في الذكرى 42 للحرب... «الحرب الباردة في أوجها»
لبنان «فوق فوهة» منازلة قاسية في... «خميس التمديد»
| بيروت - من وسام أبو حرفوش |
1 يناير 1970
01:35 ص
... ما كُتب قد كُتب. غداً الخميس، الذي لم يَعُد لناظِره بعيداً، يستلّ اللاعبُ الماهر، رئيس البرلمان نبيه بري مطرقته «المتجهّمة» ليعلن بـ «الثلاثة» صُدِّق، صُدِّق، صُدِّق. وهكذا تصبح «الثالثة ثابتة» في التمديد الثالث لبرلمان الـ 2009.
فالرئيس بري، الذي خُدع بانتخابِ العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية عبر تسويةٍ من خلْفِ ظهره، لم يَخْدع أحداً حين تَجرّع الكأس المُرّة معلناً يومها «الجهاد الأكبر»، وبالنيابةِ عن شريكه في الثنائية الشيعية، اي «حزب الله». وكان المقصود يومها قانون الانتخاب.
وعلى طريقة «إما عون وإما الفراغ»، عاوَدَ «حزب الله»، الناظِم السياسي - الأمني للحياة السياسية، الكرّة من جديد حين قال «إما النسبية وإما التمديد» في محاكاةٍ مبكّرة لقانونِ الانتخاب رغم «الهرج والمرج» حول صيغٍ متلاطِمة سقطتْ الواحدة تلو الأخرى.
ففي اجتماعٍ يشبه «آخر المطاف» عُقد يوم الأحد الماضي في القصر الجمهوري وضمّ الى الرئيس عون «صهره» وزير الخارجية جبران باسيل ووفداً «رفيع المستوى» من «حزب الله»، قضي الأمر. فالحزبُ قال كلمته ومشى: لا لـ «المختلط» ولا للفراغ، فكان له، وسريعاً، ما أراد.
لم يكن انقشع الليل حتى طار «المختلط» كنظام اقتراعٍ يُزاوِج بين الأكثري والنسبي، وجرى نفْض الغبار عن مشروع النسبية الكاملة القائمة على التأهيل، وشقّ التمديد طريقه عبر اجتماعٍ طارئ عُقد أمس لهيئة مكتب مجلس النواب تحضيراً لجلسة تمديد تُعقد غداً وربما بمَن حضر.
مجلس الوزراء الذي انعقد الاثنين، التقط «كلمة السرّ» فشكّل لجنةً وزارية مصغّرة لوضْع تَفاهُمٍ بـ «الأحرف الأولى» حول صيغة النسبية الكاملة مع التأهيل التي كانت على الطاولة في جلساتٍ ماراتونية بين الرباعي باسيل، علي حسين خليل (أمل) نادر الحريري (المستقبل) و«حزب الله».
وعشية جلسة البرلمان «الفاصلة» غداً، كان «عضّ الأصابع» على أشدّه في انتظار مَن سيصرخ اولاً، وسط سباقٍ محموم بين الجميع على انتزاع مكتسباتٍ في «الخمس دقائق الأخيرة» او الحدّ من الخسائر وتَجنُّب المأزق، حيث برزت الوقائع الآتية:
• توقعات راوحت بين استحالة تحقيق اي خرق في الاتفاق على قانون جديد للانتخاب نظراً لصعوبة التوفيق بين «الشهيات المفتوحة» للاعبين الرئيسيين، وبين إمكان التوصل الى «رسمٍ تشبيهي» لقانونٍ تقترن إحالته على البرلمان بطلبِ التمديد «التقني» لمجلس النواب.
• الرفض الحاسم والمعلن من الثنائية المسيحية (التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية) لأيّ تمديد للبرلمان من خارج الاتفاق على قانون انتخاب جديد، وخصوصاً ان الرئيس عون أوحى بان ثمة نصوصاً دستورية تحول دون الفراغ، وتالياً فلا حاجة للتمديد.
• مسارعة الرئيس بري الى وضْع خيار التمديد لسنة كاملة على الطاولة عبر مشروعِ قانونٍ تقدم به «صاحب السوابق» النائب نقولا فتوش، بعد «نقْزته» من كلام عون، وانسجاماً مع القرار الحاسم للثنائي الشيعي (امل وحزب الله) بالتمديد للبرلمان مهما كلّف الأمر لان من شأن الفراغ «تفجير البلاد».
