أهلاً رمضان... شهر الصحة... بدنياً ونفسياً وذهنياً

1 يناير 1970 01:09 ص
بين آيات قرآنية، وأحاديث قُدسية وأخرى نبوية... يمكننا بسهولة استطلاع ورؤية هلال الفوائد الصحية العديدة للصيام عموما ولصيام شهر رمضان خصوصا، وهي الفوائد التي تنعكس على صحة وعافية البدن والنفس والروح والذهن، بل وعلى صحة العلاقات الاجتماعية والقدرة الانتاجية في العمل.

فالآية القرآنية الكريمة تقول: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ»، أي أن الحكمة الأساسية التي أرادها الله من وراء الصيام تكمن في أنه يزيد ويعزز الصحة القلبية الإيمانية المتمثلة في التقوى، كما أن الآية ذاتها تختتم بقول الله: « وَأَنْ تَصوموا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ»، أي أن من يتحرى العلم سيكتشف أن الصيام فيه خير أكثر من أي بديل آخر. وقد اثبتت اكتشافات العلم الحديث بالفعل أن الفوائد الصحية للصيام تتفوق على فوائد أي سبيل آخر غيره.

وفي حديث قدسي نقله النبي (صلى الله عليه وسلم عن الله) عن رب العزة: «قَالَ اللَّهُ كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إِلَّا الصِّيَامَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ»، وفي هذا الحديث الرباني دلالة واضحة على أن للصيام مكانة فائقة وثواب رباني خاص يفوق أي عبادة أخرى، وهو أمر كفيل بأن يبث في وجدان الصائم طمأنينة نفسية كبيرة تنعكس على أقواله وأفعاله، فتتجلى المحصلة الإجمالية لتلك الطمأنينة في شكل ارتقاء يطرأ على صحة العلاقات الاجتماعية.

وفي حديث نبوي قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: «الصيام جُنّة»، أي وقاية وستر من الوقوع في المعاصي والآثام والأمراض الاجتماعية. وفي هذا الحديث إشارة واضحة ايضا إلى أن للصيام تاثير إيجابي على صحة التقوى القلبية والصحة النفسية التي يكتسبها الصائم ويشع وهجها على المحيطين به.

من هذا المنظور، نخصص هذا العدد من «نبض العافية» لتسليط الضوء على جوانب متنوعة متعلقة بالصيام عموما، وصيام شهر رمضان خصوصا، مع التركيز على الفوائد التي تتأتى من وراء الصيام على الصحة البدنية والنفسية والذهنية.

في سياق الحديث عن أوجه الإعجاز العلمي لحكمة الصيام، يتوهم كثير من الناس أن للصيام تأثيراً سلبياً على صحتهم، وينظرون إلى أجسامهم نظرتهم إلى الآلة الصماء، التي لا تعمل إلا بالوقود، وقد اصطلحوا على أن تناول ثلاث وجبات يومياً أمر ضروري لحفظ حياتهم، وأن ترك وجبة طعام واحدة سيكون له من الأضرار والأخطار الشيء الكثير، وذلك التصور المغلوط هو نتيجة للجهل بالحقائق العلمية وطبيعة الصيام الإسلامي وفوائده المؤكدة.

لكن نتائج واستخلاصات أبحاث طبية خلصت إلى إثبات فوائد وقائية للصيام ضد كثير من الأمراض والعلل الجسمية والنفسية. ونورد في التالي مختارات من بين تلك الفوائد على سبيل المثال لا الحصر:

جهاز المناعة



الصيام يقوي جهاز المناعة، وبذلك يقي الجسم من أمراض بدنية وذهنية كثيرة، حيث يسهم الصيام الرمضاني تحديدا في تحسين المؤشر الوظيفي للخلايا اللمفاوية بمعدل 10 أضعاف، كما تزداد نسبة الخلايا المسئولة عن المناعة النوعية زيادة كبيرة، كما ترتفع بعض أنواع الأجسام المضادة في الجسم، وتنشط الردود المناعية نتيجة لزيادة البروتين الدهني منخفض الكثافة.

