المُمانَعة حين تُحاضِر... بالعفاف!

1 يناير 1970 08:56 م
كلُّ شيءٍ يُمْكِن أن يُنتظر من اسرائيل تجاه المعتقلين الفلسطينيين، فهي مدرسةٌ في القمع والاضطهاد والوحشية، وهي الدولة التي أرستْ دعائم الإخضاع للقبول بالأمر الواقع أي باحتلالِ الأرض وتهويدها وتهجير مَن عليها بالقوة المسلّحة والتفوّق العسكري والأمني.

كلُّ شيءٍ يُمْكِن أن يُنتظر من اسرائيل وهو أمرٌ لا جدال فيه، بل ان إسرائيل نفسها تغضب إن قلنا عكس ذلك. لكن أن تنبري للتضامُن مع أسرى فلسطينيين مُضْرِبين عن الطعام رموزٌ وشخصياتٌ إيرانية وسورية وعراقية ولبنانية تابِعة لمحور المُمانَعة فهو مشهدٌ كاريكاتوري في أضعفِ وجوهه، واستخفافٌ ما بعده استخفاف بقضية المعتقَلين أنفسهم وبعقول العرب والمُسْلِمين.

تَخيَّلوا سماجة المَشهد. بعثي سوري يحتجّ على معاملة اسرائيل للأسرى الفلسطينيين، وعددٌ كبير منهم، بحسب شهادات منظمات دولية، يتمتعون برعاية طبية ويتابعون تحصيلهم العلمي ويلتقون أهاليهم، فيما السجون السورية مَقابر ضائعة بين السراديب لم يَشهد التاريخ، بحسب منظمات حقوق الانسان، عمليات إبادة مثل التي شهدتْها هذه السجون.

شهاداتُ الناجين من مذبحة السجون السورية لم تَدْفع بأيِّ مسؤولٍ لبناني يلعق جزمة القيادة السورية إلى التضامن ولو رمزياً بالصوم والإضراب عن الطعام. هؤلاء الذين يموتون بأبشع الطرق وأكثرها همجية لم يحرّكوا مثلاً شعرةً في رأس «الضمائر» المستترة خلف حواجز الخوف والعار من انكشاف حجم الخدمات التي قدّمها النظام السوري لهم.

المقارنة بين النظام القضائي ومصالح السجون في إسرائيل وبين الأنظمة القضائية ومصالح السجون في إيران والعراق وسورية وسراديب الميليشيات التابعة لها، قد يراها البعض بالعين المجرَّدة لمصلحة اسرائيل... سنعتبر أن المقارنة ليست في مصلحة اسرائيل وأن هذه الدولة العدوّة لا تشبه غيرها، وإنما السؤال هو، هل يحقّ لمسؤولٍ إيراني سَمِعَ بالأمس القريب دعواتٍ لإبادة المعارضين أن تنام مَشاعِره في سجون الأهواز مثلاً وتستيقظ في فلسطين؟ هل يمكن أن يكون أحد المسؤولين العراقيين صادِقاً في تَضامُنه مع أسيرٍ فلسطيني مُضْرِب عن الطعام وميليشياتٌ حليفة له وقفتْ تتفرّج على أسرى عراقيين يموتون بلا طعامٍ؟ أين كانت مَشاعر اللبنانيين المتضامنين مع أسرى فلسطينيين عندما شاهدوا أطفال الكيماوي؟ أين هم من أسرى لبنانيين بعضهم قضى تعذيباً في سجون النظام السوري وبعضهم ما زال مصيره مجهولاً حتى الآن ويقال إنه أُغرق في الأسيد كي لا يَظهر منه أثَر؟ أين هم من أسرى سوريين يُضْرَبون حتى الموت ولا يُضْرِب أحد عن الطعام من أجْلهم؟ وأَبْشَع ما في المشهد على الإطلاق أن يتحدّث مسؤولٌ سوري عن التعامُل اللا إنساني مع الأسرى الفلسطينيين... صعبةٌ على الهضم بل على السمع أصلاً. هذا المسؤول نفسه الذي شاهَدَ دفْن المتظاهرين أحياء وهم يُرفسون في وجهوهم مع عبارة «بدكن حرية يا ولاد ال...»، كيف يفكّر بالتضامن مع أسيرٍ رَفَضَ الطعام حتى ولو كان هذا المسؤول ينفّذ الأوامر الساذجة بتغيير الضوء الإعلامي من سورية الى فلسطين؟.

قمّة المَسْخرة حين تحاضر المُمانَعة بالعفاف. اتْركوا غيْركم يتحدّث عن معاناة الأسرى الفلسطينيين بما في ذلك جمعيات حقوق الانسان الإسرائيلية، وداروا عاركم يا مَن انتقلتم من شهادة الزُّور إلى المشاركة في الجرائم، وامتلِكوا الجرأة في تخييرِ مَن كُتب عليه حجْز حريّته، بين البقاء في سجنٍ إسرائيلي وبين الانتقال إلى سجون المُمانَعة... يوم لا يؤخر قناع ولا تقدم مزايدة.