المزاعم عن الانتهاكات والتعذيب في السجون. كما تمكنت وزارة الداخلية، من خلال هذه العملية والألفة التي ساعدت في ترسيخها لاحقاً، من إقناع عائلات السجناء بأن أقاربهم يُعاملون بشكل لائق من جانب الدولة.
يعتمد برنامج الإرشاد على هذه التجربة، وعلى سوابق أخرى، من قبيل قيام شيخ أوعالم دين بزيارة سجين أو معتقل، إذ يُعتبر الطلب إلى شخصية دينية بأن يشفع لشخص عزيز بعد اعتقاله والاستفسار عن حاله أمراً شائعاً في السعودية. فلو تم اعتقال ابن أو ابن أخ في المناطق الريفية في السعودية، فإن الطلب إلى إمام القرية بأن يزوره ويسأل عن كيفية وصوله إلى هذا الوضع يعد أمراً مقبولاً. وعموماً فإن الطلب إلى رجل دين التحدث إلى شاب مضلل له اعتباره الخاص.
غالباً ما ينخرط رجال الدين مع السجناء بوسائل أخرى أيضاً لتعزيز الإصلاح والتوبة والتقوى. وينظّم مديرو السجون، بالتعاون مع وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد، محاضرات إسلامية ودروس حفظ القرآن؛ وقد تم الإفراج مبكراً عن عدد من السجناء بعد حفظ القرآن. وإضافة إلى نشاطات الرعاية والتوجيه في السجن، أوكل مسؤولو الأمن السعوديون إلى رجال الدين مهمة «الاستجواب الفكري» للمتشددين المشتبه فيهم خلال عمليات التحقيق، من خلال الانخراط معهم في الخلافات الدينية. وتم استخدام رجال الدين بنجاح في تشجيع المتشددين الإسلاميين المشتبه فيهم على الاعتراف، أو حث الأشخاص المدعى عليهم على التعاون مع السلطات. وقد استخدمت هذه العملية قبيل عملية تفجير المجمعات السكنية في الرياض في مايو 2003، واتسع نطاق استخدامها منذ ذلك الحين. على غرار جهود إعادة التأهيل تعتمد برامج النقاهة السعودية على ثقافة برامج إعادة دمج السجناء الراسخة في البلاد، إذ يوجد عدد من البرامج والمنظمات الاجتماعية التي تستند إلى تعاليم الشريعة الإسلامية، لمساعدة المدانين على الاندماج في المجتمع بعد الخروج من السجن.
ويقوم بهذا العمل عدد من اللجان المشكلة من إدارات حكومية مختلفة، بما فيها الإدارة العامة للسجون، ووزارات العمل والشؤون الاجتماعية والشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد والصحة. كما يعمل عدد من المنظمات المتخصصة، مثل لجنة دعم السجناء وعائلاتهم واللجنة الوطنية لحماية السجناء ومن أخلي سبيلهم وعائلاتهم، ولجنة المصالحة العائلية مع السجناء والمدانين السابقين وعائلاتهم. وتقدم هذه المنظمات كلها، بعضها شعبية وبعضها الآخر شبه شعبية وبعضها مجموعات تطوعية خاصة، خدمات إعادة التأهيل والدمج الأساسية للسجناء في المملكة العربية السعودية. وهي تشرف على برامج لتسهيل الزواج (بما في ذلك تقديم دعم مؤسساتي للمساعدة في العثور على أزواج لنساء مدانات بجرائم أخلاقية)، وزيادة الخدمات الاجتماعية، ودعم عائلات السجناء الذين يعتمد عليهم عيالهم في كسب الرزق.
وتمنح بعض المبادرات الأخرى مثل «صندوق المئوية» قروضاً تتيح للسجناء المفرج عنهم بدء أعمالهم الخاصة. وغالباً ما تتعاون المنظمات الخيرية مع الحكومة في تأسيس مدارس وبرامج تدريب، لمساعدة السجناء في الحصول على وظيفة، بينما تساعد منظمات غير حكومية أخرى السجناء وعائلاتهم، عبر توفير المواد الغذائية والملابس والألعاب في شهر رمضان. وهناك برنامج آخر جدير بالإشارة هو «جائزة الأم المثالية» الذي يقدم الدعم للنساء ممن لديهن أطفال في ما يقضي أزواجهن عقوبة السجن.