داء النقرس



النقرس هو ذلك المرض الذي يشتهر بلقب «داء الملوك» وهو ينشأ من مسببات عدة من أبرزها إفراط التغذية والإكثار من أكل اللحوم، وهو يؤدي إلى إحداث اختلال في استقلاب البروتينات الموجودة في اللحوم، وبخاصة الحمراء، ما ينتج عنه زيادة ترسيب حمض البوليك في المفاصل، وبخاصة مفصل الأصبع الكبير في القدم. وقد تزيد كمية أملاح البول في الدم ثم تترسب في الكلى فتسبب الحصـوة، يمكن للصيام أن يوفر علاجا جزئيا لمثل هذه المشاكل التي تنجم عن النقرس.

جلطات القلب والمخ



لأن الصيام يتسبب في انقاص جزء من مخزون الدهون الزائدة في الجسم، فإنه يسهم بالتالي في تقليص الكولسترول الضار في الدم، والذي تتسبب زيادته مع زيادة الدهون في الجسم في الاصابة بتصلب الشرايين وبجلطات الدم في شرايين القلب والدماغ ومن هنا، يلعب الصيام دورا مهما في الوقاية من تلك المخاطر المهددة للحياة.

السمنة ومضاعفاتها



الصيام يمنح وقاية من الاصابة بالسمنة وبالتالي الأمراض التي تنتج عنها، حيث ان السمنة قد تنشأ عن خلل في التمثيل (الاستقلاب) الغذائي، وقد تنشأ أيضا عن ضغوط أو اضطرابات بيئية أو نفسية أو اجتماعية، وقد تتضافر كل هذه العوامل مجتمعة لتسبب السمنة. وقد أكدت نتائج أبحاث ودراسات عدة أن الصيام يمكن أن يوفر الوقاية من تلك المخاطر، إذ أنه يوفر الاستقرار النفسي والعقلي الذي يتحقق بفضل زيادة الجرعة الإيمانية وضبط النوازع والرغبات، وتوجيه الطاقات النفسية والجسمية توجيهاً إيجابياً نافعاً.

حصوات الكليتين



الصيام يقي من تكون حصوات الكليتين، إذ أنه من الثابت علميا أن الصيام يسهم في رفع معدل الصوديوم في الدم، فيمنع تبلور أملاح الكالسيوم في الكليتين. كما أن الصيام يخفض نسبة مادة اليوريا في البول، وهي المادة التي تتسبب زيادتها في ترسيب أملاح البول، ما يؤدي بالتالي إلى تكون حصوات المسالك البولية.

سموم الجسم



الصيام يخلص الجسم من أخطار السموم المتراكمة في خلاياه، وخصوصاً السموم التي تترسب بين أنسجة الجسم على مدار العام بسبب تناول العقاقير والأغذية المضاف اليها مواد حافظة، فضلا عن استنشاق الهواء الملوث بعوالق وشوائب سامة.

فوائد بدنية أخرى



• يسهم الصيام في تقوية وتمكين آليات الهضم والامتصاص في الجهاز الهضمي وملحقاته من أداء وظائفها على أكمل وجه، وذلك بفضل عدم إدخال طعام على طعام سابق في أثناء هضمه وامتصاصه. كما يتيح الصيام راحة فسيولوجية للجهاز الهضمي وملحقاته، وذلك بمنع تناول الطعام والشراب لفترة زمنية، تتراوح من 9 - 13 ساعة بعد امتصاص الغذاء. كما تستريح آليات الامتصاص في الأمعاء طوال فترة الصيام .

• يلعب الصيام دورا حيويا في تنشيط أداء ووظائف الغدد الصماء ذات العلاقة بعمليات التمثيل الغذائي (الاستقلاب) خلال مرحلة ما بعد الامتصاص. فالصيام يساعد على تنظيم إفرازات تلك الغدد من خلال تنشيط آليات تثبيطها وتنبيهها يومياً، وعلى مدار شهر الصيام، فتكون نتيجة ذلك أن يحصل توازن بين الهورمونات المتضادة في تأثيراتها، مثل هورمون النمو وهورمون الإنسولين على سبيل المثال.

