجمهورية ميشال عون للمشاركة في «لقاء تشاوري» يعقد في القصر غداً لقادة الأحزاب المشارَكة في الحكومة لمناقشة سبل تزخيم عمل المؤسسات بعدما أُقر قانون الانتخاب.

ورغم رغبة عون في الفوز بـ «صورة» نصرالله يتصافح (في القصر الرئاسي) مع خصومه كرئيس الحكومة سعد الحريري ورئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع، فإن المسألة تبدو أكثر تعقيداً من الانتقال «غير الآمن» لنصرالله لالتقاط صورة «أكثر من تذكارية»، في لقاءٍ يُرجح ان يمثّل «حزب الله» فيه نائب أمينه العام أو رئيس كتلته البرلمانية.

فـ «حزب الله» ربما يدرك قبل سواه أن «رمزية» وجود نصرالله في القصر مجازفة قد تعرّض لبنان لمضاعفاتٍ يتجنّبها في لحظةِ وضع الولايات المتحدة «اللمسات الأخيرة» على رزمةٍ جديدة من العقوبات الأكثر صرامة على «حزب الله» وداعميه، واشتداد المواجهة الخليجية - الايرانية التي كانت أزمة قطر واحدة من تجلياتها الدراماتيكية.

والأكيد أن الحريري سيكون أكثر المحرَجين، أقلّه في توقيتٍ ربما لم يختره لـ «الصورة الافتراضية» مع الأمين العام للحزب، الذي يُتهم أربعة منه باغتيال الحريري - الأب (الرئيس رفيق الحريري)، رغم تطبيع العلاقة بين الطرفين بدليل الليالي التي أمضاها المعاون السياسي لنصرالله الحاج حسين خليل في دارة الحريري إبان المشاورات الماراتونية حول «جنس» قانون الانتخاب.

فالحريري الذي يطفئ محرّكاته منذ «مخاطرته الكبرى» في دعْم انتخاب حليف «حزب الله» العماد عون لرئاسة الجمهورية، يمضي في تجنيبه لبنان خطر الانزلاق الى الحريق عبر إيلاء القضايا الداخلية أولوية، وسط حرصٍ على ضخِ شيءٍ من «الحداثة» في عالم الترهّل اللبناني، كما هو الحال مع دعمه «الكوتا النسائية» التي لم ينجح بإمرارها في قانون الانتخاب.

ولم يتردّد الحريري في الظهور بتقرير تلفزيوني يعرض كفاءات المرأة وقدراتها في الأمن بعدما أصرّ على إشراك ضابطات وشرطيات في سرية حرس رئاسة الحكومة كـ «كوتا نسائية» بعدما كان كشف عن تصميمه ترشيح نساء على لوائح تياره (المستقبل) لخوض الانتخابات النيابية إيماناً منه بقدراتهنّ.

ولأن الشيء بالشيء يُذكر فإن «الأمن الممسوك» في البلاد، بدا أمام مفارقةٍ «غريبة عجيبة». فلبنان نجح وعلى نحوٍ باهر في مكافحة الإرهاب، لكنه فشل وعلى نحو مفجع في مكافحة الجريمة، مع ما يشبه ارتكاب «جريمة كل يوم»، وهو الأمر الذي فجّر أخيراً ما عُرف بـ «انتفاضة الأوادم ضد الزعران».

فخلف «الضوضاء» السياسية يضجّ «الصندوق الأسود» بمَظاهر مافيوية وعمليات قتل، و«الموت بشفط الدهون»، وجرائم فردية على طريقة الإعدامات الميدانية، وتصفيات متبادلة بين بارونات المخدرات، وبلوغ معدلات الانتحار نحو ثلاث حالات في الاسبوع الواحد، اضافة الى مظاهر أخرى مماثلة.

هذا الواقع المأسوي المُعاش ربما يعكس في جوانب منه ان «الحكم لا يحكم» في لبنان، وان اليأس يتعاظم بسبب الأزمات والإخفاقات، ولكنه يظهّر في جانبٍ منه الاهتزاز المريع في سلّم القيم واجتياح «البروباغندا» السياسية والإعلامية المعايير التي غالباً ما تشكّل ضابط إيقاع.

فمع صعود نظرية «المسيحي القوي» على سبيل المثال، حُرم الوزير السابق غسان سلامة، المشهود بكفاءته، من تبنيه كمرشح لبنان للامانة العامة للاونيسكو، ربما لأنه خارج لعبة الولاءات للمسيحيين الأقوياء، فإذ بالأمين العام للامم المتحدة يختاره ممثّلاً له لمساعدة الليبيين على حلّ أزمتهم.

وغسان سلامة هو المسيحي الثاني «الضعيف» في لبنان الذي يجري اختياره ممثّلاً أممياً في ليبيا بعد الوزير السابق طارق متري، الرئيس الحالي لمركز عصام فارس للدراسات الدولية في الجامعة الاميركية في بيروت.

ومن ضحايا «البروباغندا» كان المدير العام السابق لوزارة الاتصالات رئيس هيئة «اوجيرو» عبد المنعم يوسف الذي أُبعد عن موقعه وجرى مثوله أمام القضاء بعد حملة إعلامية طاولتْه قبل أن يخرج حراً طليقاً مما سيق ضدّه، وهو الذي يرجّح دخوله كتاب «غينيس» للأرقام القياسية بعدما كانت رفعت بحقّه أكثر من 200 دعوى قضائية منذ أيام عهد الرئيس السابق اميل لحود الذي سجنه لنحو 50 أسبوعاً قبل أن يفوز ببراءته.