الوقاية
طبقاً لما يقوله عبدالرحمن الهدلق، أحد مستشاري الأمير محمد، ثمة مئات البرامج التي تشرف عليها الحكومة، وتهدف إلى توفير الوقاية. وتشمل هذه البرامج نشاطات لتثقيف الجمهور في شأن الإسلام الراديكالي ومخاطر التطرف، إضافة إلى تحييد الميل إلى التطرف عن طريق توفير البدائل. ويهدف كثير من هذه البرامج، التي تطبق من خلال «إدارة الإرشاد» في وزارة الداخلية، إلى مواجهة التطرف من خلال تشجيع ونشر تفسير أكثر حصافة ويخلو من التكفير للعقيدة الدينية، وهي تركز على الفقه الصارم لعلماء وهيئات معترف بها. والمتطرفون أنفسهم ليسوا الجمهور الأساسي لهذه البرامج، بل الجمهور الأوسع الذي قد يتعاطف مع المتطرفين، وأولئك الذين لا يشجبون المعتقدات التي تقود إلى التطرف.
ولكي يتم كبح الميل إلى التطرف وتجنيد الشباب فيه، تم استحداث نشاطات لإشغالهم وإبعادهم عن المتطرفين. وقد بيّنت الدراسات أن الكثير من الفتية انجذبوا إلى المتطرفين خلال أوقات الفراغ التي لا تخضع إلى الرقابة، كما في وقت ما بعد المدرسة وخلال العطلات الدراسية.
وكانت عمليات تجنيد الشباب أكثر سهولة، بسبب ندرة أماكن الترفيه الاجتماعية الخاصة بالشباب السعوديين. وتدعم الحكومة الآن سلسلة من النشاطات مثل المناسبات الرياضية، وسباقات السيارات والجمال، والنزهات في الصحراء بواسطة سيارات الدفع الرباعي، لمنافسة المعسكرات الصيفية والخلوات الدينية المشكوك في أمرها التي كانت تنظّمها مراراً في السابق الجماعات المتطرفة كي يحتك الشباب بأيديولوجياتها. وقد حددت وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد النوادي الرياضية، خصوصاً، بوصفها تلعب دوراً مهماً في عرقلة تجنيد الشباب لمصلحة التطرف. وعلاوة على ذلك، أمرت وزارة التربية في يوليو من العام 2007 بمنع مسؤولي الحلقات الدراسية المتطوعين من ذوي الخلفيات المشكوك فيها، من المشاركة في المعسكرات الصيفية للحيلولة دون نشر تفسيرات «منحرفة» للإسلام.
وفي برامج وقائية أخرى، بدأت وزارة الإعلام سلسلة من المشروعات، بعضها للشباب وبعضها الآخر للكبار، مستخدمة التلفزيون والصحف ووسائل الاتصال الأخرى. وتتم إعارة الخبراء للمدارس والمساجد للحديث عن مخاطر التطرف. وعلى نحو مشابه، ترعى وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد محاضرات ودروساً في المساجد في أنحاء البلاد كلها، مستخدمة الخطباء والمواد التي يوصي بها خبراء مكافحة التطرف. كما تم تنظيم سلسلة من النقاشات والمحاضرات المسائية طيلة أيام الأسبوع في موضوعات مختلفة يتحدث فيها شيوخ مختلفون كل مساء.
