الحريري تُرك وحيداً مع «الهدية المسمومة»... هل هي محاولة إحراجه لإخراجه؟
لبنان إلى «عيْن العاصفة» على وقع تَدَحْرُج «كرة» الاحتجاجات
| بيروت - من وسام أبو حرفوش |
1 يناير 1970
02:31 ص
الحريري جازَف بالنزول إلى الساحة لطمأنة الغاضبين فرُشق بالزجاجات الفارغة
عاد لبنان إلى «عين العاصفة» بعدما كانت التسوية السياسية التي أنهتْ 30 شهراً من الفراغ الرئاسي وأفضتْ الى تشكيل حكومةٍ ائتلافية أوحت بإنطلاقةٍ صلبة لمعاودة تعويم مؤسسات الدولة وتطبيع علاقة لبنان بالشرعيتيْن العربية والدولية واتباع سياسات تحمي البلاد من ارتدادات الصراع المفتوح في المنطقة، وخصوصاً في سورية.
واختزل المشهد اللبناني أمس مع العودة الى الشارع، في وسط بيروت وفي الجبل، مَظاهر بالغة التأزم، عكستْ في مجملها تقهقراً مريعاً للعهد الجديد على المستويات السياسية والإقتصادية والمالية والاجتماعية، إضافة الى الاضطراب المستجد في العلاقة مع الأسرتيْن العربية والدولية، الأمر الذي يضع البلاد أمام سيناريواتٍ قاسية وغامضة.
فعلى وقع عودة المتظاهرين الى وسط بيروت تحت «خليط» من اللافتات في تحركات احتجاجية عارمة، والحشود غير المسبوقة التي لبّت دعوة النائب وليد جنبلاط الى معقله في المختارة (الشوف)، انكشف رأس جبل الأزمات العميقة، التي مرّت فترة السماح للعهد الجديد من دون أي إشارات إيجابية توحي بـ «خريطة طريق» لمواجهتها.
ولم يكن مصادفة تَزامُن انفجار الغضبة الشعبية في وسط بيروت أمس وشدّ العَصَب الجنبلاطي في المختارة، مع عبور البلاد «المهلة الهالكة» لضمان إجراء الانتخابات النيابية قبل انتهاء ولاية البرلمان في 20 يونيو، في تطوّرٍ عكَس عجْز السلطة السياسية عن التفاهم على قانون انتخاب جديد، وتالياً ترَك البلاد أسيرة احتمالات مُرة، بينها الفراغ في السلطة التشريعية أو التمديد للمرة الثالثة للبرلمان.
وبلغت الإحتجاجات المتدحرجة أوجها أمس مع تظاهراتٍ من مشارب مختلفة ضمّت الآلاف قصدتْ وسط بيروت تنديداً بسلّة من الضرائب الجديدة لتمويل سلسلة الرتب والرواتب، كانت تُناقَش في جلسات للبرلمان الأسبوع الماضي قبل إرتفاع الصوت في وجهها وتجميد البحث بها، ومن ثم بدء تنصل القوى السياسية منها تحت وطأة بوادر النقمة الشعبية.
ووسط صمت رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، الذي تتردّد معلومات عن أنه بصدد إعلان موقف مهمّ، ومحاولة رئيس الحكومة سعد الحريري أخذ «كرة النار» بصدره، برزت وقائع تؤشر الى جعْل الحريري «كيس ملاكمة» بعد «الهدية المسمومة» التي دُفعت في إتجاهه، والمتمثلة بسلسلة الرتب والرواتب الموروثة من حكومة الرئيس نجيب ميقاتي الذي كان وعد بها لكنه تجنب تَجرُّع كأسها.
ومن أبرز هذه الوقائع وتَدرُّجها أمكن رصْد الآتي:
* مسارعة «القوات اللبنانية» المشارِكة في الحكومة الى تعليق تأييدها لما كان اتُفق عليه في البرلمان لناحية سلّة الإيرادات لتمويل السلسلة.
