2 > 1
تعليم الطالب مهارات الغش
| د. حسن عبدالله عباس |
1 يناير 1970
06:24 ص
ليس من المستحيل أن تتطور الكويت، لكن المهمة صعبة للغاية طالما أن النظام التعليمي يسير على هذا النحو.
منظر الطالب وهو يمر عبر بوابة الأمن الإلكتروني (نشرتها «الراي» وغيرها من الصحف) واستخدام أحدث الوسائل للكشف عن أساليب الغش الحديثة باستخدام الهواتف النقالة، والذي اعتقد أنه موضع تفاخر المسؤولين بالوزارة، المنظر هذا غير حضاري بالمرة. فهذه بحق كارثة تدمر النظام التعليمي بأكمله وتستحق نهضة ونفضة تربوية وتعليمية وشعبوية لإعادة النظر في ما يجري.
الصور التي أشير إليها أصبحت معتادة وتنشرها الصحف هذه الأيام بمناسبة اختبارات نهاية العام تكشف عن مشكلة تمس جذور العملية التعليمية. فالغريب أن المسؤولين يتفاخرون بهذه المناظر ويريدون أن يتباهوا بها كيف أنهم أتقنوا عملية الضبط والربط والمراقبة وتحكموا بالغش وأنهم قضوا على الظاهرة «نسبيا» بهذا الأسلوب. والمشكلة أن التقارير الصادرة عن وزارة التربية وتصريحات المسؤولين توضّح أن الغش لم ينخفض سوى نسبة 30 في المئة رغم استخدام الوزارة لأساليب الجيش الأميركي للكشف عن الهواتف والتكنولوجيا الحديثة المستخدم في الغش لدى الطلبة، كما يقول خبر «الراي».
كما قلت، ما يجري هو بحق دمار للعملية التعليمية كونها تكشف عن أمور عدة، تكشف أن الغش ظاهرة واضحة وبدت مستعصية على الوزارة ولا يمكن القضاء عليها إلا باستحداث أجهزة متطورة كالتي وجدناها في الصور. كذلك تكشف عن مستوى قبول وانتشار الغش كوسيلة ناجحة وناجعة لجواز المرحلة الدراسية وللحصول على الشهادة الأكاديمية وسهلة بدلا من تعب القراءة والتحضير والاستعداد للاختبارات. مضافا لذلك تكشف أن الغش المنتشر بهذه الكثافة في مرحلة الاختبارات النهائية للثانوية العامة يعني بالضرورة أنها أصبحت اعتيادية وأكثر قبولاً في الاختبارات القصيرة والفصلية والمراحل الدراسية السابقة. فحصولها بهذه الكثافة في الاختبارات النهائية يكشف أن ما يحصل في الاختبارات القصيرة والفصلية وفي المتوسط والمرحلتين الاولى والثانية للثانوية أكبر وأعمق وأشد بكثير مما يحصل في لجان الاختبارات النهائية التي عادة ما تكون مُعدة بشكل أفضل وفيها مستويات أعلى من الرقابة والصرامة.
وزارة التربية تُخطئ إن اعتقدت أنها بوسائل الملاحقة والمطاردة البوليسية ستكون قادرة للقضاء على الغش لأنها تخالف أساسا البنية الفكرية والأخلاقية من وراء فلسفة التعليم. التعليم يبدأ وينطلق من قِيم أخلاقية وفطرية لدى الإنسان كحُب الإنسان الفطري للعلم، واحترام الأستاذ كونه يعمل ليُنقذ الطالب من الجهل ولمرحلة النور وأرقى في كشف المجهول ووضع الحلول لها. العملية التربوية تعني كيفية تطوير مهارات الطالب في البحث والتحري واستكشاف الحياة ومقاومتها كما يُنمي عندهم الثقة بالنفس وحب المغامرة وعدم الخوف لأن الجهل رديف الجُبن والظلم، وتعني مساعدة الطالب لتأسيس حياة طيبة وكريمة ومزدهرة اقتصاديا واجتماعيا، وتعني كيفية العيش بسلام مع المجتمع بحيث يحترم الأنظمة والقوانين والتشريعات، وتعني حب الوطن وإخوانه المواطنين، وهكذا لباقي القيم الإنسانية والمجتمعية.
لكن وبدلا من هذه العلاقة المتبادلة الايجابية بين الطالب والمدرسة والمعلّم، نجد الوزارة مسحت هذه القيم السابقة واستبدلتها بقيم سلبية جديدة من قبيل الطالب ينظر للمدرسة على أنها نظام قمعي وسجن مكروه ينتظر بفارغ الصبر متى ينتهي منه وبأقل الخسائر، والوزارة تنظر للطالب بالمقابل على أنه شخص مشتبه به وغير موثوق والأصل أنه غشّاش فاسد سارق ولص حتى يثبت براءته. لذا الطالب يقابلهم بالمزيد من التحدي بأن يجتهد ليجد أساليب جديدة ومعقدة كي يستطيع بها الالتفاف على وسائل المراقبة وبلوغ الشهادة بأقصر الطرق. أرجوك تخيّل الفكرة التي ارتكزت في مخيلة المراهق بالاجازة بعد عناء الضغط الأمني بالمدارس؟ فأي شيء سيتذكره أكثر، هل سيتذكر دروسه، أم الوسائل الأمنية المستخدمة في الرقابة والخوف والتوتر والرعب بسبب ضغط هذه الفترة؟
وهكذا غيّرنا الأساس الأخلاقي في التربية والتعليم من نظام لبناء المجتمع إلى معسكر إصلاحي لتأهيل الفاسدين! لا يجوز أن نتصور أن نبني الكويت بهذه العقلية الأمنية، ومن الخطأ أن نتوقع أن يحمل أطفالنا حب الوطن والولاء لمجرد أنهم غنّوا النشيد الوطني وكرروا تحيا الكويت ويحيا العلم في طابور الصباح من دون أن يعوا ويُدركوا فكريا ووجدانياً وشعوريا. منهجية التعليم يا جماعة غلط ويجب أن يُعاد النظر في كل شيء. حب الوطن والعلم يبدأ من المراحل الأولية، وأولها القضاء على فساد التربية بأسلوب أكثر عقلانية وأخلاقية مما هو معمول به حاليا.
من شجّع الطالب على الغش هو الأستاذ وولي الأمر، والنظام التربوي الذي يترك الحبل على الغارب في كل المراحل ويريد أن يتشدد ويكون ملكيا في آخر مرحلة وفي آخر اسبوع من عمر الطالب، هذا النظام فاشل من دون شك. أين الوزارة طوال الـ 12 سنة الماضية، ولماذا لا توجد أنظمة تربوية أكثر حضارية وعلمية من هذا الأسلوب العسكري؟ أسئلة نتركها في عهدة الوزارة ووزيرها الشاب.
hasabba@