برامج الوقاية في المدارس
تنظّم وزارة التربية محاضرات وبرامج في مدارس المملكة لتعليم وتحذير التلاميذ في سن مبكرة من مخاطر التطرف وآثار الإرهاب والعنف. ومن خلال الكتب والنشرات والمواد التي توزع في المناسبات، تهدف البرامج إلى تنوير آباء التلاميذ والعائلات. ووفقاً لما تقوله وزارة الداخلية، فإن خمسة أشخاص في المتوسط يقرأون المطبوعات التي توزع في المدارس، ويأخذها التلاميذ معهم إلى منازلهم. وتنظّم المدارس مسابقات في الكتابة ومنافسات فنية، يتم تشجيع التلاميذ كلهم على المشاركة فيها. ويصوّر التلاميذ في هذه التمارين موضوعات مختلفة، مثل تأثير الإرهاب على السكان ودور الجمهور في حماية البلاد من الإرهاب. وعادة ما يتم الإعلان في بداية الأسبوع عن موضوع يكون محور النشاطات المختلفة، في ما يتم في نهاية الأسبوع منح جوائز لأفضل المقالات واللوحات. وتطبق هذه البرامج، التي توصف من جانب المسؤولين السعوديين على أنها تشبه برامج التوعية الأميركية الخاصة بالمخدرات، أو حملات التشجيع على «شرب الحليب»، إلى جانب المناهج الدراسية العامة، وتنفذ بدورها في أنحاء البلاد كلها محافظة إثر محافظة. وتسعى هذه البرامج إلى تثقيف التلاميذ بمخاطر الإرهاب وتعزيز الروح الوطنية. وشملت النشاطات الأخرى نقاشات وعروضاً، مدعومة من وزارة الداخلية، في المدارس والجامعات، وجلسات خاصة تقدم فيها معلومات عن فرص التوظيف لتشجيع الشباب على الانخراط في الأجهزة الأمنية لخدمة بلدهم والمساعدة في حماية الجمهور من التطرف. وكمثال على هذا أشارت صحيفة «الرياض» في نوفمبر 2006، إلى الكيفية التي تم بها استغلال مسرحية عرضت في إحدى الكليات لترويج رسائل الاعتدال.
وفي سياق هذه الحملة الواسعة، تستمر البرامج والنشاطات في المدارس السعودية كل أسبوع. وطبقاً لبعض التقديرات الحكومية، تجري كل يوم نحو سبعة نشاطات مختلفة تهدف إلى تقليص الدعم العلني والسري للتطرف في آلاف المدارس في أنحاء المملكة كلها.
وقامت الحكومة كذلك بخطوات لمكافحة عمليات التجنيد الإرهابي في المدارس. وغالباً ما يؤكد المسؤولون السعوديون على أن أكبر مصدر للميل إلى التطرف في النظام التعليمي هم «المدرسون المنحرفون» الذين يسيئون استغلال وقتهم مع التلاميذ بمناقشة قضايا خارج المنهاج الدراسي، مثل السياسة والدين والدفاع عن المواقف المتطرفة. وقد تم تطبيق عملية مراقبة للمدرسين يتم في نهايتها إرسال المعلمين المثيرين للمشاكل إلى كلية الملك فهد للعلوم الأمنية كي تتم إعادة تدريبهم. وبعد حضور سلسلة من خمس جلسات عن التطرف والإرهاب، يتم تعيين المدرسين الذين يواصلون الخروج على المنهاج الدراسي بطرق خطيرة في مناصب إدارية بعيداً عن التلاميذ في ما يتم، على ما يبدو، طرد أولئك الذين لا يمكن إعادة تدريبهم. وكما تمت الإشارة في مواضع أخرى، يخضع المنهاج الدراسي لعملية مراجعة شملت حذف أو توضيح فقرات تجد الحكومة أنها موضع اعتراض. وقد تعرّضت عملية التنقيح إلى العرقلة بسبب مزاعم بأن بعض المواد التي حذفت خلال عملية المراجعة أعيدت من قبل آخرين يعارضون عملية تحرير المناهج. ففي أغسطس من العام 2006 ذكرت صحيفة «الوطن» أن وزارة التربية فرضت قيوداً جديدة على الرحلات المدرسية للحيلولة دون تعرض التلاميذ إلى آراء غير مصرح بها.
وشاركت المحافظات وحكومات الإمارات السعودية في هذه الحملة الواسعة. ففي إمارة عسير، تعاونت حكومة الإمارة التي كان يتولى إدارتها آنذاك الأمير خالد الفيصل، مع وزارات التربية والثقافة والإعلام ووسائل الإعلام المحلية في إصدار كتاب عما قامت به الإمارة في مجال التوعية بالمخاطر التي يمثلها الإرهاب والتطرف. وفي ديسمبر 2006 أوردت صحيفة «المدينة» أن الأمير عبدالمجيد بن عبدالعزيز، الذي كان أمير مكة آنذاك، أيد إطلاق حملة مناهضة الإرهاب في مدارس الإمارة. ونظمت وزارة التربية محاضرات ولقاءات مع ضباط أمن لمناقشة عملهم، بينما ركزت البرامج الإذاعية على البرنامج الذي استمر عاماً كاملاً. ونفذت برامج مشابهة في جيزان في سبتمبر 2006 وفي مدن الراس وحائل في ربيع العام 2007.