* إنضمام النائب جنبلاط الى معارضي سلّة الضرائب لتمويل السلسلة ودعوة أنصاره للمشاركة في التظاهرات الاحتجاجية.
* محاولة رئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل النأي بنفسه حين قال «حتى لو كان في الحكم لسنا جزءاً من المنظومة السياسية...».
* خروج رئيس البرلمان نبيه بري عن صمته ببيانٍ شديد اللهجة قلب عبره الأولويات بإرجاء مناقشة السلسلة وملابساتها وإعطاء الأولوية لقانون الانتخاب.
* تلقف الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله النقمة الشعبية برفض الضرائب على الفقراء والدعوة للمسارعة الى الإتفاق على قانون الانتخاب.
هذا الانكفاء للقوى السياسية أوحى وكأنه تمّ وضع الحريري وجهاً لوجه أمام الحركة الاحتجاجية في تطوّرٍ لا يُحسد عليه، بعدما كانت «الحريرية السياسية» أطلّت كمشروع إصلاحي مطلع التسعينات على أنقاض «إنتفاضة الدواليب»، وبعدما بدتْ الساحة التي خَرَج منها سعد الحريري زعيماً في الـ 2005 وكأنّها تَخرُج عليه.
وتتجه الأنظار تحت وطأة هذه التحديات التي يواجهها الحريري الى ما ستكون عليه خياراته في المرحلة المقبلة وسط همْسٍ عن إمكان إحراجه لإخراجه أو دفْعه الى تسديد فواتير باهظة تزيد من تقهقر شعبيته وهو في الطريق الى انتخاباتٍ نيابية يُراد له ان يخرج منها مُهشَّماً.
والمفارقة الأكثر إثارة في هذا السياق أن حلفاء مفترَضين لرئيس الحكومة من أحزاب وهيئات مدنية كانوا في التظاهرة التي احتشدت في ساحة رياض الصلح، كأحزاب الكتائب والأحرار والتجدّد الديموقراطي وناشطون في «14 آذار»، الى جانب جماعات ٍورموز مناهِضة لـ «الخط السيادي» كالمدير العام السابق للأمن العام جميل السيد، الأمر الذي عَكَس في جانب منه «فوضى الخيارات» التي رافقت التسوية السياسية التي انخرط فيها الحريري وأعادتْه الى السلطة.
ويأخذ حلفاء الحريري عليه أنه ارتضى أن يحصد ما زرعه خصومه، أقلّه منذ أن أطيح بحكومته في العام 2011 وما مورس من سياساتٍ كبّدت البلاد خسائر ومشكلات تحوّلت قنبلة موقوتة تكاد أن تنفجر بين يديه في ضوء سلسلة التحركات الاحتجاجية المرشّحة أن تستمر عبر محطة جديدة بعد غد الأربعاء.
ولفت إعلان بعض المتظاهرين أن الحريري طلب وقف مكبرات الصوت في الساحة لرغبته في توجيه رسالة صوتية الى الحشد فيها، وكانت المفاجأة أنه جازف بالنزول شخصياً وخاطب المحتشدين وجهاً لوجه من على الشريط الشائك الفاصل بين القوى الأمنية والمتظاهرين.
وفي الوقت الذي كان الحريري يُطَمْئن الغاضبين «أعرف وجعكم والحكومة مع رئيس الجمهورية ستكافح الفساد والهدر»، حاول بعض المتظاهرين رشْقه بالزجاجات الفارغة والعصي، إلا أن مرافقيه شكلوا درع حماية له، لكنه لم يشأ المغادرة الى السرايا إلا سيراً على الأقدام.
وعكستْ مجازفة الحريري بالنزول شخصياً لمخاطبة المتظاهرين بدل الإطلالة من على الشاشة، إدراكاً منه لحاجته الى إبداء حسن نية تجاه المطالب المرفوعة ومحاولته إحتواء «كرة الثلج» التي ترمى في وجهه بعدما تُرك وحيداً وسط غياب لافتٍ لجميع مكوّنات السلطة السياسية عن الشاشة أمس.