في ظل استبعاد الحرب وتَعثُّر الاستراتيجية الأميركية بالمنطقة

طائرات من دون طيار تُطارد «حزب الله» في سورية

1 يناير 1970 01:16 ص
تَزايَد الحديث أخيراً عن ضغوط تُمارَس على إيران لحمْلها على سحْب الميليشيات الموالية لها من سورية، وفي مقدّمها «حزب الله» اللبناني كجزءٍ من الترتيبات التي تُناقَش على مساريْ الاستانة وجنيف بإدارة روسيا ومؤازرة اللاعبين في الميادين وعلى الطاولة، اي أنقرة وطهران، كمرجعيتيْن تملكان الكثير من خيوط «الربط والحل» في سورية التي دخلت عامها السابع من الـ «ميني» حرب عالمية.

وبدا ان روسيا، التي «تقاتل» لإنهاء الحرب في «مستعمرتها» الأهمّ في الشرق الأوسط، لم تعد قادرة على تَجاهُل التلويح الاميركي بالحرب على النفوذ الإيراني الذي يهدد دول المنطقة، وتوجّس اسرائيل من تَمدُّد هذا النفوذ على حدودها الشمالية من الناقورة اللبنانية الى الجولان السورية، إضافة الى مطالبة تركيا، التي «تعطي وتأخذ» في مفاوضتها، بإخراج الميليشيات الموالية لإيران بعدما سدّت هي الأبواب في وجه الميليشيات الأخرى.

ويتزامن هذا المناخ مع وقائع مفصلية كالمقاربة الاميركية - السعودية التي رأتْ في النفوذ الايراني في المنطقة خطراً على دولها، ومع تقارير عكستْ حجم المنافسة الروسية - الايرانية في سورية والاختلاف حول مسائل تكتيكية واستراتيجية، رغم حاجة موسكو وطهران الى السير معاً في الحرب التي لم تنته بعد، ومع تقارير مماثلة تحدّثت عن إخضاع روسيا تحركات «حزب الله» في سورية للرقابة.

والأهمّ في هذا السياق كان ارتفاع وتيرة الغارات الاسرائيلية داخل سورية. فرغم ان اسرائيل تعوّدت القيام بمثل هذه الغارات التي تَستهدف شحنات صاروخية يَتسلّمها «حزب الله» من ايران في محاولةٍ لمنْع انتقالها الى لبنان، فإن حصول ثلاث غارات في غضون أيام يعكس تطوراً لا يستهان به لما ينطوي عليه من دلالات، خصوصاً أنه اعقب المباحثات «الغامضة» التي كان أجراها رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتيناهو مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

فمن الغارة الاسرائيلية على مواقع «حزب الله» والايرانيين على تخوم تدمر، الى استهداف مواقع الحزب في جبال القلمون، مروراً بالغارة التي سقط فيها قائد احدى الميليشيات التابعة للنظام السوري على الطريق بين القنيطرة ودمشق، يؤشر هذا الأمر الى انتقال اسرائيل الى مرحلةٍ جديدة في تعاطيها مع ما يجري في سورية ربما تعبّر عن مخاوفها من جهة وعن عزْمها على التحول لاعباً من جهة أخرى في ضوء دخول المفاوضات في شأن إنهاء الحرب مرحلة ترسيم أحجام النفوذ.

ورغم اعتراض هذه الاندفاعة الاسرائيلية بـ «صاروخ سوري» أُطلق رداً على الغارة على تدمر وأسقطته الدفاعات الاسرائيلية، فإن ما يجري على هذا المستوى ما زال في نطاق «قواعد الاشتباك» التي كانت حدّدتها روسيا والتي «تغضّ الطرف» بموجبها عن اي استهداف اسرائيلي لشحنات صاروخية لـ «حزب الله» في طريقها الى لبنان او اي تحركات على الحدود مع اسرائيل، لقاء ضمانها عدم التعرُّض لقوات الحزب التي تقاتل الى جانب النظام في سورية.

لكن اللافت أخيراً ان روسيا تعمد بعد كل غارة اسرائيلية داخل سورية الى استدعاء سفير تل ابيب في موسكو لإبلاغها اعتراضها، في تطوّرٍ ينطوي على تقديرات متناقضة، فإما انه يعكس خشية روسية من تمادي اسرائيل بتشجيعٍ من الولايات المتحدة التي حجزتْ لنفسها موطئ قدم في سورية عبر مئات الرجال من «المارينز» ، واما انه من باب «رفع العتب» تماشياً مع «قواعد الاشتباك» المعمول بها.

وفي غمرة صعود هذا التطور المتّصل بالاندفاعة الاسرائيلية الى الواجهة، ثمة تقديرات تتحدّث عن ان الوقائع الديبلوماسية والعسكرية المستجدة قد تجعل «حزب الله» ودوره في سورية في عيْن العاصفة وتحت رحمة الطائرات من دون طيار الأميركية بعدما اطلق الرئيس دونالد ترامب يد استخباراته «السي. اي. آيه» التي كان كبحها باراك اوباما.

وتستند هذه التقديرات الى انه في ضوء استبعاد حرب ضدّ النفوذ الايراني في المنطقة والصعوبات التي تواجه إدارة ترامب في إقامة مناطق آمنة في سورية او تأمين قوات كافية لقيادة معركة طرْد «داعش» من الرقة ومن ثم انتزاع «شرعية» على الأرض للمطالبة بطرْد النفوذ الايراني (حزب الله)، فمن المرجح الاعتماد على عمليات الطائرات من دون طيار على غرار ما يجري في مطاردة «القاعدة» في دول عدة.

والسؤال هو: هل يقتصر هذا الأسلوب الجديد ضد «حزب الله» في سورية على اسرائيل، ام ان الولايات المتحدة الموجودة في أجواء سورية ستنخرط في هذه المهمة لترجمة «أقوالها بالأفعال»؟