إضافة إلى هذه الإجراءات، قامت الدولة بعدد آخر من المحاولات اللينة لمكافحة التطرف تهدف إلى محاربة إغراء التطرف. وقد شملت هذه المحاولات خطوات عامة كإصلاح التعليم والحد من الفقر، وتعزيز مؤسسات الدولة. وأسهمت في تلك المحاولات إصلاحات النظام القضائي، وخطوة إعادة هيكلة نظام السجون. وتم بناء خمسة سجون تهدف جميعها إلى تسهيل عملية إعادة تأهيل ودمج المتطرفين والمتشددين.
حملة المعلومات العامة والاتصال
مثّلت الحملة الشاملة للمعلومات العامة والتوعية جانباً أساسيا من البرنامج الوقائي السعودي. وتهدف هذه الجهود إلى تعزيز التعاون بين الدولة والجمهور، وتسليط الضوء على الضرر الذي تسبب فيه الإرهاب والتطرف، ووضع حد لدعم الجمهور وتسامحه مع المعتقدات المتطرفة.
في أعقاب تفجيرات الرياض في العام 2003 والحملة التالية التي بدأها تنظيم «القاعدة» في شبه الجزيرة العربية وضعت الحكومة السعودية لافتات ولوحات في أنحاء الرياض تركّز على شرور الإرهاب. ولفتت اللوحات، التي علقت على المفارق والتحويلات في الطرق الرئيسة، الأنظار إلى المذابح التي سببتها الهجمات وحملت شعارات مثل: «ديننا يرفض الإرهاب» و«كلنا يقول لا للإرهاب». كانت صور الفظائع تجاور صور المؤمنين وهم يصلون داخل الحرم المكي، إضافة إلى صور التقطت من مواقع بعض الهجمات وصور أخرى لحطام سيارات مفخخة كُتب فوقها: «هل هذه هي أفعال أبناء أمتنا؟».
كانت بعض اللوحات تهدف إلى تعزيز التعاون بين الشرطة وضباط الأمن العام وبين الجمهور. وظهرت في إحداها صورة يدين متصافحتين، إحداهما لشخص يرتدي الدشداشة التقليدية والأخرى لآخر بالملابس الرسمية. كان الهدف من هذه الصورة وصور أخرى، حث الجمهور على التعاون مع رجال الأمن وإظهار أن الحكومة والشعب يعملان معاً للحفاظ على السلامة العامة. وهكذا تم دمغ المتطرفين والمتعاطفين معهم بوصفهم أغراباً لا يعملون لمصلحة الناس، بل لخدمة أجنداتهم الخاصة. وركّزت بعض الصور الأخرى على نشاطات رجال الأمن وهم يشاركون في الهجمات المفاجئة، ويتبادلون إطلاق النار مع الإرهابيين، ويحملون الضباط الذين يصابون أثناء أداء الواجب. وصوّر البعض الآخر عمال الأمن والطوارئ في موسم الحج، وهم يقدمون العون إلى الأطفال وكبار السن والمرضى من الحجاج. وسعت الصور كلها إلى نقل فكرة أن الدولة تحمي المدنيين المسلمين وتعمل من أجل مصالحهم.
وسعت الحملة كذلك إلى تسليط الضوء على التضحيات التي قدمها ضباط الأمن. فقد ظهرت في أحد الملصقات صور رجال وضباط الأمن كلهم الذين قتلوا وهم يحاربون الإرهاب، وعليها عبارة تقول: «هؤلاء الرجال قتلوا وهم يحمونكم من الإرهابيين». وتم توزيعها على نطاق واسع في أنحاء المملكة كلها ، شأنها في ذلك شأن ملصقات أخرى، وعلقت جميعها بشكل بارز في أماكن عامة.
