مساحة التلاقي... فكر وأبعاد وحدود

1 يناير 1970 11:37 ص
أصبحت المجتمعات في حاجة ماسة أكثر مما مضى لإيجاد لحمة للمساحة المتصدعة

لتقليل مساحة الخلافات البينية نحتاج تفعيل القيم الإسلامية وحاكمية القانون
نعيش جنباً الى جنب في وطن واحد متجاورين في المنازل مجتمعين في العمل، متوجهين الى قبلة واحدة متحدثين لغة القرآن متفقين على قيم السماء، وبما جاء به رسول الأمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم. فهل تضمنا منظومة حقيقية على مساحة واحدة من عيش وتعايش الى مستوى قبول المساواة وجمال الفسيفساء، بقدر اختلاف ألوانها لتشكل جمال ورؤية تكاملية مكونة بذلك وازعاً فكرياً يلبي مفهوم القيم الانسانية؟في ظل تقسيم مساحة التلاقي والتشظي بين شعوب الأمة، والعمل على تفتيت ما بقي منها لأغراض طائفية أو جهوية وفئوية أو اقتصادية... ولخدمة أهداف فكر متطرف معتمد على مصادر استراتيجية العصر الجاهلي، وما كان يسود فيه من التعصب للرأي الواحد واثارة الصراعات والنعرات، والقوي يأكل الضعيف والعزلة والتمرد والتنمر على الآخر.

اليوم اصبحت المجتمعات في حاجة ماسة وضرورة اكثر مما مضى لإيجاد لحمة لهذه المساحة المتصدعة، وهي حاجة اجتماعية وطنية اصلاحية سياسية اقتصادية في لحظات هيجان المجتمعات، والتي يختلط فيها المتطرف والاصلاحي الذي يدعو إلى المساواة والعدل والوسطية، ونبذ وتجريم العنف، قال تعالى: «ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ».

أما المتبنون للفكر المتطرف واستغلالهم من قبل الاستعمار، وجهل بعضهم بمقتضيات الحياة والتعاليم الدينية الذي اوصل المجتمعات الى منعطف خطر فإما تنفذ مخططات الغرب وأطماعه أو تستسلم وتنكفئ على نفسها أو تغزى في عقر دارها وهذا ما يدعونا إلى ايجاد نسيج وطني يدعو الى وحدة الأمة والحيلولة دون تحقيق مطامع القوى الكبرى والداعين إلى شتات وتقسيم المسلمين من شواذ البشر.

جراء ما تقدم تتبين لنا أهمية العمل والبحث لتقريب مساحة التلاقي والتواصل الانساني امتثالا لأمر الله وخالق الكون ومدبره، ولضمان وكفالة العيش الكريم للإنسان. وفي سياق ذلك نحتاج للأخذ بعين الاعتبار النقاط التالية:

1 - الجميع يدرك أن هناك مسافة تزداد تباعدا وتباغضا وتنافرا بمقدار مساحة التلاقي وتشخيص هذه الحالة المرضية، قلة وعي ونقصا في مفهوم المواطنة والانحراف في التطرف، علما اننا اليوم نعيش عصر الانفتاح وفي ظروف استثنائية نحتاج إلى قرار شجاع لعلاج ما نحن فيه من صراعات طائفية، فئوية، مناطقية، يجمع وحده المجتمع. كما اننا في حاجة ماسة الى زرع الامل في نفوس الاجيال المقبلة لبناء وتقوية اللحمة الوطنية.

هنا لا تفوتنا الاشادة والاشارة الى مشروع «نسيج» الذي اسس له ودرب عليه مجموعة من المدربين بقيادة مدير فرع الشرقية الدكتور خالد البديوي والاستاذ يوسف الدخيل والاستاذ مروان الصقعبي وآخرين انا احدهم منذ العام 1437هـ، في مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني «السعودية»، يهدف تأكيد ثقافة التسامح والحوار والتراحم والوسطية والتعايش. ولهذا النشاط رمزية خاصة في مرحلته الاولى التي بدأت في فرع الشرقية، يستهدف طلاب المرحلة الثانوية وينطلق الى الدوائر الاخرى من موظفين وخطباء ومفكرين. وهنا نشيد بهذا العمل والعاملين عليه ونتمنى الاستمرار على ما أسس له من أهداف وقيم نبيلة تخدم المجتمع وتبني مستقبل لوطن موحد. كما اشيد بالتجربة الوليدة في دولة الكويت التي تأسست منذ العام تقريبا 1436هـ «الجمعية الكويتية للإخاء الوطني»، والتي تهدف الى تكريس القيم الفاضلة في المجتمع ودعم الجهود الإصلاحية الشاملة في جميع المجالات على أساس ترسيخ مبادئ العدالة والمساواة وكذلك تنمية ثقافة التآخي والتعاون والتكافل والتأكيد على قيم الوسطية واحترام الآخر ونبذ سياسة الإلغاء والتهميش وتعزيز الوحدة الوطنية وتوطيد العلاقات والروابط الاجتماعية بين جميع فئات المجتمع.

2 - العمل على توسيع مساحة التلاقي فكرا وابعادا وحدودا، ولا يتسنى ذلك لا بالحوار والانفتاح وقبول الرأي والرأي الآخر المختلف من مكونات واطياف المجتمع، خصوصا اننا متفقون جميعا ان مصلحة الوطن من مصلحة الشعب وان التكفيرين يمثلون انفسهم فقط.

3 - احترام خصوصية المجتمع سواء كانت تلك الخصوصية عقدية أو أعرافا اجتماعية على ألّا تمس عقائد وأعراف او قيم الآخرين، والجميع تحت قبة القانون متساوون.

4 - نشر قيم الاعتدال والحوار والانفتاح والوسطية بعقول منفتحة خصوصا ان المشتركات والاهتمامات المجتمعية هي كثيرة فقط تحتاج إلى ايجاد مساحة من الحرية للرأي والرأي الآخر، مع توفير مناخات وامكانات لتشخيص الازمات الحقيقية ووضع الحلول لها لمصلحة المجتمع واستقرار الوطن.

5 - الإقرار بالمواطنة كمفهوم وقانون بين ابناء المجتمع الواحد والعمل بهذا المبدأ من خلال المشاركة في مجريات الحياة لصناعة مستقبل واعد. يتم ذلك من المراحل الاولى في المناهج الدراسية والاعلام وشبكات التواصل الحديثة، وسن قوانين تجرم المتشبثين بالإقصاء وبث الكراهية.

6- لتقليل مساحة الخلافات البينية نحتاج تفعيل القيم الاسلامية وحاكمية القانون الذي ينص على التآخي والمساواة والعدالة والكرامة الانسانية والعمل الدؤوب وتغليب المصلحة العامة على الخاصة، والإصغاء لصوت العقل بالتواصل الايجابي مع الآخرين وبأساليب اخلاقية راقية وبالصبر وعدم التكبر على المعلومة واستخدام الكلمة الطيبة كشجرة طيبة والتعبير عن الرأي بالاحترام والتحلي بالتسامح والتآخي لينشئ سلاما مجتمعيا.

من هنا تأتي أهمية ودراسة الأمور التي تدعو الى فهم ابعاد وحدود مساحة التلاقي المجتمعي والانسجام والانفتاح والقبول بواقع العيش المشترك يخلق مجتمعا إنساني القيم والسلوك وتتضاعف الإنجازات وتوأد الفتنة في مهدها.

* كاتب سعودي