• وسط «تَوازُن الرعب» بين الثنائية المسيحية التي لا تريد التمديد بمعزل عن قانون انتخابٍ جديد، والثنائية الشيعية التي لن تسمح بأي فراغٍ في السلطة التشريعية وبـ «أي ثمن»، فمن غير المستبعد اللجوء الى «مخرجٍ وسط» يجنّب إحدى الأكثريتين الانكسار عبر مسودّة قانون انتخابٍ تطلب التمديد.
• «تيار المستقبل» بزعامة رئيس الحكومة سعد الحريري سيحاول لعب دور «الاطفائي»، فهو يحرص من جهة على عدم هزّ العلاقة مع رئيس الجمهورية، ويحرص من جهة أخرى على منع سقوط البرلمان في الفراغ، غير ان وقوفه في الوسط سيعرّضه لضغوطٍ قاسية من الطرفين.
وفي ضوء هذه الوقائع، كيف ستتصرّف الأطراف السياسية بعدما حُدد يوم غد موعداً لجلسةٍ تشريعية على جدول أعمالها مشروع القانون المعجل المكرر للتمديد للبرلمان لسنة كاملة، اي حتى 20 يونيو 2018؟ ومَن الرابح والخاسر من النهاية التي جاءت على طريقة «تأكيد المؤكد»؟
الأكيد ان عهد الرئيس ميشال عون مني بضربة قاسية، سواء تم التمديد بالتفاهم او بإدارة الظهر للثنائي المسيحي، اذ لم ينجح في توظيف التفاهمات التي أتتْ به رئيساً لإنتاج قانون انتخابٍ جديد بعدما كان أَسقط القانون النافذ عن سابقِ تصوّر وتصميم.
ولا تقلّ خسارة شريك «التيار الوطني الحر» في الثنائي المسيحية، اي «القوات اللبنانية» عن تلك التي مُني بها العهد، ربما لانفراط تحالف «14 آذار» الذي كان يقدّم في معركته السياسيّ على الطائفي في لعبةِ التوازن مع «حزب الله» على قاعدة إمساك «14 آذار» بالشرعية مقابل فائض قوة الحزب.
وثمة اعتقاد بأن الحريري الذي يعاني تراجعاً في شعبيته نظراً لخياراته التسْووية، صاحب مصلحة في التمديد الذي اتُهم زعيم «المستقبل» بالرهان على بلوغه لتفادي اختبار انتخابي لا يريده في هذا التوقيت، وخصوصاً بعدما «دُفن» القانون النافذ المعروف بـ «الستين».
ولم يختلف واقع حال الزعيم الدرزي وليد جنبلاط، الذي غرّد باكراً أمس ضدّ الصيغة المتداولة لقانون انتخابٍ «يقضي على الشراكة الاسلامية - المسيحية منذ 1943 واتفاق الطائف»، عن الحريري. فجنبلاط «تجرأ» وحيداً في الدفاع عن «الستين» وأطلق سهامه على كل الصيغ التي تم التداول فيها.
اما الرئيس بري فهو «يضحك في سرّه» كونه صاحب «السلة» الشهيرة التي أراد من خلالها الاتفاق على صفقة شاملة تتناول الانتخابات الرئاسية والحكومة وقانون الانتخاب، قبل ان يصار الى القفز من فوقه عبر تسويةٍ ناقصة أنتجت رئيساً وحكومة وفشلتْ في إنجاز قانون انتخاب.
ولم يعد سراً القول ان الامين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله الذي بارك لـ «فخامة الرئيس عون» عشية انتخابه، أبلغ اليه يومها انه وفى بوعده، ومن الآن وصاعداً فإن «اخوكم دولة الرئيس نبيه بري مفوّض منا بإدارة القضايا الداخلية».
وبهذا المعنى فإن «حزب الله» الممسك بخيوط اللعبة وضع الجميع بين «فكّيْ كماشة»، فإما النسبية الكاملة وإما لا انتخابات، وسط اعتقادٍ بأن الحزب الذي يقاتل في سورية والعراق واليمن ويتوقّع حرباً «محتملة» في الصيف، صاحب مصلحة في الحفاظ على «الستاتيكو» الحالي.
... وبدا من الصعب عدم الالتفات الى مصادفة لا تخلو من رمزية كبيرة. فالخميس 13 ابريل 2017 سيكون تاريخاً تبلغ فيه الحرب الباردة «أوجها» عبر التمديد للبرلمان بعدما أطاح الصراع على السلطة إمكان الاتفاق على قانون الانتخاب. وفي الخميس عيْنه غداً تُنكّس الرايات في ذكرى الشرارة الأولى لحربِ 13 ابريل 1975، التي استمرّت لعقدٍ ونصف العقد من الزمن ولم تنتهِ إلا على «حمّالة» اتفاق الطائف الذي «يصارع... للبقاء».