إعادة التأهيل
يشكّل برنامج الإرشاد لب الاستراتيجية السعودية لإعادة التأهيل، وهو محاولة شاملة لإعادة تأهيل وتثقيف المتطرفين والمتعاطفين معهم، من خلال نقاشات دينية مكثفة ونصائح نفسية لفك ارتباطهم بالتطرف، ولتشجيع المتطرفين على إدانة «المعتقدات الإرهابية»، خصوصاً عقيدة التكفير. وتتم دعوة المذنبين في المجال الأمني بصرف النظر عن جرائمهم الفردية إلى المشاركة في عملية إعادة التأهيل. وعندما تستكمل العملية، فإن الأشخاص المستعدين لإدانة معتقداتهم السابقة يصبحون مؤهلين للإفراج عنهم. ويؤكد مسؤولو وزارة الداخلية على أن «الأفراد الملطخة أيديهم بالدماء» والذين يُكملون برنامج إعادة التأهيل لن يتم الإفراج عنهم بصورة مبكرة.
ولا يعتمد برنامج الإرشاد على مبدأ الثواب والعقاب، بل على فرضية الميل إلى فعل الخير، بمعنى أن الدولة لا تسعى إلى الانتقام من خلال البرنامج. وهو ينطلق من فرضية أن المشتبه فيهم تعرضوا إلى الكذب والتضليل، من جانب المتطرفين كي ينحرفوا عن الإسلام الحقيقي. ويؤكد مسؤولو الأمن السعوديون أن المتطرفين يؤثرون سلباً على الأشخاص الذين يرغبون في معرفة المزيد عن دينهم، ومن ثم يفسدونهم من خلال احتكاكهم بأيديولوجياتهم المتطرفة. ويُعد التلاعب بالسذج بمن فيهم أولئك الذين يتوقون لأن يصبحوا أكثر ورعاً موضوعاً متكرراً في برامج مكافحة الإرهاب السعودية. وتؤكد الحكومة للمحتجزين وعائلاتهم، بشكل متكرر، أنها ترغب في مساعدة سجناء القضايا الأمنية في العودة إلى الطريق القويم. لذا يقدم الإرشاد بوصفه مساعدة لضحايا الميل إلى التطرف لا عقوبة للمخالفين.
تنظيم برنامج الإرشاد
يقدم برنامج الإرشاد من قبل مجموعة تسمى «اللجنة الاستشارية» في وزارة الداخلية برئاسة الأمير محمد بن نايف. الرياض هي المقر الرئيس للجنة، ولها ممثلون دائمون في سبع مدن كبرى. ويقوم أعضاؤها بزيارة السجون في أنحاء البلاد ويلتقون مع المحتجزين فيها. وتتكّون اللجنة من أربع لجان فرعية هي: اللجنة الدينية الفرعية، واللجنة النفسية والاجتماعية الفرعية، واللجنة الأمنية الفرعية، واللجنة الإعلامية الفرعية.
اللجنة الدينية الفرعية هي أكبر اللجان، وتتألف من 150 من رجال الدين والعلماء والأساتذة الجامعيين، وهي تشارك بشكل مباشر في الحوارات مع السجناء، إضافة إلى النقاشات الدينية والتعليمات التي تشكّل العملية الإرشادية. وتتم مفاتحة رجال الدين بشكل شخصي ويسألون عما إذا كانوا يرغبون في المشاركة في نشاطات اللجنة ولقاء المحتجزين. ويعد أسلوب الاتصال واحداً من أهم العوامل في اختيار أعضاء اللجنة الفرعية. وعندما يلتقي رجل الدين مع المحتجز، فلا ينبغي له أن يلقي عليه محاضرة، بل أن يدخل في حوار معه. وأحد المعايير
المستخدمة في تقييم أسلوب الاتصال هو ما إذا كان العالم يتحدث إلى المحتجز بوصفه «أخاه»، وما إذا كان دافعه الحب والعطف والرغبة في تقديم العون إليه. ولم تتم دعوة عدد من أعضاء اللجنة الفرعية إلى العمل مع المحتجزين من جديد بعد أن اتضح أن أسلوبهم لم يكن مشجعاً للحوار. وعلاوة على ذلك، يتم اختيار رجل دين للتحدث مع المحتجز إذا لم ينجح أحد أعضاء اللجنة في جذبه.
ولأن هناك عدداً كبيراً من علماء الدين في المملكة العربية السعودية تستطيع اللجنة اجتذاب مجموعة كبيرة من المشاركين. واستناداً إلى مقابلات مع مسؤولين سعوديين، تمكن العلماء المشاركون من التعرف إلى الخطر الذي يمثله «الفهم الفاسد» و«التفسير الخاطئ للعقيدة الصحيحة» على الدين والدولة، ولذا فهم يندفعون إلى المساعدة في توجيه الشباب على العودة إلى جادة الصواب.