• يعزز الصيام آليات التمثيل الغذائي (الاستقلاب) ذات الصلة بعمليات بناء وهدم الغلوكوز والدهون والبروتينات في الخلايا.

• أما إذا اقتصر الجسم على البناء فقط، وكان همه التخزين للغذاء في داخله، فإن آليات البناء تغلب آليات الهدم، فيعتري الأخيرة - لعدم استعمالها بكامل طاقتها -، وهن تدريجي، تظهر ملامحه عند تعرض الجسم لشدة مفاجئة، بانقطاع الطعام عنه في الصحة، أو المرض، فقد لا يستطيع هذا الإنسان مواصلة حياته، أو مقاومة مرضه (3).

• من الثابت أن تأثيرات الصيام تسهم في تحسين ورفع مستوى الخصوبة الإنجابية لدى النساء والرجال على حد السواء.

• خلال فترة الصيام، تتهدم الخلايا المريضة والضعيفة في الجسم ويتخلص منها خلال الفترة التي تكون فيها وتيرة الهدم أعلى من وتيرة البناء، ثم تحل خلايا جديدة شابة محل الخلايا المتهدمة أثناء الفترة التي تكون فيها تلك الوتيرة معكوسة.

منافع الصيام... للنفس والذهن



لكونه اقتناع إيماني نابع عن عقيدة راسخة، يحقق الصيام لمن يمارسه الكثير من المنافع النفسية، إذ إنه يقوي فضائل الصبر، والتحمل، وقوة الإرادة، وكبح النوازع والرغبات.

وبطبيعة الحال، تكون ثمرة كل ذلك متمثلة في إضفاء مشاعر السكينة والرضا والاطمئنان على النفس. ولعل ذلك ما أشار اليه النبي صلى الله عليه وسلم عندما قال: «للصائم فرحتان يفرحهما: إذا أفطر فرح بفطره، وإذا لقي ربه فرح بصيامه».

وفي هذا السياق، هناك إجماع بين اختصاصيي الطب النفسي حول أن للصيام فوائد نفسية مؤكدة، ومن أهمها أنه يوفر وقاية وكبحا لأعراض بعض الاضطرابات النفسية كالاكتئاب والقلق والأرق، إذ إن تأثيرات الصيام الفسيولوجية والنفسية تعمل كمحفزات تولد القدرة على تحمل ضغوط الحياة فتتجلى نتيجة ذلك في نوع من الاستقرار النفسي.

كما أن الصيام بشكل عام يهدئ ثورة الغريزة الحميمة، وبالأخص لدى فئة الشباب. وما من شك في أن هذا الأمر يوفر وقاية نفسية، إذ إنه يقف حائلا دون الشعور بالذنب والاضطراب النفسي بعد الوقوع في إثم جنسي. وتشكل هذه الحقيقة العلمية إثباتا للإعجاز في حديث النبي صلى الله عليه وسلم «يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، ومن لم يستطع فعليه بالصيام فإنه له وجاء»، أي فليكثر من الصيام الإسلامي لأنه يكبح جماح الرغبة الحميمية. وهذا الأمر أكدته نتائج أبحاث علمية حديثة على الغدد الجنسية. وقد أثبتت نتائج بحث أن مستوى هورمون الذكورة (التيستوستيرون) ينخفض انخفاضا كبيراً أثناء الصيام المتواصل، بل يستمر هذا الهبوط لمدة 3 ايام بعد انتهاء الصيام، لكنه يعاود الارتفاع بشكل كبير بعد ذلك.

أما على صعيد الفوائد الذهنية، فخلال فترة الصيام يبدأ الدم بطرح الفضلات السامة منه أي يصبح أكثر نقاء، وعندما يذهب هذا الدم النقي إلى دماغ الصائم فإنه يقوم بتنظيفه أيضاً فيصبح لديه دماغ أكثر قدرة على التفكير والتحمل والتركيز.