لا تعلن اللجنة الفرعية عن أسماء الشيوخ والعلماء المشاركين. وهناك بعض الأعضاء ممن يتحدثون علانية ويوافقون على إجراء مقابلات، غير أن معظمهم يفضلون العمل بصمت.
أما البعض الذين ينأون بأنفسهم عن الدعاية، فإنهم يفعلون ذلك لأنهم يعتقدون بأنهم منخرطون في هذا العمل لوجه الله فقط، وأن الله سيجازيهم خير الجزاء إن هم لم يسعوا إلى الحصول على الثناء. ويعمل البعض الآخر بصمت لأنهم يخشون من الانتقام العنيف، إذا ما تم الكشف عن ارتباطهم ببرنامج الإرشاد، أو لأنهم لا يرغبون في أن ينظر إليهم على أنهم يشاركون في المبادرات الحكومية. وفي غضون ذلك، يتوق بعض العلماء والأكاديميين إلى المشاركة بهدف الترويج لأنفسهم، إذ لم تطلب اللجنة الاستشارية ذلك منهم.
تتكون اللجنة النفسية والاجتماعية الفرعية من نحو 50 من علماء النفس والأطباء النفسانيين وعلماء الاجتماع والباحثين. والأعضاء مسؤولون عن تقييم الوضع الاجتماعي للسجين، وتحليل أي مشكلات نفسية يعانيها، وتقييم سلوك السجين وطواعيته خلال البرنامج.
ويشارك أعضاء هذه اللجنة في بعض اللقاءات الإرشادية والحوارية، ولا سيما في جلسات البحث الطويلة. ويتفاعل علماء الاجتماع وعلماء النفس مع المحتجزين باستمرار، ولذلك فإنهم قادرون على تقييم تقدمهم. وتقيّم هذه اللجنة كذلك، مشاركة المحتجز، في محاولة لتقرير ما إذا كانت عملية إعادة التأهيل حقيقية. ولأن كثيراً من المرشدين يعيشون أو يمضون وقتاً طويلاً مع المحتجزين، فإنهم يتعرفون عليهم بشكل جيد. ويقال إن هذا الاتصال الوثيق، إضافة إلى عمليات الاختبار النفسية والسوسيولوجية وطرق التقييم الأخرى، تساعد في تقليص عدد عمليات المراجعة الذاتية الانتهازية أو الخادعة.
كما أن اللجنة النفسية والاجتماعية الفرعية مسؤولة عن تقرير نوع الدعم الذي قد يحتاجه المحتجز وعائلته بعد الإفراج عنه، لتعويض المصاعب التي تسبب فيها سجنه وتقليص فرص تحوّل أفراد آخرين من عائلته إلى التطرف. وترغب الحكومة كذلك في التأكيد على أنها لا تسعى إلى معاقبة المحتجزين أوعائلاتهم. ويعزز هذا الموقف وجهة النظر الخيّرة تجاه البرنامج، ويعتبر جانباً حاسماً في نجاحه. وللحفاظ على إطار الرحمة وإعادة التأهيل، تحرص الحكومة على الطريقة التي تنخرط من خلالها مع أفراد عائلة المحتجز. وطبقاً لما يقوله الأمير محمد، فإن العائلة ترغب في الشعور بأن كل ما يتم القيام به هو لمصلحتها ومصلحة ابنها العزيز، وكلما ازداد انخراط العائلة في عملية إعادة التأهيل ازدادت احتمالات مشاركتها فيها.
وتعمل الحكومة السعودية جاهدة، من خلال هذا البرنامج وبرامج أخرى، على إيضاح حقيقة أن المتطرفين لا يهمهم الإنسان، وأنهم يسعون إلى استغلال الشباب لمجرد تحقيق أجنداتهم، التي غالباً ما تكون عنيفة. ومن جانب آخر تعمل الحكومة جاهدة لإظهار أنها تهتم تماماً بكل فرد، وأنها لذلك ستفعل كل ما يتطلبه الأمر لدعم ورعاية شخص ما، ويمثل هذا جانباً أساسياً من البرنامج وحجة رئيسة تستخدمها في «حرب الأفكار»