وإلى جانب ذلك فإن الصيام مع التغذية الصحية يسهمان في الوقاية من الخرف ومن مرض الزهايمر. وبالنسبة إلى أفضل تغذية منشطة للمخ خلال الصيام تتمثل في الحرص على تناول كميات محدودة من السعرات الحرارية إلى جانب الإكثار من الأحماض الدهنية غير المشبعة (وبالأخص أوميغا-3) كتلك التي توجد في في معظم أنواع الأسماك، وبذور الكتان. فتلك الأحماض تزيد من كفاءة توصيل الإشارات في الدماغ، وتمنع حدوث اضطرابات في وظائف المخ، كما أنها تقلص خطورة الاصابة بالخرف وتدهور القدرة على التركيز.

«اتهامات»... الصيام بريء منها!



قبل أن تتطور الأبحاث والعلوم الطبية، سادت لقرون عدة معتقدات اتهمت الصيام بأنه يشكل خطرا على صحة وحياة ذوي أمراض بعينها. لكن الحقائق العلمية التي تكشفت حديثا وما زالت تتكشف أسهمت في توضيح عدم دقة بعض تلك تلك المعتقدات، بينما أكدت صحة البعض الآخر.

في التالي نورد بعض تلك الاتهامات التي تمت تبرئة الصيام منها بأدلة واثباتات علمية:

• كان وما زال بعض الأطباء يعتقدون أن الصيام يؤثر على مرضى المسالك البولية، خصوصاً الذين يعانون من تكوين الحصوات، أو الذين يعانون من الفشل الكلوي. وينصح أولئك الأطباء مرضاهم بألا يصوموا وبأن يتناولوا كميات كبيرة من السوائل على مدار اليوم. لكن ذلك الخطر ليس قائما بالضرورة لدى جميع أولئك المرضى. فلقد اتضح بالدليل العلمي أن الصيام يمكن أن يكون سبباً في إذابة بعض الأملاح وبالتالي عدم تكون بعض الحصوات. كما أثبتت تجارب على عينات من المرضى أن الصيام لا يؤثر سلبيا على معظم المصابين بمرض الفشل الكلوي ويخضعون إلى الغسيل المتكرر، وبالأخص المرضى الذين يتناولون الجرعات المحددة من العلاج.

• ساد لفترات طويلة اعتقاد مفاده أنه يحدث في اثناء الصيام فقدان نسبي كبير لسوائل الجسم وانخفاض عدد ضربات القلب وزيادة الإجهاد. لكن نتائج أبحاث تخصصية أثبتت أن الصيام النهاري على الطريقة الإسلامية لا يتسبب في تلك الأعراض، بل يسهم في تخفيفها إذا كان الشخص يعاني منها أصلا قبل بدء الصيام.

• كان الظن الشائع هو أن الصيام يشكل خطورة جسيمة على جميع مرضى السكري. لكن ثبت أن الصيام لا يشكل خطراً على معظم أولئك المرضى، بل إنه قد يكون مفيدا لصحة شرائح منهم نظرا إلى كونهم يسهم في تضبيط مستويات سكر الدم وتعزيز افراز الانسولين الطبيعي من البنكرياس.

• صحيح أن الافطار في رمضان مباح للأمهات المرضعات، لكن تلك الإباحة ليست لحمايتهن من أضرار صحية بل من أجل ضمان إدرار الحليب والغذاء بكمية كافية للرضيع. فالصيام لا يتسبب في تغيير التركيب الكيميائي أو الاستقلابي في أجسام المرضعات وخلال الشهور الأولى والمتوسطة عند الحوامل.

• شاع في السابق أن الصيام يؤثر سلبيا على أداء العضلات. لكن ثبت بالدليل العلمي أن الصيام على الطريقة الإسلامية لا يؤثر على الاداء العضلي وتحمل المجهود البدني. بل على العكس من ذلك، أثبتت نتائج بحث أجراه الدكتور أحمد القاضي وزملاؤه بالولايات المتحدة الأميركية أن درجة تحمل المجهود البدني - وبالتالي كفاءة الاداء العضلي - قد ازداد بنسبة وصلت إلى 200 في المئة لدى 30 في المئة من أفراد العينة التي أجريت عليها الدراسة، وازداد بنسبة 7 في المئة لدى 40 في المئة منهم.



للتواصل مع الملف:

alrai.pulse@gmail.com